إعداد: مركز سيتا
تعتبر أوزبكستان، الناطقة باللغة التركية والمعروفة بـ “لؤلؤة آسيا الوسطى” وبوابة أنقرة نحو الجمهوريات المنسلخة عن الإتحاد السوفياتي السابق في العام 1990، من الدول المهمة والتي سيكون لها تأثير كبير من خلال ضمها لحزام القومية الطورانية. فبالتزامن مع الذكرى العاشرة لـ “إتفاقية نخجوان” المؤسِسة لـ “المجلس التركي”، إنضمت أوزبكستان بعضوية كاملة إلى مجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية.
نزاع طويل
نشأت العلاقات الأوزبكية – التركية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مباشرة، حيث كانت تركيا أول جمهورية تعترف بإستقلال أوزباكستان لكن سرعان ما توترت العلاقات، في العام 1993، بسبب رفض الحكومة التركية تسليم زعيم المعارضة الأوزبكية، محمد صوليح، لمخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، ليرد عليه الرئيس الأوزبكي آنذاك، إسلام كريموف، بقرار عودة 1400 طالب أوزبكي يدرسون في أنقرة إلى بلادهم.
على خلفية ذلك، ألغت أوزبكستان اتفاقية الإعفاء من التأشيرات بين الدولتين، بعد رفض تركيا تسليم اثنين من المشتبه بهما في هجوم إرهابي وقع في طشقند، العام 1999. جاء الرد التركي بتأييد إدانة الأمم المتحدة “مذبحة أنديجان” التي قتلت خلالها قوات الحكومة الأوزبكية أكثر من 1000 متظاهر، في مايو/أيار العام 2005، ما دفع إوزبكستان إلى رفض الإنضمام لعضوية “المجلس التركي” الذي تقوده أنقرة، العام 2009.
وفي العام 2011، داهمت السلطات الأوزبكية مكاتب شركة “تركواز” التركية للأسواق التجارية بسبب اتهامات تتعلق بالتهرب من الضرائب، وصادرت ممتلكات الشركة، ورحَّلت العشرات من رجال الأعمال الأتراك. وبعد مرور عام من هذه الإجراءات، بث التلفزيون الحكومي الأوزبكي فيلماً وثائقياً يؤكد أن رجال الأعمال الأتراك كانوا يديرون مصانع غير قانونية تنتهك حقوق العمال.
بقيت الأمور على حالها إلى أن وصل الرئيس الأوزبكي، شوكت ميرزيوييف، إلى سدة الحكم، في العام 2016، حيث أعاد العلاقات مع تركيا إلى ما كانت عليه في السابق.
لماذا الآن؟
يدرك الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ما تمتلكه أوزبكستان من ثروات طائلة، وأسواق واعدة للمرور عبر بوابتها إلى دول أسيا الوسطى لبسط النفوذ التركي، وإحياء القومية الطورانية، والسيطرة على منابع النفط، ومحاصرة عناصر الداعية فتح الله غولن، إذ تأتي أوزبكستان على رأس مخطط الرئيس أردوغان في التوجه نحو آسيا الوسطى، دعماً لفكرة القومية التركية، عن طريق استغلال ما يربط الدولة بتاريخ يتضمن اللغة والدين والعادات والتقاليد المشتركة لدعم طموح يتمثل في بناء “عالم تركي” قائم على الوحدة الثقافية التركية، أو “الطورانية الجديدة”.
طرق عدة سلكتها تركيا لإختراق الإقتصاد الأوزبكي، الذي يملك أسواقاً واعدة بفضل الموارد المتعددة والثروات الضخمة، بوصف الدولة تملك سادس أكبر احتياطي من الذهب في العالم، وسابع أكبر إنتاج للغاز الطبيعي بنسبة 34% من الإحتياطي العالمي، ورابع أكبر منتج لليورانيوم، أما النفط فتبلغ احتياطاته 27% من الإحتياطي العالمي، فضلاً عن منشآت توليد الطاقة العملاقة، ما منحها مرتبة أكبر منتج للكهرباء في آسيا الوسطى، يضاف إلى ذلك مكوناتها الإقتصادية ومواردها المالية كسادس أكبر منتج للقطن في العالم.
فلقد سارعت حكومة “العدالة والتنمية”، خلال العامين الماضيين، إلى توقيع عدد من الإتفاقيات التجارية والإستثمارية المشتركة لتعزيز التبادل التجاري بين البلدين إيذاناً بعودة العلاقات في مجالات الزراعة والنقل والطاقة والبناء بقيمة بلغت 5.5 مليار دولار.
وفي شهر أبريل/نيسان العام 2019، زار الرئيس أردوغان طشقند حيث وقع مع نظيره الأوزبكي على 24 وثيقة للتعاون في قطاعات عدة أهمها قطاعي الطاقة، والمعادن، إضافة إلى توقيع اتفاقية لبناء محطة طاقة مشتركة للغاز الطبيعي بقدرة 240 ميغاواط في بخارى، من خلال نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فيما أجرى مسؤولو شركة “يلدريم إينيرجي” محادثاتٍ في وزارة الطاقة الأوزبكية، أعقبها التوقيع على اتفاق مبدئي لمحطة طاقة مشتركة للغاز الطبيعي بقدرة 900 ميغاواط سيتم بناؤها في منطقة سوركسونداريو.
إحكام القبضة
إتفاقيات أخرى تخص قطاعات الجمارك والنقل، والتجارة وقعها الطرفان فضلاً عن إنشاء المجلس الأعلى للشراكة الإستراتيجية بين البلدين لمناقشة علاقات البلدين بشأن التعاون كل عام، في إطار زيارة إردوغان الأخيرة، فيما أكد الرئيس ميرزيوييف أن بلاده تعتبر أنقرة “شريكاً مهماً وطويل الأمد”.
خطة الرئيس أردوغان تكللت بالنجاح بإغلاق الحكومة الأوزبكية كافة المدارس والمؤسسات التابعة لحركة الخدمة التابعة لغولن، المقيم لدى ولاية بنسلفانيا الأمريكية والذي تتهمه تركيا بتدبير الإنقلاب في يونيو/حزيران العام 2016، والتي تعرف بإسم مجموعة غولنيست، بأوزباكستان، عن طريق اتفاقية تعاون في مجال مكافحة الجرائم التي يتم بمقتضاها تسليم العناصر التابعة لحركة غولن إلى تركيا واستبدال مدارسه بأخرى تابعة لوقف المعارف التركي.
تكامل العالم التركي
بدورها رحبت كازاخستان، بإنضمام أوزبكستان إلى العضوية الكاملة في مجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية، وقالت الخارجية الكازاخية في بيان إنها ترحب بقرار أوزبكستان دخولها المجلس التركي، مضيفة أن انضمامها يعتبر هاما بالنسبة للعالم التركي ويتزامن مع الذكرى العاشرة لـ “إتفاقية نخجوان” المؤسِسة للمجلس، وأضافت أن انضمام طشقند سيعزز من تكامل العالم التركي والتعاون الإقتصادي في المجلس، حيث وقع الرئيس ميرزيوييف على مرسوم في هذه الصدد، إذ من المنتظر أن تنضم أوزبكستان إلى المجلس التركي في 15 أكتوبر/تشرين الأول المقبل (2019) بشكلٍ رسمي.
تعود بدايات تأسيس المجلس التركي، إلى القمة التاسعة لزعماء البلدان الناطقة باللغة التركية، التي احتضنتها مدينة نخجوان الأذرية، في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2009، وتم الإعلان رسمياً عن تأسيس المجلس، الذي يضم أيضا تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا، خلال القمة العاشرة لزعماء البلدان الناطقة بالتركية، التي استضافتها مدينة إسطنبول، يومي 15 ـ 16 سبتمبر/أيلول 2010.
من هنا، يبدو أن تركيا تعمل ضمن سياستها المعهودة في إقتناص الفرص الذهبية، لا سيما مع البلدان الغنية والتي تمثل مصدر تعاون أمثل للجانب التركي، في ضوء الأزمات الداخلية التي تعصف بها، وفي المقلب الآخر لم تدم شهور العسل التركية طويلاً خلال تحالفاتها مع أي جانب، لعل سوريا ومصر والسعودية والإمارات العربية خير دليل.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: موقع أحوال التركي – روسيا لايوم – وكالة أذربيجان الحكومية.