بعد أقل من عام من تقديم طلب إلى حلف شمال الأطلسي، أصبحت فنلندا رسمياً العضو الحادي والثلاثين في الناتو، كانت مسألة دخول السويد، التي طبقت مع الفنلنديين، معلقة قليلاً، لكن النشوة العامة لبروكسل لم تطغى إلى حد كبير، أما في موسكو، قوبل تجديد “عائلة” الناتو بشكل سلبي كما هو متوقع، محذرة من الحاجة القسرية إلى “اتخاذ إجراءات انتقامية، عسكرية – فنية وغيرها من أجل وقف التهديدات لأمنها القومي”.
ووصف الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ يوم 4 أبريل بأنه يوم تاريخي، بالضبط في الذكرى 74 لتأسيس حلف شمال الأطلسي، أصبحت فنلندا رسمياً العضو الحادي والثلاثين
أودعت فنلندا وثيقة عن انضمام البلاد إلى الحلف في مقر الناتو، ثم تم رفع العلم الفنلندي رسمياً في المقر، بين الفرنسيين والإستونيين، ومن الآن فصاعداً، بصفتها عضواً كامل العضوية في الناتو، حصلت فنلندا على إمكانية الوصول إلى الإمكانات الدفاعية والاستخبارات والموارد الخاصة بالحلف بأكمله، كما يسمح للبلاد بالمشاركة في عملية صنع القرار في حلف الناتو، مما يمنح هلسنكي وزناً أكبر في تشكيل السياسة الأمنية الإقليمية والدولية.
لكن النتيجة الرئيسية لتوسيع “عائلة” الناتو، التي لم تفكر بروكسل في إخفاء فرحتها، كانت مضاعفة الحدود بين أكبر تحالف أمني في العالم وروسيا، التي حددها الناتو على أنها المنافس الرئيسي، والأهم من ذلك كله، كان العضو الجديد مسروراً بشكل متوقع من دول البلطيق، إذ أن انضمام فنلندا إلى الناتو سيعزز أمن البلاد على المدى الطويل أكثر من أي حدث آخر في 19 عاماً منذ انضمام دول البلطيق الثلاث إلى الحلف.
غضب الدب الروسي
في روسيا، التي قرر الحلف ضدها تعزيز دفاعه، حذر أكثر من مرة: إن توسع الناتو محفوف بعواقب وخيمة فقط، وأعلنت وزارة الخارجية الروسية أنه فيما يتعلق بالأحداث الجارية، فإن موسكو “ستضطر إلى اتخاذ إجراءات انتقامية، عسكرية – فنية وغيرها من أجل وقف التهديدات لأمن روسيا القومي”.
وأضافوا في ميدان سمولينسكايا أن الخطوات الملموسة في البناء الدفاعي على الحدود الشمالية الغربية لروسيا ستعتمد على شروط اندماج هذا البلد في حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك نشر البنية التحتية العسكرية للناتو وأنظمة الأسلحة الهجومية على أراضيها.
لكن حتى الآن، تؤكد بروكسل أن الكتلة ليس لديها نية فورية لزيادة وجودها العسكري في فنلندا، لكن روسيا، على ما يبدو، لا تؤمن بهذا أيضاً.
وقال مصدر دبلوماسي روسي، إن الاتجاه في تطور الوضع العسكري السياسي في أوروبا يتحدث عن التعزيز السريع للإمكانات العسكرية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والتوجه الواضح المناهض لروسيا لهذه الأعمال، ومع قبول فنلندا وقرب انضمام السويد، سيشكل الناتو حزاماً مستمراً من الدول المعادية التي تمنع روسيا من الغرب، مع درجة عالية من الاحتمالية، سيكون من الممكن التحدث عن وضع مستودعات المعدات والأسلحة، ونشر الوحدات البرية والجوية والبحرية على أراضي أعضاء التحالف الجدد، ووضع مكونات الدفاع الجوي/ أنظمة الدفاع الصاروخي والتحكم في الفضاء الجوي والبحري.
بالإضافة إلى ذلك، إن الخطط المتداولة في وسائل الإعلام لدمج القوات الجوية لأربعة بلدان في شمال أوروبا – الدنمارك والنرويج وفنلندا والسويد، والتي تم تنفيذها بتوجه غير مقنع مناهض لروسيا، يبين أن كل من هلسنكي وستوكهولم لا تضمنان رفض إمكانية وضع أسلحة نووية أمريكية على أراضيها.
كما أن انضمام هلسنكي إلى الناتو سيكون له تأثير سلبي على العلاقات الروسية الفنلندية، التي تدهورت بشكل كبير خلال العام الماضي، ومع ذلك، لا يزال من السابق لأوانه الحديث عن خطوات انتقامية محددة من جانب روسيا، لأنها ستعتمد بشكل مباشر على مزيد من اندماج البلاد في التحالف، كما أن الفنلنديين ليسوا مهتمين بالتصعيد، لذا فهم سيواصلون بحذر.
بالمحصلة، إن فنلندا التي كان الاتحاد الروسي ينظر إليها حتى وقت قريب كشريك موثوق به وواحدة من آخر جزر الفكر الاستراتيجي المستقل في أوروبا، ستعتبرها موسكو الآن عضواً عادياً في تحالف عسكري غير ودي، كما سيفقد الفنلنديون دورهم كوسيط دبلوماسي بين روسيا والغرب، وستتوقف هلسنكي عن كونها منصة تفاوضية، وبدون ذلك، ستقل تواتر الاتصالات غير المتكررة في المستويات العليا، كما من الممكن أيضاً في المستقبل المنظور أن يقلل الجانب الروسي من الوجود الدبلوماسي الفنلندي.
مصدر الصور: جلوبال تايمز – ريا نوفوستي.
إقرأ أيضاً: فنلندا والسويد في حلف الناتو: تأملات في ضوء النظرية الواقعية