تتجه الجزائر نحو تبني خطوات أكثر صرامة تجاه المملكة الإسبانية حيث كانت البداية بسحب سفير الجزائر من مدريد عقب تراجع الأخيرة عن مسؤولياتها الأخلاقية تجاه قضية الصحراء الغربية، وبمقترحات لا تضمن حرية الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، ولا تتوافق مع مقتضيات الحل الواقعي والعقلاني والقانوني، لتستمر وتيرة الردود الجزائرية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية باعتبارها دولة فاعلة ومحورية ولها مواقف واضحة وثابتة تستند فيها لقيمها الداعمة لتحرر الشعوب وفق القرارات الأممية، وهذا ما يتناقض جملة وتفصيلاً مع ما اعتمدته الخارجية الإسبانية – مؤخراً – من ترويج غير واقعي لحلول ولدت ميتة، وفيها تحيّز غير اخلاقي لصالح محتل الصحراء الغربية، ليتعقّد مع ذلك التكهن بمستوى التطورات الممكنة ضمن حزمة الردود الجزائرية، والواضح أن الخاسر الأكبر ستكون إسبانيا التي اضاعت على نفسها خيارات كانت ممكنة وفي صالح مستقبل نموها الاقتصادي وأمنها الاستراتيجي.
كيف لا وهي فقدت تقارباً كان متميزاً وواعداً مع الجزائر التي تصنّف في مستوى أقوى دول المنطقة؟ خاصة مع تعليق الجزائر لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار – التي أُبرمت مع إسبانيا منذ 2002 – ليؤكد ذلك بأن الأمور ليست كما ينبغي، وأن الاوضاع لم تعد في أحسن احوالها، واللجوء لهكذا قرار قد يفتح الباب على مصراعيه للمزيد من التعقيدات التي لن تخدم الطرف الإسباني الذي سيخسر شريكاً استراتيجياص هاماً، ما يستدعي طرح اسئلة حول دلالات هذا القرار الجزائري الذي جاء وفق تدرّج مدروس وتحول أصبح ملموساً ومعلوماً في الجوار المتوسطي.
إقرأ أيضاً: الصحراء الغربية.. صراع إستراتيجي وحوار غير مجدٍ
فماذا بعد تعليق الجزائر لمعاهدة الصداقة مع إسبانيا؟ وما الذي سينجر وراء هذا القرار من تأثيرات سياسية واقتصادية وأمنية على منطقة المتوسط، تحديداً، والعالم، عموماً؟ هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، هل ستراجع مدريد وضعها وتصحح مسارها وتعدّل خيارها، أم هي مجبرة فيما اعتمدته من تراجع في سياساتها الخارجية خاصة ما تعلق بمواقفها تجاه قضايا عادلة لا تنتظر مزايدات من أية جهة كانت، لأنها مرتبطة بقرارات أممية ومسجلة ضمن تصفية الاستعمار، ولها شعب مكافح لا يقبل دون استقلاله واسترجاع سيادته مهما كلفه الثمن، ومهما كان غدر العدو وكل من تعاون معه؟
وفي مقابل كل ذلك، يتضح جلياً توجه الجزائر المتوازن نحو الضفة الأخرى للقارة العجوز – أوروبا – وبمعالم أكثر وضوحاً وبتعاون استراتيجي أعمق، على غرار الشراكة الجزائرية – الايطالية التي لفتت الانظار، والزيارة الأخيرة التي حضي بها الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في روما والتي كانت خير دليل على احتدام التنافس الأوروبي الذي لم يعد كما كان في اتحاده أو في حلفه خاصة مع تحديات الطاقة والغاز في العالم عموماً وأوروبا تحديداً، ولتظهر هذه التوافقات الجديدة بحسابات سترجح كفة الخيارات الجزائرية الثابتة والعادلة لصالح الاستقرار في منطقة المتوسط باعتبار الجزائر قوة اقليمية ذات قدرات اقتصادية وعسكرية مكنتها من عودة حاسمة في مختلف المجالات والمحافل الاقليمية والدولية.
مصدر الصورة: إرم نيوز.
عمار براهمية
كاتب وباحث – الجزائر