تستعد الجزائر للاحتفال بستينية الاستقلال والشباب بكل شموخ واعتزاز بقوتها وهيبتها وبثبات مواقفها في عالم لا يقبل بالضعيف، ولا تعطى فيه السيادة لمن يفرط فيها قيد أنملة، ولا تحترم فيه ارادة الشعوب الا اذا تماسكت في لحمتها الداخلية ضد مختلف الحملات العدائية. هذه الأخيرة وبالرغم من تصاعد وتيرتها ضد الجزائر، إلا أنها فشلت أمام صمود وتلاحم جبهتها الداخلية المعززة لعوامل قوتها الاستراتيجية، والتي ستظل مؤكدة وجليّة وبكل سيادة وطنية وبهيبة دولية وبمواقف قوية مسنودة بلحمة وطنية ضد كل المخططات المشبوهة ضد مشروع الجزائر العادل في نهجه التحرّري، وفي مساعيه المدافعة عن أولوية توازن دولي بمختلف جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن الجزائر مستمرة في دعوتها الملحّة لضرورة اصلاح النظام العالمي، وفي دفاعها عن حق الشعوب المستضعفة في تقرير مصيرها بما تقتضيه القوانين الدولية، ووفق مبادئها الثابتة التي تترجمها بشكل واضح وعلني بمواقفها المشرّفة والشجاعة التي أبانت عن المكانة المستحقة لها إقليمياً وعالمياً، باعتبارها “قوة ضاربة” في حوض المتوسط والقارة الإفريقية، إذ لا يمكن لأحد أن يتجاهل وزنها وقدراتها المتاحة ميدانياً وفي شتى المجالات الاقتصادية والعسكرية.
تعود ذكرى الاستقلال – ككل مرة – بأسمى قيم الوطنية الخالصة والراسخة في وجدان الشعب الجزائري بمعاني الكفاح التحرري، وبما تحمله رسالة الشهداء الأبرار من قيم ومبادئ ووصيتهم الأولى هي الحفاظ على مكاسب الاستقلال مهما تعاقبت أجياله التي ستظل تسعى لجزائر أفضل وأقوى في وجه تحديات تتزايد في محيط متقلب في حاله وغير مستقر في مستقبله المنظور.
وما اختيار شعار هذه المناسبة الغالية بربط التاريخ المجيد بالعهد الجديد الا تعبير صريح برسائل واضحة مفادها أن الجزائر قوية، وهي محمية بشعبها وجيشها، ولا مجال هناك للمشوشين على مشروعها الريادي برهاناته الاقتصادية الواعدة وبجاهزية الدفاع عن مصالحها الوطنية وعن امنها الاقليمي.
إقرأ أيضاً: تعليق الجزائر لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا: تصعيد دبلوماسي أم خيار استراتيجي؟
إن أهم ما سيميز هذه الذكرى من حيث الاستعدادات الاحتفالية ما سيتخللها من استعراضات عسكرية غير مسبوقة، بوزنها القوي وبالجاهزية والكفاءة القتالية والعدة والعتاد النوعي، ما سيضفي على المشهد الاحتفالي نشوة الاعتزاز بانجازات المؤسسة العسكرية التي تعتبر الحامي القوي والأمين للجزائر ومصدراً لفخرها، ومبعثاً اعتزاز لشعبها الأبي.
إن هذه العلاقة يجب أن تستمر بين الشعب وجيشه كما كانت أبان الثورة التحريرية، ولتتجدد وتتأكد كما كانت بين الأجداد والآباء واخوانهم المجاهدين في صفوف جيش التحرير الذين أعطوا نموذجاً يعتد به في التضحية؛ فمنهم من قضى لأجل حرية غالية، ومنهم من استمر في سبيل استكمال هذه الحرية التي لا تقبل نقصاناً، وليكمل احفادهم اليوم بخطى احترافية كلها حزم وعزم للذود عن الوطن بكل أمانة.
ومن المؤكد دائماً أن الجزائر متمسكة بثوابتها وهي تنحاز دوما لقيمها لتثبت عن جدارة سمو خياراتها ونجاعة قراراتها التي تعلنها، سواء ما تعلق بالاحداث الاقليمية أم بالاوضاع الاقتصادية في العالم بثقلها الاقليمي وبمكانتها العالمية.
إنها نشوة انتصارات تتكرر في احتفالات عيدي الاستقلال والشباب الـ 60 بأوسمة معنوية وعامة فوق كل تثمين وأعلى من أي تكريم، كون الاحتفالات جاءت لتتأكد فيها مرة أخرى جاهزية وفاعلية خطوات الحفاظ على الجزائر رغم كل التحديات، مع ضمان متطلباتها الجوهرية التي مصدرها رسالة شهداء الأمس بـ “قيم نوفمبر” السامية والعادلة، ولتعود هذه الاحتفالات هذه المرة عقب تجسيد نجاحات مواقف الجزائر الثابتة والمستندة لتلاحم شعبي يفوح سلماً أذكى من أي ياسمين، وينبض أملاً أزهى من كل ربيع.
إنها الجزائر التي تضيف لرصيدها مجداً لمعانٍ بالغة القيم، بنضج هبة شعبها رغم ثقل التحديات ونجاحها رغم كثرة المؤمرات، وبتماسك قوي وصلب لمؤسساتها في وجه التجاذبات المحيطة.
مرة جديدة، فليسجل التاريخ عن اكتمال نجاح الجزائر وشعبها في ثورة مسلحة كانت ضد الاستدمار الفرنسي، وهو يحتفل بها في ذكراها المخلّدة يوم 5 يوليو/تموز 2022، والتي ستتخللها استعراضات للجيش الجزائري القوي والمحترف والعصري بجاهزيته العالية وبقدراته القتالية المتكاملة براً وبحراً وجواً. إنها احتفالات تتميز بنشوة انتصارات محققة ومواقف شجاعة ضد الاعداء وكل عملائهم المعطلين لتطور البلاد، خاصة ضد ما كان يحاك لها من قبل بعض الطامعين عبثاً في تأخير نمو وازدهار مستحق لها ولشعبها، الذي يرفض نفس الأفكار الرجعية ليعطي في سبيل ذلك دروساً وعبراً لتستفيق بها كل إفريقيا من لوبيات تستخلف توجه امسها الاستدماري.
وفي سبيل ذلك، سيكون الحديث غير كافٍ ولا تعبير أصدق من تجسيد طموح وتطلع الشعب الجزائري في مختلف مجالات الحياة، وهذه حقيقة واجبة ولازمة لاثبات اكتمال الحرية بالاستقلال من كل تبعية اقتصادية كانت أو حتى ثقافية، وخير دليل أو خارطة على ذلك الانطلاق هي في لم شمل سياسي ومصالحة اقتصادية حقيقية تلبّي طموح الشعب في رسالة الشهداء النوفمبرية.
مصدر الصورة: وكالة الصحافة الفرنسية.
عمار براهمية
كاتب وباحث – الجزائر