سلمى الحاج*

من يتابع خطبة المرجعية العراقية في النجف على مدى الأسابيع الماضية، يفهم أن خطاب النجف بات أكثر وضوحاً ومباشرة للداخل والخارج.

لطالما حرص السيد السيستاني، أكبر مرجعية دينية شيعية في العالم، على مصلحة البلاد والعباد فأبقى أبوابه مغلقة في وجه السياسيين العراقيين، منذ العام 2011 .

يقوم منهج المرجعية العليا، منذ بدء العملية السياسية، على أساس عدم التدخل بتاتاً بتسمية أو ترشيح أي مسؤول تنفيذي، فضلاً عن المناصب العليا، ما عدا موقعين يتطلبان بحسب القانون موافقة المرجع الأعلى على الترشيح لهما، وهما رئيس ديوان الوقف الشيعي والأمناء العامين للعتبات المقدسة. ولكن في الوقت نفسه، لا تتدخل المرجعية في عمل الديوان والعتبات إلا من حيث إبداء الرأي وفق الأصول الشرعية والفقهيه.

عبد المهدي ليس مرشح المرجعية

بناء على ما تقدم، لم يكن السيد عادل عبد المهدي، رئيس الحكومة العراقية، مرشح مرجعية النجف. لقد اختلطت الأمور وتبدلت التحالفات محلياً وخارجياً، فكان عبد المهدي رئيساً للحكومة بمباركة النجف، وموافقة أمريكية ودعم إيراني.

بعد سنة بالضبط على حكم الرجل، عمَّت الإحتجاجات الشعبية، والتي لم يسبق لها مثيل، في العاصمة بغداد وكبرى محافظات العراق. المطالبات كثيرة ومنها إصلاح ومكافحة الفساد، واسترجاع الأموال المنهوبة، وإيجاد فرص العمل، واعتماد الكفاءة، وغيرها من المطالب الإجتماعية الملحة، وصولاً إلى الشعب يريد إسقاط النظام بشعار “شلع قلع”.

معروف جيداً أن صلاحيات الدولة تُمسك بها الحكومة العراقية. لذلك، صُّب جم غضب الشارع على شخص السيد عبد المهدي. فعلى الرغم من أن المواضيع على اختلافها وتنوعها مثقلة وحبلى بملفات فساد منذ زمن، إلا أن الرجل وباقي الكتل السياسية وعلى تنوع انتماءاتها تتحمل مسؤولية ما وصل إليه الشعب العراقي اليوم. لم يعد يفيد الحديث أو توجيه البوصلة بإتجاه شخص الرئيس أو حتى البيت الشيعي، فالكل مسؤول ومدان.

لعل هذا ما ألمحت إليه خطبة المرجعية بكلامها عن أن الإصلاح موكل الى الشعب العراقي من أقصى البلد إلى أقصاه خاصة وأن التظاهرات قد عُمدت بالدم.

رسائل خطبة المرجعية

خطبة الجمعة لم يسلم منها أحد. وضعت النقاط على الحروف وشكلت خارطة طريق للحاضر والمستقبل. فحين تقول المرجعية بأنه ليس لشخص أو مجموعة أو جهة بتوجه معين أو أي طرف إقليمي أو دولي أن يصادر ارادة العراقيين، فهي حتماً لا تريد لأي من الساسة، ومن كان عراباً للسيد عادل عبد المهدي، أن يركب موجة التظاهرات ويلوح بقلب الطاولة وفقاً لحسابات شخصية ضيقة.

كلام السيد أحمد صافي، ممثل المرجعية، كان صارماً وواضحاً. فرسالة المرجعية تخطت حدود العراق، إلى دول الجوار مروراً بالإقليم وصولاً إلى الدول الكبرى.

دعم التظاهر السلمي ليس بالموقف الجديد على المرجعية، فهي لطالما وقفت بجانب الشارع على الرغم من التشكيك بصدقية هذه التظاهرات ووضعها في إطار المؤامرة الإسرائيلية. ولربما ذهب البعض بإتهام السعودية بالوقوف ورائها. ليس بخافٍ على أحد بأن الساحة العراقية مفتوحة على صراعات إيرانية – سعودية من جهة، وإيرانية – أمريكية – بريطانية من جهة أخرى.

إذن، القول الفصل كان للمرجعية في أحقية مطالب الشارع. لكن مخاوفها الآن باتت أكثر وأكبر لا سيما وأن النتائج التي خلُصت إليها لجنة التحقيق، في أحداث أكتوبر/تشرين الأول (2019) وسقوط مئات الشهداء، لم تقنع الشارع ولا لجان حقوق الإنسان المحلية والدولية ولا حتى النجف نفسه.

لا بد من صدمة إيجابية

يبدو أن المرجعية باتت تبحث عن صدمة إيجابية حقيقة تنتشل العراق من أزمته السياسية. لأول مرة منذ سقوط النظام، تعود المرجعية للتأكيد على ضرورة إحترام إرادة العراقيين في تحديد النظام السياسي، وهذا توجيه لبوصلة سياسية مستقبلية قريبة مفادها ضرورة تعديل الدستور لما فيه خير العراق.

*إعلامية لبنانية

مصدر الصور: صحيفة اليوم الثامن – فرانس 24.

  موضوع ذو صلةالشمري: مستقبل العراق رهين المحاصصات السياسية والطائفية

موضوع ذو صلةالحكومة العراقية بين الصراعات الحزبية وغياب الرؤى المستقبلية