القرآن الكريم نزل بلغة عربية ذات مستويين، المستوى الأول هو الصيغة الإلهية، والمستوى الثاني هو اللغة العربية التي كان يعرفها أهل الجزيرة العربية قبل نزول القرآن الكريم، والثابت أن اللغة العربية قد تم تعليمها لأهالي البلاد المفتوحة في الإمبراطورية الإسلامية ولكن لم يهتم العرب بترجمة معاني القرآن من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية لسبب بسيط وهو أن لغة القرآن تتمتع بالاعجاز البياني كما أن تفسيرات آيات القرآن الكريم ثرية عبر العصور وما دام القرآن الكريم لم يقدم له تفسير رسمي فإن التفسير متاح لجميع العقول ولكن الأولين وضعوا ضوابط وشروطاً لمن يجتهد في عملية التفسير.

وما دام العرب قد قرروا عدم ترجمة القرآن الكريم وهي مسألة مستحيلة استحالة مطلقة وحتى لم يهتموا بترجمة معاني القرآن الكريم وأحكامه وإنما نشط في هذا المجال المستشرقون الأجانب منذ القرن السابع عشر وهي دلالة مهمة على تراكم الحوادث التاريخية وفي ذلك الوقت فشلت الحروب الصليبية في الكيد للإسلام والمسلمين فلم يتوقف المستشرقون يوماً عن ابتداع صور متعددة لضرب الإسلام والمسلمين أما المسلمون فقد انتشرت الحركة الاستعمارية في بلادهم ونهب خيرات هذه البلااد وأما الدين فقد دخلوا من أبواب مختلفة لتشويهه وخاصة باب الترجمة، ولذلك لاحظنا أن أولى الترجمات لمعاني القرآن الكريم تمت على يد القسس الكبار في الكنيسة، ومعلوم ارتباط الحروب الصليبية بالاستعمار الغربي منذ أن انتصرت الدولة القومية على الكنيسة في القرن السادس عشر في أوروبا، فدخلت أوروبا في الثورة الصناعية المتعددة المراحل وبعد هذه الثورة دخلت في حركة الاستعمار الغربي للشرق الإسلامي ومعنى ذلك أن ترجمة معاني القرآن الكريم كانت مغرضة وهدفها تشويه الأحكام والطعن على الله والقرآن والأنبياء وكل ما يتعلق برسولنا الكريم بصفة شخصية وسنته- وتعاليمه.

ولما نضجت الحملة على الإسلام في القرن التاسع عشر اتجهت إلى إعلاء قيمة الأحكام التي تضمنها القرآن والسنة ولكن طعنوا الإسلام من باب آخر وهو أنهم وصفوا النبي الكريم بأنه مشرع ماهر وينطوي هذا المدح على طعن في صلب العقيدة لأن المشرع الماهر بشري وأنه هو الذي ألف القرآن الكريم ولا علاقة له بالتنزيل والوحي، وللأسف انخرط بعض المصريين مثل أنيس منصور في هذا الاتجاه الذي ترجم العظماء مائة أعظمهم محمد وهو يظن أنه يحسن صنعاً.

وإذا كان ترجمة القرآن أو حتى معانيه مستحيلة فقد ظهرت ترجمات على يد مسلمين غير عرب.

وترجمة معاني القرآن تحتاج إلى أن يفهم المترجم من اللغة العربية اللغة نفسها ثم يفهم بعمق اللغة التي يترجم إليها وما دامت اللغة العربية من أغنى اللغات في تركيبها فإنه يستحيل من الناحية الفنية أن تنقل المعاني بدقة من اللغة العربية إلى اللغة الأجنبية والملاحظة التي نسجلها في هذا المقام هي أن الترجمات المتوفرة حتى الآن قام بها غير العرب ولكنهم مسلمون متحمسون وبعضهم أفنى عمره وجهده وكرس وقته وعلمه في تدقيق هذه الترجمة ومع ذلك يظل اجتهاده اجتهاداً قاصراً عن بلوغ الهدف الذي نتوخاه وما دامت الترجمة الكاملة مستحيلة فذلك يفتح الباب إلى المقترحات التالية.

الاقتراح الأول: أن يدقق في تكوين مترجم معاني القرآن الكريم ولابد أن تتولى مؤسسات هذه المهمة والملاحظ أن كل الترجمات حتى الآن جهود فردية والمطلوب أن تتحول هذه الجهود الفردية إلى عمل مؤسسي.

الاقتراح الثاني: لابد من إعطاء الأولوية في الترجمة للأحكام لأن هذه الأحكام هي أعمدة القرآن الكريم.

الاقتراح الثالث: ضرورة نقل المصطلحات الإسلامية كالحج والعمرة والصلاة والصيام والزكاة والإنفاق وغيرها نقلاً حرفياً مع تعريف هذه المصطلحات بشكل كامل.

الاقتراح الرابع: ضرورة تكاتف المؤسسات الإسلامية على توفير تفسير مختصر ومباشر لأحكام القرآن الكريم وأن تتم الترجمة من التفسير.

الاقتراح الخامس: عقد مؤتمر دولي يشترك فيه العرب والأجانب وأصحاب كل الترجمات واتباع جميع الشرائع السماوية والأرضية حتى نخرج بتوصيات مفيدة في هذا الموضوع.

الاقتراح السادس: مادام الأجنبي غير المسلم يقرأ الترجمة ولا يقرأ القرآن الكريم باللغة العربية معنى ذلك أنه يعرف الإسلام فقط من خلال الترجمة وقد تعجب البعض من أن بعض الأجانب لم يقرأوا القرآن مترجماً أو في لغته ومع ذلك اهتدوا إلى الإسلام وهناك فريق أمضى عمره في دراسة الإسلام وترجمة القرآن ومعانيه ومع ذلك لم يسلموا وتفسيري لهذه الظاهرة من القرآن نفسه أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء فمعرفة الإسلام سواء بطريقة صحيحة أو بطريقة غير صحيحة ليس إلا سبباً إذا قرر الله هدايته أما أن قرر ضلاله فمهما كان مقترباً من الدين وعلومه واللغة وبيئتها فإنه لن يهتدي.

وأخيراً لابد من التقاء الجهود بين الأزهر ووزارة الثقافة وبداخلها مركز الترجمة وكذلك وزارة الإعلام والجامعات في وضع خطة لترجمة أكثر دقة لمعاني القرآن الكريم وأن تقوم هذه الجهات بمساعدة المترجم وتبصيره للمعاني التي ينقلها إلى اللغات الأخرى.

وواضح أنه إذا كانت ترجمة معاني القرآن الكريم من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى بدقة وأمان من المستحيلات فإن ترجمة معاني القرآن المترجمة أصلاً من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية أكثر استحالة.

مصدر الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي.

إقرأ أيضاً: التقيّة عند الفرق الإسلامية: أسبابها ومشروعيتها

د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر