تحتفل روسيا بالذكرى الثمانين لانتصارها على النازية التي كانت سبباً في مقتل 26 مليون روسي، من الذين قاوموا التطرف الهمجي، وقدم بذلك الشعب الروسي المكافح الصبور الفاتورة الاكبر نيابة عن العالم بأسره، فهل نسي العالم هذه التضحيات خاصة الغربي منه؟ فروسيا وهي تحتفل اليوم بهذه الذكرى الخالدة وتستذكر بطولاتها ضد النازية مازلت حسب ما يعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تواجه التطرف النازي، فهل تغيرت الأفكار العنصرية عما كانت عليه لتتخذ مفاهيم أعمق وأكثر تعقيداً، لأنها في السابق كانت معلنة ولها شعارات وعلامات وخطابات واضحة عكس ما هي عليه اليوم من تنكر وتستر وراء محاربة التطرف بتطرف أكثر خطورة؟

أما المفارقة العجيبة أن الدبابات والأسلحة التي تصل لأرض المعركة في أوكرانيا مصدرها كان المنبت الأول للنازية ومن دول اكتوت بنارها من قبل، وكلها حاربت جنبا الى جنب لردع هذا الفكر المعادي للإنسانية، فهل تغيرت المفاهيم وتحولت المعركة الى وجهة مغايرة من حيث المفهوم مع الابقاء على نفس النطاق الجغرافي؟ وهل ستتحمل روسيا لوحدها عبأ تخليص العالم من النازية مرة اخرى؟ ام ان المعارك متعلقة بصراع النفوذ الذي تغيرت قواه وتحول نطاقه بشكل يستدعي حتمية اعادة صياغة موازين القوة في العالم؟

إنها أسئلة كثيرة يطرحها المتابع لمجريات هذه المعارك المتسعة في جغرافيتها لدرجة انها تفرض خوفا حقيقيا على الأمن والسلم في العالم، فأين مسؤولية الدول الغربية التي كانت تتغنى بالحفاظ على السلم والأمن في العالم برمته ونصبت نفسها شرطيا له؟ وهي التي صدعت الرؤوس بادعاءاتها المبالغ فيها بخصوص رعايتها لأسس وقوانين وبنود حماية العالم من مخاطر التطرف والارهاب ودمرت بهذه الادعاءات دولا مستقلة وابادت الملايين في بقاع مختلفة تشترك فقط في امتلاكها لقدر كبير من الثروات، وهنا يكمن مربط الفرس في عالم تحكمه المصالح الضيقة التي فضحتها العمليات الروسية في أوكرانيا حيث كشف صمود الجيش الروسي ضعف الاطروحة الغربية التي تستند للعديد من المكاييل والموازيين؟ هذا من جهة.

ومن جهة أخرى هل فشلت المنظومة الغربية في انهاء الفكر النازي ام تقاعست في ردع متبنيه ومن ينادون به، خصوصا تلك الافكار التي تخدم سياساتها تجاه بقية العالم؟ كالترويج لمعتقدات مبنية على ثقافة سلبية تجاه الشعوب الأخرى بدعاية من الاعلام الغربي على انها ارهابية، ليحرك الجيوش لإيصال الديموقراطية على ظهر الدبابات التي غيرت وجهتاه اليوم حسب الخطة الغربية؟ فهل سرعان ما فشلت هذه الخطة ليهرول الغرب الى استعراض اجتماع في كييف للتمهيد لانضمام اوكرانيا الى الاتحاد الاوروبي الذي سبق وان رفض انضمام تركيا القوية اقتصاديا؟ مقابل سفر مسؤوليه لأوكرانيا المحاصرة عسكريا والمنهارة اقتصاديا والتي أصبح امرها مفتوح على الأسوأ في قادم الأيام؟ وهل أوكرانيا في حاجة إلى الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي أم إلى حلف الناتو لحمايتها؟ وفي مقابل ذلك لماذا يرفض الاتحاد الأرووبي تركيا على الرغم من قوتها الاقتصادية وهي بالأساس عضو في حلف الناتو؟

انها تناقضات عجيبة يعيشها العالم بسبب هذا التضارب الفضيع في الأدوار الغربية وتحولها المفاجىء من ضبط النفس وحل الخلافات بالحوار ونبذ العنف ومنع انتشار الاسلحة النووية إلى فسح المجال لرعاية المعارك وتسليح طرف على حساب الاخر وتعريض العالم برمته الى مخاطر لا يحمد عقباها،

أما السؤال المهم الذي يطرحه البعض هو حول مفهوم النازية الجديدة وكيف يمكن تحديد نطاق انتشارها اليوم في العالم؟

والظاهر ان إبادة البشر وتقليل عدد سكان العالم والتخلص من الانظمة السياسية لدول قائمة ومستقلة وفرض شروط ممنهجة على الحياة اليومية لمجتمعات أخرى بشكل فيه مساس بعقيدتها وبتعليم افرادها بمطالب دخيلة عنهم لتربيتهم بما يغاير ثقافتهم وتقاليدهم وحتى بما يتنافى مع الطبيعة البشرية في بعض الأحيان كنداءات المثلية، بالإضافة الى مظاهر رعاية المعارضة العميلة للضغط على الدول وما إلى ذلك من ممارسات كلها يمكن تصنيفها ضمن عناوين النازية الجديدة التي توظف أيضا المتاجرة بالسلاح وتعتمد على صناعة الفيروسات وخلق الفوضى لغايات ضيقة، وكأن العالم لا يتسع للجميع،

كما تشتمل النازية الجديدة على مختلف مظاهر العنصرية الموجودة في عقيدة مجموعات وأحزاب يمينية متطرفة تتفاوت في درجة خطورتها لكن تشترك في عنصريتها المنافية للقيم الإنسانية، والغريب في ذلك انها تنتشر في بعض الدول الغربية التي تدعي رعايتها للسلام فهل هي على علم بنشاط هذه المجموعات الخطيرة التي تتحرك بمسميات عديدة وتمارس ضغوطا كبيرة في غير صالح استقرار العالم؟ ومع ذلك تستمر هذه النماذج الفاشية وتتسلل إلى مجالات السياسة والسلطة وكأنها تريد تكرار مشاهد الحروب العالمية وتجارتها المربحة هي قتل البشر، فما علاقة الحرب الاوكرانية بكل ذلك؟

تجدر الاشارة إلى أن العالم قبل اندلاع المعارك شرقي اوروبا كان تحت وطأة فيروس قاتل اسمه كورونا، والذي قتل الملايين، فهل هو مفتعل لتقليل عدد البشر في العالم والمراهنة على ضعف المنظومة الصحية للبلدان الفقيرة وتحريك تجارة الامصال والاستثمار في ذلك بكيفية انتهازية؟ أليست هذه نازية اوقفتها العمليات الروسية التي كشفت عن وجود مختبرات خصصتها مخابرات بعض الدول لإنتاج الجراثيم والفيروسات القاتلة؟

بالإضافة لكل ذلك تستمر بعض القوى الغربية في تكرار نفس الاخطاء تجاه روسيا رغم فشل محاولاتهم السابقة بخصوص اعتماد سياسة العقوبات الاقتصادية التي اعطت نتائجها العكسية، والسؤال هنا هل تحصلت أوروبا على فرصة سانحة لمعالجة مشاكلها قبل اللجوء لخيارات تعاقب بها ذاتها لتصبح في عين الاعصار جراء حرب لا يمكن معرفة نهايتها في ظل مكابرة البعض ضد حلول روسية كانت متاحة وممكنة قبل تعميق الأزمة الاوكرانية التي خرجت عن السيطرة وقد تتحول إلى حرب عالمية؟

مصدر الصورة: موقع focus.ua.

إقرأ أيضاً: هل ما زال الاتحاد الأوروبي قادراً على تحمّل المواجهة مع روسيا؟

د. عمار إبراهمية

كاتب وباحث – الجزائر