ما إن أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قطع بلاده شوطاً كبيراً نحو ما أسماه “السلام مع إسرائيل” في مقابلته على “قناة فوكس” الأمريكية خلال شهر أيلول الماضي، حتى سارع القادة الإسرائيليين وفي مقدمتهم وزير الخارجية “إيلي كوهين” لتلقف الإعلان واستغلاله لصالح دعاية الترويج الهادفة لتوسيع دائرة الدول المطبعة مع الكيان الإسرائيلي، حيث صرّح بأن تطبيع السعودية مع “إسرائيل” من شأنه أن يجذب عدة دول عربية وإسلامية أخرى لطاولة التطبيع تباعاً، ضمن سياق ما يُعرف بــ “Abraham Accords”.

جمهورية باكستان الإسلامية، إحدى أبرز الدول التي اخذت حيزاً كبيراً في الإعلام الإسرائيلي والغربي وسُلّط عليها الضوء في مقدمة تلك الدول الإسلامية التي قد تلحق بالركب السعودي المُطبّع مع الكيان الإسرائيلي، وبعيداً عن الغوص في مدى مصداقية هذه الأصداء، لكن ممّا لا شك فيه أن هناك ما يدفع البعض نحو هذا الاستنتاج، واستناداً للمقولة البسيطة والعميقة في آنٍ معاً “لا دخان بدون نار”، ها نحن ذا نستعرض بعضاً من الأسباب التي دفعت للنظر إلى باكستان بعين التكهنات هذه، ولعل خلف ذلك محددات عديدة، أهمها:

1) طبيعة العلاقات الباكستانية – السعودية:

تجمع باكستان والسعودية علاقة وثيقة على مدى العقود الماضية، في ظلّ كلا النظامين العسكري والمدني في باكستان، قدمت خلالها السعودية مساعدات اقتصادية “أكثر من المتوقع” لباكستان في فترات مختلفة، مما ساعد الرياض لاستحواذ نفوذ لا يُستهان به على باكستان من وراء الكواليس في ملفات مختلفة، حيث كانت الصدمة الأولى للباكستانيين قبل سنوات حينما تسربت معلومات عن ضغط تمارسه الرياض على إسلام آباد للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي.

ففي تشرين الثاني من العام ٢٠٢٠، تَصدّر رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك عمران خان عناوين الصحف العالمية عندما كشف أن إسلام آباد تتعرض لضغوط قاسية من مما وصفها حرفياً بـ “بعض الدول الإسلامية والعربية الصديقة” للاعتراف بإسرائيل، وعلى الرغم من أنه لم يصل إلى حدّ تسمية تلك الدول خلال مقابلةٍ أجراها مع إحدى وسائل الاعلام المحلية، إلا أن التسريبات كانت تشي بأن تلك الدول هي السعودية والإمارات، وهنا أقول بأنه لو تم التطبيع الباكستاني – الإسرائيلي في حينها، لما تأخر التطبيع السعودي – الإسرائيلي إلى الآن، لأن السعودية كانت مهتمة بدفع عدة دول إسلامية إلى “هاوية التطبيع” مع الكيان الإسرائيلي قبل أن تتجه هي بنفسها إلى هذه الخطوة، وباكستان من بين أهم تلك الدول، نظراً لأهميتها السياسية والتاريخية (كونها تأسست على أساس عقائدي إسلامي)، وأهميتها العسكرية (القوة العسكرية النووية الإسلامية المنفردة في العالم).

ومن هنا انطلقت الاستنتاجات حول أن باكستان ستكون أولى الدول التي ستهرع نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي فور تطبيع العلاقات السعودية – الإسرائيلية، علماً أن باكستان خَبُرُت عدة تجارب تملصت عبرها من الضغوط السعودية عندما تقرر عدم الرضوخ لتلك الشروط، وأكبر دليل على ذلك هو عدم تطبيع العلاقات مع الكيان لحد اللحظة، فضلاً عن رفض إسلام آباد المشاركة في الحرب على اليمن عام 2015 عندما طلبت السعودية منها ذلك، وتملّصت من المشاركة في حلف العدوان على اليمن بذريعة “الديمقراطية”، عندما حولت حكومة نواز شريف آنذاك قرار المشاركة أو عدمها إلى الجمعية الوطنية (البرلمان الفيدرالي) للتصويت عليه، وجرى التصويت بعدم المشاركة.

2) باكستان، القوة العسكرية النووية الوحيدة في العالم الإسلامي:

أن تكون باكستان القوة النووية الإسلامية الوحيدة وغير مطبّعة مع إسرائيل، هي حقيقةٌ يعرف الكيان الإسرائيلي تبعاتها جيداً، الأمر الذي يتضح من محاولة إسرائيل لضرب المفاعلات النووية الباكستانية في عام 1985 سعياً لمنع تطوير البرنامج النووي الباكستاني (رصدت باكستان مرتين خلال عام ١٩٨٥ أي قبل تنفيذ الضربة النووية التجريبية طائرات إسرائيلية من طراز F-16 في مجالها الجوي في الأيام التي سبقت إجراء الاختبارات، وكانت إسلام آباد قد تلقت معلومات أمنية من أطراف دولية عن وجود نية إسرائيلية مدعومة أمريكياً لشن غارة على أحد مراكز التخصيب النووي غربيّ البلاد).

بالتالي، فإن التاريخ يعكس الهاجس الإسرائيلي من “باكستان النووية”، خصوصاً في ظل العلاقات العسكرية التي تربط إسلام آباد بمختلف الدول الإسلامية دون إستثناء، وإن كان بمستويات مختلفة بين “الأشقاء الأنداد: إيران والسعودية”، إلا أن ذلك لا يُلغي الخطر الذي يُداهم مخيّلة كيان الاحتلال إن كان من ناحية احتمالية نشوب معركة مستقبلية تنضم فيها باكستان كحليف عسكري قوي ضد إسرائيل، أو من ناحية المخاوف الناجمة عن احتمالية بيع التكنولوجيا النووية الباكستانية لدول إسلامية أخرى قد تشكل خطراً حقيقياً “محتملاً” في المستقبل على وجود الكيان، فضلاً عن كون باكستان بلد ذو تجربة طويلة في حرب الوكالات عبر دعم جماعات إسلامية مسلحة وعلى رأسها طالبان الأفغانية التي أخرجت أمريكا مرغمةً من بلادها بعد صراع دام لعقود، فأي تهديد قد تواجهه إسرائيل في حال انخراط باكستان في دعم فصائل المقاومة الفلسطينية عسكرياً، فضلاً عن الدعم المعنوي والسياسي؟! مع الأخذ بعين الاعتبار التقدير العالي الذي يكنّه الباكستانيون لحركات المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها “حركة حماس”، فضلاً عن كون جماعة الإخوان المسلمين في باكستان “حركة الجماعة الاسلامية” يتمتعون بنفوذ لا يمكن تجاهله في البلاد.

لذلك، فإن إسرائيل تدرك جيداً عظم المكانة الاستراتيجية التي تحظى بها باكستان لدى العالم الإسلامي، وكذلك تدرك الأهمية الجيوسياسية لباكستان التي تجعل منها -من خلال تموضعها في جنوب آسيا، وعلى حدود إيران وأفغانستان- مركزاً أمنياً مهماً، خصوصاً في ظلّ إصرار الكيان الإسرائيلي على استهداف إيران من الداخل، ولعلّ إقليم بلوشستان المضطرب الذي يجمع باكستان وإيران أفضل السبل الإسرائيلية لذلك.

وعليه، فإن هذا العامل يبرر إلى حدٍ بعيد مطامع الكيان بالتطبيع مع باكستان، لأنه ردءٌ للخطر من جهة، وتحقيق للمكاسب الأمنية على مستوى المنطقة من جهة أخرى.

3) لقاءات باكستانية – إسرائيلية سابقة:

شهدت العقود الماضية، ورغم عدم وجود علاقات باكستانية – إسرائيلية عدة لقاءات بين مسؤولي البلدين في فترات مختلفة، والتي كانت تجري عادةً بوساطةٍ وتنسيقٍ أمريكي وغربي، وذلك كجزء من تأثير مجموعات الضغط الصهيونية التي تدفع نحو التطبيع، الأمر الذي يعكس بطبيعة الحال الاهتمام الإسرائيلي البالغ بباكستان وأهمية تطبيع العلاقات معها.

ومن أبرز اللقاءات التي أجريت بين المسؤولين الباكستانيين والإسرائيليين هو اللقاء الذي كشفته رئيسة الوزراء السابقة “بينظير بوتو” مع “شيمون بيريز” عبر مقالٍ نشرته في صحيفة أمريكية عام 1999، جاء فيه: “التقيت مؤخراً مع شيمون بيريز، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وأدركت أن عملية المصالحة في الشرق الأوسط بين مصر وإسرائيل، والأردن وإسرائيل من شأنها تعزيز السلام في الشرق الأوسط، ومن الممكن أن ننتهج مستقبلاً ما قامت به الدول العربية وتحديداً دول الجوار مع إسرائيل”.

تلا ذلك اجتماع وزيرا خارجية الكيان وباكستان للمرة الأولى علناً عام 2005، وقد أشاد وزير الخارجية الاسرائيلي حينها “سيلفان شالوم” بالاجتماع الذي عقد في اسطنبول ووصفه بـ “تقدم هائل في مشروع التطبيع الباكستاني الإسرائيلي”، فيما وصف وزير الخارجية الباكستاني آنذاك “خورشيد كاسوري” الاجتماع بأنه لفتة للتأكيد على الأهمية التي توليها باكستان لما تعتبره بداية نهاية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ولكن الأهم ما قاله الرئيس الباكستاني في تلك المرحلة “برويز مشرف” معلناً أن إسلام آباد ليست مستعدة للاعتراف رسمياً بإسرائيل إلى أن يتم إنشاء دولة فلسطينية.

ولا زالت الجهود الصهيونية تُبذل بشكل متواصل بهدف الضغط على مختلف المستويات لتطبيع العلاقات الباكستانية – الإسرائيلية، وكما اعتاد الصهاينة دائماً، تتخذ مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الدور الأبرز، حيث نظمت جمعية “شراكة” الأمريكية، بالتعاون مع مجلس “تمكين المرأة”، ومجلس “تعدد الأديان” زيارة لوفد يضم عدداً من المسلمين الأمريكيين والإندونيسيين و9 باكستانيين، من بينهم وزير سابق يُدعى “نسيم أشرف” إلى تل أبيب في أيلول 2022، وذلك بذريعة تعزيز الانسجام بين الأديان، والهدف في ذلك بدء تأهيل الجانب الشعبي والثقافي في باكستان لتقبل مسألة التطبيع.

4) تدريبات دولية بمشاركة باكستانية وإسرائيلية:

رغم عدم وجود علاقات تجمع تل أبيب بإسلام أباد، إلا أن باكستان شاركت في وقت سابق من العام 2022 بمناورة بحرية واسعة النطاق في البحر الأحمر بقيادة الأسطول الأمريكي الخامس إلى جانب إسرائيل، حيث لم ترَ القوات العسكرية الباكستانية في ذلك أي مبعث للحرج، على الرغم من الانتقادات الشعبية اللاذعة التي طالت الحكومة الباكستانية آنذاك لقبولها بمشاركة باكستان في مناورات عسكرية إلى جانب القوات الإسرائيلية، الأمر الذي اعتبره البعض مسوّغاً للحديث عن وجود اهتمامات باكستانية وإسرائيلية مشتركة على الجانب العسكري، وبالتالي اهتمام ثنائي للتوجّه تدريجياً نحو التطبيع.

5) هواجس باكستان من العلاقات العسكرية بين الهند وإسرائيل:

تُعد الهند أكبر مستورد للمعدات العسكرية الإسرائيلية، بنسبة 49% من مجمل صادراتها، بقيمة إجمالية تبلغ 15 مليار دولار، في الوقت الذي تعتبر فيه إسرائيل ثاني أكبر مورد دفاعي للهند بعد روسيا، مما يجعلهما شريكين أساسيين في التعاون العسكري، خاصة مساهمة إسرائيل بصورة فاعلة بتحديث معدات الجيش الهندي، إذ يشمل التعاون العسكري الإسرائيلي مع الهند توريد كميات كبيرة من السلاح والصناعات العسكرية التكنولوجية، كالمسيرات، وغيرها من الوسائل القتالية المتطورة جداً، وأجهزة الرؤية الليلية، والجدران الإلكترونية لتحسين الرقابة على الحدود الهندية – الباكستانية، فضلاً عن الذخيرة والصواريخ والمضادات الجوية والأرضية، فضلاً عن إجراء المناورات العسكرية المشتركة بشكل دوري.

أمام هذه الاحصائيات المُعلنة، يبقى ما خفي أعظم من تعاون استخباراتي وأمني بين الهند وإسرائيل في المنطقة، لذا من الواضح المخاوف التي يفرضها هذا التحالف العسكري على باكستان، لذا يرى بعض الخبراء أن هذا الوازع يدعم مقولة قبول باكستان بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، نظراً لما قد يحمله من فوائد على الجانب الباكستاني في حرب المعلومات العسكرية وسباق التسلح التي تخوضها باكستان والهند في منطقة جنوب آسيا.

6) سعي باكستان لاسترضاء واشنطن عقب تدهور العلاقات مؤخراً:

يرى البعض أن التطبيع مع إسرائيل هو الطريق الأسرع إلى قلب الإدارة الأمريكية في واشنطن لاستجدائها عقب التوتر الذي عاشته العلاقات الباكستانية الأمريكية خلال الفترة الماضية، وتحديداً عقب إتهام رئيس الوزراء السابق عمران خان لواشنطن بشن مؤامرة للإطاحة بحكومته، الأمر الذي قد يراه بعض الساسة في باكستان الحلّ الأفضل واحتياج المرحلة لتحقيق عدة أهداف منها كبح جماح الجارة العدوة الهند، كون أن العلاقات الإيجابية بين باكستان وأمريكا من شأنها أن تريح الجبهة الشرقية لباكستان (الحدود الباكستانية – الهندية) فالهند المدعومة أمريكياً لطالما استغلت توتر العلاقات الباكستانية – الأمريكية في السابق للضغط على إسلام آباد، وتقويض دورها الإقليمي مستغلةً اللعب على وتر “خطر التعاون الصيني الباكستاني” أمام الأمريكي، الأمر الذي يحمل في طياته تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية صعبة على باكستان.

كما يُتوخى من تحسين العلاقات الباكستانية الأمريكية أن ترتاح باكستان على الجانب الاقتصادي، وتسهيل معاملاتها مع كل من البنك الدولي ومجموعة العمل المالية الدولية في ظلّ أزمتها المالية الحالية التي بات الاقتصاد الباكستاني فيها يتأرجح على شفير الهاوية.

“معركة طوفان الأقصى”: مركز التحوّل

لا شك في أن “عملية طوفان الأقصى” -التي شنتها “كتائب الشهيد عز الدين القسام” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والتحقت بها فصائل المقاومة الفلسطينية المختلفة، بل وتضامنت معها قوى محور المقاومة بعمليات من ما وراء الحدود مُكبدةً الكيان الإسرائيلي خسائر بشرية وعسكرية واقتصادية فادحة- قد أسست لتحول جذري في مسار القضية الفلسطينية على المستويين الداخلي والخارجي، حتى طال الأمر شؤون إسرائيلية مختلفة منها ملف التطبيع.

ولأن ما قبل “عملية طوفان الأقصى” ليس كما بعدها، فإن الحديث عن تطبيع باكستاني – إسرائيلي ما قبل “عملية طوفان الأقصى” ليس أبداً كما بعدها، بل يمكن القول -استناداً إلى الأصداء الحكومية والشعبية الباكستانية- هو أمرٌ أشبه بالمستحيل في الظروف الراهنة.

1) تصاعد ردود الأفعال الحكومية الباكستانية:

مع بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، اكتفت الخارجية الباكستانية بإصدار بيان تحت عنوان: “مخاوف باكستان بشأن التصعيد في الشرق الأوسط”، أظهرت الخارجية الباكستانية من خلاله ميلها -بدايةً- للرواية الغربية من حيث تناولها للعدوان الإسرائيلي، حيث جاء في البيان: “إننا نراقب عن كثب تطورات الوضع في الشرق الأوسط واندلاع الأعمال العدائية بين إسرائيل والفلسطينيين، ويساورنا القلق بشأن الخسائر البشرية التي تنجم هذا التصعيد”، وفي هذه اللهجة ما يبطن مساواة باكستان لكلا الطرفين: الاحتلال الإسرائيلي، والمحتل الفلسطيني.

واستغرق الأمر 5 أيام إلى أن تصدر الحكومة الباكستانية بياناً يندد بالمجازر الإسرائيلية بلغة صريحة لا تحمل أي لبس أو تأويل، ومتماشية مع الغضب العارم الذي يملئ صدور الباكستانيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة، وجاء ذلك عقب مجزرة المستشفى المعمداني حيث أدانت الحكومة الباكستانية المؤقتة بشدة القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، وطالبت بالوقف الفوري للغارات الجوية الإسرائيلية على القطاع ورفع الحصار عنه لتسهيل إيصال الإغاثة الإنسانية إلى المدنيين.

وتصاعدت وتيرة ردود الأفعال الحكومية الباكستانية على مستوى الأمم المتحدة إلى أن أعلن مندوب باكستان الدائم لدى الأمم المتحدة “السفير منير أكرم” أن إسلام آباد “أخذت زمام المبادرة” في “الدفاع عن الموقف الفلسطيني ونشره” على المستوى الدولي، والمشادات الكلامية في جلسات الأمم المتحدة بين السفير أكرم ونظرائه من الدول الغربية باتت من أكثر ما ينشر مؤخراً حول حقيقة ما يجري في فلسطين على منصات التواصل الاجتماعي.

وكذلك الأمر على مستوى ارسال المساعدات، حيث كانت باكستان من أولى الدول التي أرسلت مساعدات إنسانية إلى مصر إلى أن يتم تنسيق فتح معبر رفع لإيصال المساعدات لأهالي غزة، وتبعها لاحقاً حزمة مساعدات ثانية، ويجري حالياً التحضير للحزمة الثالثة والرابعة.

وبذلك تكون الحكومة الباكستانية قد وضعت نفسها في خندق التأييد لفلسطين بشكل لم تجاريه حتى بعض الدول العربية والإسلامية ممن اعتبر المقاومة الفلسطينية إرهابيةً كداعش.

2) استحضار القضية الفلسطينية في الوعي الشعبي الباكستاني:

القضية الفلسطينية لم تغب يوماً عن ضمير الشعب الباكستاني، بل يمكن القول أنه لطالما كان يشكل الحاجز المنيع أمام أي حكومة قد تفكر بالتطبيع مع إسرائيل، لأن التزام الباكستانيين بدعم القضية الفلسطينية منبثق من وصية مؤسس جمهورية باكستان الإسلامية محمد علي جناح الذي أكد عدم اعتراف باكستان بإسرائيل، فضلاً عن ارتباط هذه القضية بالقضية الكشميرية عام 1947(نزاع الكشميريين حول أحقيتهم بتقرير مصيرهم في الانضمام لباكستان كونهم من أغلبية مسلمة، أو البقاء على انتمائهم للهند، أو الانفصال لتشكيل دولتهم الخاصة)، وبذلك فإن الاعتراف بإسرائيل بالصيغة الحالية يعني تنازل باكستان عما يسمونه “الاحتلال الهندي لجامو وكشمير”، لذا فالأمر لم يكن يوماً بهذه السهولة.

أما الآن، وبعد أن أحيت عملية طوفان الأقصى آمال الشعوب الحرة ومنها الشعب الباكستاني في قدرة الفلسطينيين على استرجاع أرضهم وفرض ارادتهم على الاحتلال الإسرائيلي، مع متابعتهم لما يتعرض له الفلسطينيون من جرائم ومجازر إسرائيلية ضد الإنسانية، فإن الحديث عن علاقات باكستانية مع إسرائيل سيكون أشبه بلعنة تواجهها الحكومة الباكستانية التي ستتحرك نحو هذا الخيار، مع التنويه إلى أن هذا الأمر لم تقدر عليه سابقاً حتى الحكومات العسكرية التي انقلبت على الحكم في باكستان، فكيف سيكون الأمر مع حكومة مدنية هي الأحوج لأصوات الناخبين في صناديق الاقتراع.

خلاصة القول، تمكنت عملية طوفان الأقصى من كشف مدى هزل وضعف ووهن الكيان الإسرائيلي الذي يتغنى بقدراته العسكرية وإمكانات جيشه “الذي لا يقهر” باعتباره كما يصفوه أقوى جيش في الشرق الأوسط، فيما هو بالواقع عاجز عن مواجهة مجموعة من المقاومين الذين يواجهون هذا الكيان بأسلحة متواضعة، فلجأ الإسرائيليون لما هو أشنع أي المجازر والجرائم الوحشية ضد الأطفال والنساء الفلسطينيين، فوضعوا أنفسهم ومن يدعمهم ومن طبع معهم من دول عربية وإسلامية في موقف مخزٍ ومحرج للغاية، لذا فحتى من البُعد البراغماتي البحت، لم تعد باكستان تولي تلك الأهمية لهذا الكيان المتضعضع من الداخل، والعاجز عن تأمين مصالحه من الخارج.

مصدر الصور: المركز الفلسطيني للإعلام – أرشيف سيتا.

إقرأ أيضاً: حكومة مؤقتة لأزمات مزمنة.. فقط في باكستان

علي حسين

إعلامي مختص بالشؤون الآسيوية – باكستان