روسيا تنتصر ميدانياً وتحسم أمر انضمام أقاليم مهمة باستفتاء انتخابي، وهي بذلك تطوي ملفاً تاريخياً وتنهي اضطهاد مواطنيها الذين عانوا كثيراً تحت حكم مُعادٍ لوجودهم ومناقض لأصلهم بتزايد الاطماع الغربية ضد استقرار وطنهم، إنها لحظات تاريخية تنتشي فيها روسيا العظمى انتصاراتها المستحقة رغم بهتان عالم لم يتحرر بعد من ظلم قواه الرافضة لحق التطور لغيرها ويمنع نهضة الشعوب الأخرى.
إنها فرصة للاعتزاز بكفاح روسيا وكل القوى الحية في العالم من الدول التي ترفض الهيمنة الغربية وتقاوم لصالح بقاء شعوبها حرة وتدافع لأجل نظام عالمي أكثر توازنا يسوده العدل ويعمه السلام.
فلماذا يرفض الغرب انتخابات انضمام جمهوريات لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا، رغم أن نفس الغرب قد صدع المجتمعات لعقود بشماعة الانتخابات في مختلف أنحاء العالم خصوصاً التي توجهات دولها لا تتماشى مع الهيمنة الغربية، والتي لها ثروات النفط والغاز فحينها ستكون تحت قصف طائرات حلف الناتو؟ ولماذا يراوغ نفس الغرب ضد حق العالم في توازن دولي عادل؟ والمؤكد أن الرغبة الغربية في الهيمنة هي العقبة الأساسية التي تحول دون حق العالم بأسره في الحرية والسلام.
أما الجمهوريات والمناطق الأربع: لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا، التي انضمت رسمياً للاتحاد الروسي، فهي لم تكن لتوقع مراسيم الانضمام إلا بعد استفتاء بالانتخاب الحر والنزيه، فلماذا لا يحتفل دعاة الديموقراطية والعمليات الانتخابية بهذه الحرية المستحقة؟ أم أن فشل الغرب في صراعه ضد التعددية القطبية هو المانع الوحيد ضد توجهات روسيا المنتصرة.
أما تبعات ذلك على العالم عموماً وأوروبا بالتحديد فمن الأرجح ان تكون لهذه التطورات انعكاسات كبيرة على جميع الأصعدة، خاصة ما تعلق بموازين القوى العسكرية والاقتصادية باعتبار ما للجمهوريات والمناطق الأربع المنضمة للاتحدا الروسي من موقع استراتيجي ومن ثروات اقتصادية، والأهم أن هذه الأقاليم أصبحت خنجراً في عمق النفوذ الغربي المتراجع شرق أوروبا.
كما أن نقاط التفاوض المستقبلي ستتغير أيضاً عما كانت عليه قبل اتفاقية مينسك، لأن مفاصل أوروبا وشرايينها ستخضع عاجلاً غير آجل لواقع حتمي مفاده أن القرار الأوروبي لن يستمر في الخضوع للتوجهات الأمريكية (قد تشهد اوروبا موجة احتجاجات تتبعها سقوط حكومات موالية للغرب وعودة التجاذب الأوروبي لعهد الصراعات البينية والاختلافات المبنية على المصالح كما كانت أيام الحروب العالمية ولو بشكل مختلف)، ما سيؤثر على الوضع العالمي في مختلف المجالات، سواءً تعلق الأمر بموازين القوة السياسية أو الاقتصادية وخاصة العسكرية، والبداية من هذه الأخيرة أين ستتمركز قوات الردع الاستراتيجي الروسية على حدودها الجديدة مع أوكرانيا وبصورة ستجعل الغرب في ترقب لساعة الصفر المضبوطة بتوقيت روسيا بمنطلقاتها الداخلية وبحساباتها الجيوستراتيجية (خاصة ما تعلق باستخدام اسلحة الردع النووي في وجه اي عمل معادي او تقدم لحلف الناتو نحو الحدود الروسية).
ليضاف للوضع المعقد أصلاً تأثيرات أخرى سلبية سببها الجوهري تعنت القوى الغربية وإصرارها على إمداد أوكرانيا بالأسلحة بشكل متزايد أكثر حتى من رغبة الأوكرانيين أنفسهم الذين ملوا من هذه الحرب التي تدور رحاها ضد استقرار بلادهم ولصالح رهانات الهيمنة الغربية، وإلى حين انتفاض الشعب الأوكراني ضد إغراق الغرب لبلادهم في دوامة تصفية الحسابات العالمية سيبقى الصراع مفتوحاً على مصرعيه لتتضاعف المخاطر وتتراجع معها الأوضاع الاقتصادية خاصة في أوروبا، وفي ذلك دلالات قوية على نجاح التوجهات الروسية التي كانت مستعدة أكثر من أي وقت مضى لصالح مكانتها المستحقة ولصالح عالم يسوده الاستقرار والامن المتوازن والعادل.
مصدر الصورة: إزفستيا.
موضوع ذا صلة: موارد أكبر دولة في العالم تًستنفد بسبب أوكرانيا
د. عمار براهمية
كاتب وباحث – الجزائر