شادي القعسماني*

ربما لم تخرج هذه القمة بجديد من الناحية السورية أو القمم السابقة في “أستانا” أو “سوتشي”، وهو ما يوحي أنها جاءت بمسمّى لطيف ولكن الأهداف كانت في مكان ما خارج الطاولة وتجنى بشكل فردي تحت أعين دمشق.

من ناحية الطرف التركي، فالقمة تأكيد ضروري سياسياً في هذه المرحلة من الإنتظار في إدلب، ولكن لم ينتظر انقضاء القمة لتبيان موقفه الواضح من الشمال السوري وضفتي الفرات وبالتالي التلميح للدور الأميركي في دعم فصائل كردية بعضها يناصب العداء لتركيا، ولم ينسَ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الإشادة بالدور الإيراني “الإيجابي” في سوريا والحاجة إلى جهودها في أي حل سياسي.

في المقابل لم يتخلَّ الروسي عن التلويح بالحل العسكري الجاهز إذا ما استدارت تركيا لإتفاقي “أستانا” و”سوتشي”، القاضي بإلتزامها تفكيك المجموعات المقاتلة في الشمال وتسهيل الحل السياسي في إدلب. وبالتالي أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأنه إلى جانب الشعب والحكومة السورية في محاربة الإرهاب، وهذا ما يعزز فرضية أن الحل في إدلب ومحيطها جزء منه سلمي، قائم على جهود الجميع في تفكيك المجموعات المسلحة وإجراء مصالحات سريعة تسهيلاً لتحييد ما أمكن من البشر والحجر، والجزء الآخر عسكري، يأتي بعد نفاذ أو بموازاة الحل السلمي حيث يتم القيام بجراحة دقيقة بدعم وإشراف الحليف الروسي الذي أصبح على ثقة تامة بقدرات القوات المسلحة السورية وحلفائها في العمل الميداني وعلى خبرات الجيش الروسي الذي خَبِر على الأرض أنواعاً جديدة من القتال لم يعهدها من قبل.

 

إذاً، ما الدور الذي تسعى إليه كل من ألمانيا وفرنسا في سوريا؟

لا شك أن هذا الدور يمر حكماً عبر المعبر الوحيد المفتوح، أي المعبر الروسي. ولكن هنا تجدر الإشارة إلى أن على كل من تركيا وفرنسا وألمانيا، وهم أعضاء في حلف “الناتو”، توخي الحذر من طمع واشنطن “الإقتصادي”. فتركيا لم تتعافَ سريعاً من الإجراءات الأميركية، وألمانيا وفرنسا انزلقتا بمواقف محرجة امام روسيا في أزمتها الدبلوماسية مع بريطانيا. لذلك، علينا التساؤل عن المطلوب من هذه القمة، وإذا ما كانت في الشكل من أجل سوريا وفي الكواليس من أجل ترميم العلاقات الروسية – الألمانية – الفرنسية، أو توجيه رسالة تركية إلى الولايات المتحدة بأن لتركيا أصدقاء أقوياء رغم أن أردوغان مارس “الدهاء والإستفزاز العلني” على الإتحاد الأوروبي من خلال تسهيل مرور المهاجرين السوريين وهم بالملايين.

يختبر الروسي، برصانة، مدى النتائج المتاحة والممكنة من عملية التشبك الإقتصادي مع أنقرة، ويستفيد من الجغرافيا التركية لفكفكة العقد الأوروبية، وبالتالي يقدم يد العون للإتحاد الأوروبي المتعثر اقتصادياً وسياسياً.

إن مخرجات المؤتمر جاءت أقرب ما يكون إلى تأكيد المقررات السابقة والحبو نحو دمشق بهدف الحصول على حصة يمكن استثمارها في المشرق، خاصة وأن الولايات المتحدة لم تترك لقادة “القارة العجوز” متنفساً للإستثمار والحفاظ على المكتسبات السياسية الكلاسيكية. إذاً، الحبو نحو دمشق برضى روسي يؤكد على وحدة الأراضي السورية، رغم “غمز” أردوغان إلى مطامع في شمال سوريا تحت غطاء محاربة المجموعات التي تهدد أمن تركيا وهذه التهديدات ليست بجديدة.

يؤكد البيان الختامي على ضرورة تشكل اللجنة الدستورية قبل نهاية العام الجاري (2018)، وبالتالي لا يوجد أي تصور جديد لشكل الدستور وطبيعة الخطة السياسية المراد تنفيذها، في حين أن محاربة الإرهاب أجمعت عليه الدول الأربعة مع ضرورة تقديم الحل السلمي حيث أمكن. إن أخطر النقاط في هذا الإجتماع هي عودة المهجرين من جهة، ومصير المجموعات الإرهابية من أصول اوروبية من جهة أخرى وإلى أي مدى ستكون روسيا وتركيا مستعدتان لـ “إستغلال” مصير هذه المجموعات في تحسين العلاقات الدبلوماسية مع أوروبا.

يبقى أن الغائب الحاضر في هذه القمة هم الإيرانيون. فإن كان الروسي مرتاحاً إلى الدور الإيراني في سوريا، وعلى دراية بالوضع الإيراني الداخلي ومدى مرونة النظام في طهران وقدرته على مواجهة المزيد من الضغوط الأميركية إلا ان ألمانيا وفرنسا لديهما مخاوف فعلية وحذر يبلغ حد الإرباك من المواقف الأميركية حيال الملف النووي، والنتائج، والعقوبات الإقتصادية المرتقبة.

*أكاديمي لبناني

مصدر الصورة: العربية.