إبراهيم ناصر*

بموازاة الإنتفاضة الشعبية الجارية في السودان، تجري تحركات كثيفة لجهات خارجية ونشاط غير معتاد للسفارات المستضافة في الخرطوم لمتابعة ما يجري في البلاد من متغيرات، إذ تسعى من خلال تحركاتها تلك إلى تحويل التطورات الجارية لمكاسب خاصة، وتقوية مكانتها في صراع النفوذ القائم في منطقة القرن الإفريقي، وإعادة هندسته، حيث تتصدر هذه القوى دول إقليمية كالسعودية، ومصر، والإمارات، وقطر، وتركيا، بجانب قوى كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا ودول الإتحاد الأوروبي.

وبحسب ما رشح في الإعلام من معلومات، فإن هناك تحرك حثيث للحلف الإماراتي – السعودي – المصري، الهدف منه تجهيز الفريق صلاح عبدالله قوش، مدير جهاز المخابرات الوطني كخلف للرئيس عمر البشير، حيث يروا فيه الشخص المناسب الذي سيراعي مصالحهم بحكم أنه مقبول لدى إدارة الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن دوره المشهود في الحرب على الحركات الإرهابية، وتقدمه لمعلومات قيمة عن “حركة الشباب” في الصومال وليبيا وجماعة “الإخوان المسلمين” للمخابرات الأمريكية.

مؤخراً، رصدت بعض التقارير الإستخباراتية لمحادثات سرية أجراها قوش مع رئيس الموساد، يوسي كوهين، في ألمانيا الشهر الماضي بوساطة مصرية ودعم سعودي إماراتي، وذلك من أجل تأهيلهِ لرئاسة السودان، وإقناع القادة الأمريكيين به. هذه اللقاءات كانت مصدر انزعاج لبعض القيادات الإستخباراتية العسكرية، فربما تكون خطوة يهدف منها الجيش إلى قطع الطريق أمام قوش للوصول إلى رئاسة الحكم في البلاد. 

إنطلاقاً من هنا، يبدو أن هناك إجماعاً داخلياً وخارجياً على أن صفحة عهد البشير بدأت تتطوى من التاريخ السياسي السوداني. لذا، يُسابق الجميع التطورات الجارية، ليقوي موقعه ويحمي مصالحه، فتأثيرات هذا السابق على الواقع السوداني حتمية لأن القوى الخارجية تلك تريد تغييراً يخدم مصالحها السياسية والإقتصادية والأمنية، بحيث تستطيع هندسة صراع النفوذ على منطقة البحر الأحمر.

هنا، تجدر الإشارة إلى أن وجود بوادر خلاف بين المؤسسات الحزبية والأمنية في النظام السوداني، والإنزعاج الذي أبدته بعض القيادات السياسية الموالية والمعارضة من التغيرات التي أجراها البشير، و”إنقلابه” على حزبه، وإنهاء مهام الحكومة المركزية وحكومات الولايات، وتشكيله لحكومة طابعها عسكري تؤكد ما ذهبنا إليه.

لكن ومن الطبيعي ألا تنهي الإجراءات، التي ذكرها الرئيس البشير في خطابه الأخير، حالة غليان الشارع، كما أنها لن تحل الأزمات الإقتصادية والسياسية التي تعاني منها البلاد. وعليه، من البديهي أن تستمر الإنتفاضة الشعبية وخصوصاً بعد أن صرح الفريق أول عوض بن عوف، نائب الرئيس ووزير الدفاع، بأن حالة الطوارئ المعلنة لا تستهدف المتظاهرين بل المخربين للإقتصاد الوطني، إذ أنه ومن الجائز إعتبار هذا التصريح حافزاً للمتظاهرين من أجل مواصلة حراكهم “المشروع”، وهذا ما قد ترفضه المؤسسة الأمنية، ما يؤدي إلى إندلاع الخلاف مع القوات الأمنية.

إن مراهنة القوى الدولية والإقليمية على الفاعلين الداخلين لتشكيل المشهد السياسي السوداني يدعم فرضية اندلاع صراع بين المؤسسات الأمنية في البلاد. وبالتالي، يمكن القول بأن الوضع السياسي السوداني مفتوح أمام سيناريوهات عديدة منها مرحلة إنتقالية بإشراف الجيش لمدة عامين تجري خلالها المكونات السياسية حواراً وطنياً حقيقياً يفضي إلى حالة من التفاهم والتراضي العام، بجانب تحسن الأحوال الإقتصادية بعد تدفق معونات الدول القلقة من “توسنامي” التغيرات التي قد تنتجهُ حركة المظاهرات الشعبية.

*باحث في الشأن الإفريقي

مصدر الصورة: سبوتنيك.