ولدت إسرائيل منذ البداية كتجسيد أولي للمشروع الصهيوني. وإذا كان المشروع يقضي لتجميع اليهود فى دولة واحدة لأي مكان ثم في فلسطين، فإن هذا المشروع – حين ظهر – كان منسجماً مع قواعد الاستعمار الغربي الذي يقوم على “سمو” العرق الغربي على باقية الاعراف الأخرى، وأن الاستعمار نفسه يفترض أن الشعوب الأخرى تعاني من التخلف والبربرية وهو يريد أن يقودها إلى الحضارة والمدنية.

ومعنى ذلك، أن العالم – حين ظهر المشروع الصهيوني – كان منقسماً إلى سادة وعبيد، والدليل على ذلك أنه ولد من رحم الاستعمار وثقافته، فقلد افترض أن فلسطين هي أرض بلا شعب وأن اليهود شعب بلا أرض. أما الفارق بين المشروع الصهيونى وبين الاستعمار هو أن المشروع يريد أن يحل اليهود محل سكان البلاد الأصليين، بينما الاستعمار مهمته أن تستغل الشعوب الأخرى ويسيطر عليها مكافأة لتفوقه العنصري والحضاري.

أما قيام الولايات المتحدة، فهي حالة خاصة. لقد أباد المكتشفون الاعراق الأخرى، وحلوا محلها ولم يجدوا غضاضة في ذلك لأنهم هم الذين وضعوا قواعد القانون الدولي والعلاقات الدولية، في ذلك الوقت، وهذه النقطة هي من أسباب كثيرة التعاطف بين إسرائيل والولايات المتحدة؛ فالمشروعين الصهيوني والأمريكي يقومان على أساس أبادة سكان البلاد الأصليين حتى تخلوا الأرض لهم لأنهم لا يستحقون الحياة. وهناك مصادر فكرية كثيرة لهذا الفكر والسلوك الاستعماري وأهمها نظرية تشارلز دارون وهي “البقاء للأقوى والأصلح”. هذه النظرية لا تزال صحيحة في سلوك الغرب حتى اليوم، فإسرائيل قامت أساساً في ضوء القانون الدولي التقليدي الذي كان يبيح حق الفتح والغزو للاقوى، وأن سيطرته على السكان والأرض هي مكافأة لتفوقه.

من هنا، ظهر المشروع الصهيوني واضحاً منذ البداية، لكن الذي تغير هو قواعد القانون الدولي التي وضعتها أوروبا فيما بعد والتي أسمت نفسها الأمم المتدينة. وحتى بعد أن استقلت الأقاليم التي كانت مستعمرة، فإن استقلالها كان استقلالاً ظاهرياً ونظرياً، وظلت الدول المستعمرة تعتبرها توابعاً لها؛ لذلك، قامت كل من العلاقات الدولية والقانون الدولي على قواعد مجردة وتختلف في تطبيقاتها حسب الأطراف التي تقف مصالحها أو ترتبط بها. فإسرائيل قامت على أساس “قرار التقسيم”.

ومع ذلك، رفض هذا التفسير وتأكد منذ البداية أن إسرائيل هبطت من الخيال التاريخي إلى الواقع بـ “قرار التقسيم”، وليس هذا القرار شهادة ميلاد لها كما أنها ليست ملزمة بما جاء فيه وهذا هو السبب بأن إسرائيل استخدمت قرار التقسيم لكي تنتقد العرب الذين أنكروه حتى إذا ما اعترفوا به أنكرته إسرائيل. يأتي ذلك في سياق أن قرار التقسيم يناقض ميثاق الأمم المتحدة، ومع ذلك قبلت الأخيرة عضوية إسرائيل فيها، 11 مايو/أيار 1949، بقرار مشروط وقررت أنها اسوفت شروط المادة 4 من الميثاق وهي أنها دولة وأنها مستقلة وأنها راغبة فى حفظ السلم والأمن الدوليين وأنها قادرة على ذلك.

من جهتها، قبلت إسرائيل الميثاق لأدائه ومبادئه؛ ومع ذلك، فإنها الدولة الأبرز التي تشعر باضطهاد الأمم المتحدة لها، وبأن العرب يستخدمونها ضدها علماً أن الشروط الواردة في قرار قبول إسرائيل لعضوية المنظمة لم تتحقق بعد فوجب – بالتالي – اسقاط عضويتها. فإذا كانت شرعية ميلادها باطلة، فإن شرعية قرار عضويتها باطلة أيضاً، يضاف إلى ذلك أنها ضربت رقماً قياسياً في امتهان قرارات الأمم المتحدة وعدم احترامها. وبالتالي، فإن هذه الحقيقة بالإضافة إلى سقوط الشروط التي قبلت بها واعتبرها نظاماً عنصرياً بنص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1975، كل ذلك يرشح إسرائيل بإنتزاع الشرعية الوهمية التي ادعتها.

إقرأ أيضاً: المقاومة واشكالية الاعتراف بإسرائيل

على هذا الأساس، نحن نقول أن إسرائيل ولدت خارج رحم القانون الدولي، وانتهكت جميع قواعده. على سبيل المثال، فهي لا تعتبر نفسها سلطة محتلة كما تقول القرارات، وحتى لو اعتبرت نفسها سلطة محتلة فإنه لا ينطبق عليها قواعد قانون الاحتلال الحربي، بينما حاول بعض الكتاب الصهاينة أن يصنفوا الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية بأنه احتلال طويل المدة، والملاحظ أن كل الاراضى العربية التي احتلتها إسرائيل تدعي أنها ملك لها بما فيها فلسطين، التي تزعم بأنها استردتها بعد أن مرت بمرحلة وصفت فيها الأراضي الفلسطينية بأنها أراضٍ متنازع عليها وضمت القدس منذ العام 1967 وترفع – زوراً وبهتاناً – شعار السلام وهي تقصد سلام المقابل للفلسطينيين لكي تخلوا الأرض لها دون منازع.

الخلاصة هي أن إسرائيل عنصر هدم لسلطة القانون الدولي وقدوة في هذا المجال، ولا شك أيضاً أن واشنطن تستخدم الفيتو حصراً لحماية جرائمها ولا تحتمل نقد تصرفاتها من أية جهه لدرجة أن واشنطن قررت الانسحاب من بعض الوكالات المتخصصة عندما لاحظت أن الأخيرة تفتح الباب لانتقاد العرب لإسرائيل، مثل منظمة العمل الدولية واليونسكو والصحة العالمية وغيرها. معنى ذلك، أن واشنطن تعتبر انتصار المشروع الصهيوني وانحسار القانون الدولي في المنطقة العربية، من أهم انجازتها؛ ولذلك، لا يحق لواشنطن أن تنتقد سلوك موسكو الهادف إلى حمايتها من الغرب. فإذا كانت إسرائيل تشيع الفوضى في، المنطقة ولا تسهم في استقرارها واشاعة العدل والسلم فيها، فإن هذا العامل من المبررات القوية التي يمكن أن نسوقها حتى نفكك إسرائيل والحركة الصهيونية وفق مشروعنا الذي فصّلنا بعض نقاطه.

مصدر الصورة: ميدل إيست أونلاين.

د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر