عندما زار الملك عبد العزيز مصر كان العقاد رئيس بعثة الشرف المرافقة للعاهل السعودي في أول زيارة رسمية لهوثاني زيارة غير رسمية؛ حيث سبق لعبد العزيز أن التقى عام 1944 مع فرانكلين روزفيلت الرئيس الأمريكي على الطراد الأمريكي إيزينهاور في البحيرات المرة في قناة السويس قُرب الإسماعيلية، وفي تلك الأثناء كانت مصر تعقد اجتماعات الإسكندرية التي أعلنت نشأة الجامعة العربية.
وبعد انتهاء زيارة الملك السعودي لمصر أصدر العقاد كتابًا عُنوانه “صقر قريش” عبّر فيه عن إعجابه بالملك وقدرته على إدارة ملف توحيد الجزيرة العربية، ومناطقها في إطار المملكة العربية السعودية التي أعلنت في 23 سبتمبر 1932. فلمّا تغير النظام الملكي في مصر وحل محله النظام الجمهوري تقبلت المملكة هذا التغير؛ بل وساندت مصر عندما تعرضت للعدوان الثلاثي.
ويمثل بن سلمان الجيل الثاني بعد جيل أبناء عبد العزيز، وأمامه فرص عظيمة أولاً للحفاظ على المملكة، وثانياً أن يكون صقر قريش الجديد، وما تعنيه الكلمة من التمسك بالعروبة والدفاع عنها، وهذا يفرض عليه مسؤوليات جسام نُورد أهمها:
أولاً: التمسك بصداقة مصر حسب وصية جدّه لأبنائه، خاصةً وأن مصر تدرك جيدًا في كل الظروف ومع تغير نظام الحكم وشعاراته أهمية الحفاظ على السعودية. وقد قضيت قرابة تسع سنوات في خدمة مصر في القنصلية العامة في الرياض وفي السفارة في جدة ثم أُعرت من الخارجية المصرية لخدمة منطقة المؤتمر الإسلامي مستشارًا قانونيًا لهذه المنظمة عاصرت فيها أحداثًا كبرى، ولكن لاحظت ثلاثة خصائص للعلاقات المصرية السعودية:
الأولى هي أن العلاقات بين القيادات في البلدين تضمن عدم تأثر العلاقات بين البلدين للعواصف، وأن المشاورات مستمرة لضبط العلاقات. ولكن هذه العلاقة المميزة انعكست على العلاقات الحميمة بين الشعبين في البلدين. ولم تتأثر العلاقات بين البلدين بقطع العلاقات الدبلوماسية، وأشهد أن تعزية الرئيس مبارك شخصياً في يونيو 1982 في وفاة المغفور له الملك خالد والعلاقات الدبلوماسية مقطوعة؛ افادت كثيرا في تعاون السلطات مع البعثات المصري في السعودية ولكن قطع العلاقات لم يؤثر مطلقًا على وضع البعثات المصرية في الرياض، وأدرك البلدان أن التهديد المشترك لهما في تفجيرات البحر الأحمر حتم المشاورات الحثيثة بينهما عام 1983، وإن كان الخطر لم يبرر عقد مؤتمر للدول المطلة على البحر الأحمر كما اقترحت مصر في ذلك الوقت.
ورغم قطع العلاقات الرسمية، فقد كانت علاقاتنا غير الرسمية بالسلطات السعودية متصلة ولم تتأثر البتة على فهم المسؤولين في البلدين أن قطع العلاقات مسألة مؤقتة أملتها بعض الظروف لا يتسع المقام لتفصيلها.
الثاني: أن الخلاف بفي بين البلدين وصخب الخطاب المصري في العصر الناصري والصراع الدامي في اليمن لم يمنع البلدين من إبرام اتفاقية جدة عام 1965، لتنفذ خلال عامين وأكاد أقطع بأن حرب اليمن وما واكبها من توتر سعودي مصري كان خطأ كبيرا سببه الشعارات والخطاب الجارح، وكان ذلك أحد أسباب مأساة 67. ومع ذلك كان الملك فيصل يقود القمة العربية في الخرطوم في أغسطس 1967 لدعم دول الجوار لإسرائيل ودعم مصر لإزالة آثار العدوان. والغريب أن الصدام في اليمن من 1962-1965 لم ينل من العلاقات الأخوية بين البلدين؛ ولذلك أرسلت الدول العربية قوات رمزية لمساندة الجيش المصري عام 1973.
الثالث: أن عودة العلاقات الدبلوماسية في أواخر 1989 كان تحصيل حاصل، ولم تشترك السعودية في العقوبات التي قررتها قمة بغداد عام 1978 أثناء مؤتمر كامب ديفيد. ثم تحسنت العلاقات المصرية السعودية إلى درجة ملحوظة في عهد السادات ومبارك رغم أن السادات كان عصبيا في رده على إهانة مصر بنقل الجامعة العربية من مقرها الدائم في القاهرة إلى تونس وتعيين أمين عام غير مصري، لاول مرة وهو السياسي التونسي “الشاذلي القليبي” فقد تعاونت مصر والسعودية في تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، فأخذ الرئيس مبارك هذا الاتجاه في القمة العربية العاجلة في القاهرة في أغسطس 1990.
الثاني: الإسراع بتسوية الأزمات المختلفة التي جرت إليها السعودية وأبرزها اليمن وسوريا ولبنان والعراق، وأظن أن ما تم في هذه الملفات يقطع بأن السعودية تسير نحو تصحيح خطها في عهد الأمير الشاب. مع تبدل الظروف.
ثالثاً: الصمود في وجه الضغوط المختلفة للاعتراف بإسرائيل وعدم الوقوف طويلا أمام بعض الممارسات الإسرائيلية مع السعودية لتمزيقها وإحراجها. ويرتبط بهذه المسألة ترسيخ الطابع الحامي للأماكن المقدسة الإسلامية في القدس. ولا يعقل ان خادم الحرمين الشريفين يسكت بل يشجع على انين المسجد الاقصى. فالسعودية ليست دولة عادية ولذلك وجب التنويه.
أما الانفتاح الداخلي فيجب أن يراعي أصالة التقاليد العربية والإسلامية. وقد لاحظت أنه عندما قررت مصر مساندة الحكومة السورية، فإن السعودية التي كانت مناهضة للحكم الحالي في دمشق تفهمت الموقف المصري؛ ولذلك سعدنا بالانفتاح السعودي على إيران والصين واليمن ولبنان وسوريا والعراق بحيث لعبت العراق دورا مهما في التقريب بين إيران والسعودية. ولا شك أن إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية في قمة الرياض يمثل إضافة للسياسة السعودية الجديدة.
رابعاً: لاحظت أن السعودية تسلك مع الدول العظمى سلوكا يحافظ على مصالحها بغض النظر عن التحالفات التقليدية. فلا شك أن مرونة السياسة الخارجية السعودية، وربما استقلالها عن الرغبات الأمريكية لا تضر بالمصالح السعودية مع واشنطن، فقد مضى عهد الاستقطابات السياسية.
خامساً: لا بد أن يبرز التحالف المصري السعودي لإعادة لملمة العالم العربي حول الاتفاق على المصالح العليا للأمة العربية ثم التقدم الجماعي للتحالف حسب المصالح المشتركة بين العرب عموما وإيران وتركيا وأن يكون هذا التحالف في خدمة المصالح العربية وأن يتخذ موقفا حازما مع إسرائيل التي أظهرت استخفافا بكل العرب اعتمادا على تحالفها الحميم مع واشنطن.
سادساً: أن يتم الإصلاح الداخلي في كافة الدول العربية ودعم الاستثمارات العربية بعد توفير الظروف الآمنة والمشجعة لضمان الاستقرار الداخلي وأن تسعى المملكة ومصر إلى ترسيخ جهود إحياء الأمة العربية وأن يتحول الانصراف عن العروبة إلى الاعتزاز بها.
مصدر الصورة: الوطن نيوز.
إقرأ أيضاً: السعودية تملك الفرصة الأقوى.. 13 دولة تتقدم للحصول على عضوية البريكس
السفير د. عبد الله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر.