من المعروف أن حلف اليمين يحتل مكانة بارزة كوسيلة أساسية لتحقيق العدالة وإظهار الحق، فهو ليست مجرد إقرار شفوي، بل هي عهد شرعي وقانوني يمثل التزاماً رسمياً بالصدق والأمانة، كما يُعتبر حلف اليمين أداة فعالة في سبيل إنصاف المظلومين، سواء من الناحية الشرعية أو القانونية.

من الناحية الشرعية، يعتبر الحلف واجباً شرعياً يتطلب الوفاء بالعهد المؤكد عند الله تبارك وتعالى، حيث يحذر الدين الإسلامي بشدة من حلف اليمين الكاذبة ويضع عليها عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة، فالصدق والأمانة من القيم الأساسية في الإسلام، وحلف اليمين يُعتبر وعداً يجب أن يُحترم ويُنفذ بكل جدية.

أما من الناحية القانونية، يعتبر حلف اليمين وسيلة مهمة لتحقيق العدالة في المحاكمات وتوضيح الحقائق، فإذا كان هناك نزاع قضائي، فإن حلف اليمين يساهم في توثيق الأدلة وتأكيد صحة الشهادات، مما يسهم في إنصاف الأطراف المتنازعة وحسم المنازعات بشكل عادل.

بالتالي، في السياق القانوني، يُعد حلف اليمين أحد الطرق الرئيسية لتثبت مصداقية المدعى به، ويتم حلف اليمين للشاهد أو الأطراف في الدعوى لعدة أسباب، منها الحاجة إلى وسيلة للتأكد من صدق الشاهد أو الطرف الذي يقدم حجته، حيث يرتبط هذا بالتفاوت الطبيعي بين البشر فيما يتعلق بصدق أقوالهم ومدى صدقيتها، والتي قد تختلف بين الحقيقة والكذب، حيث تتخذ الهيئة القضائية قرار تحليف الشاهد أو الطرف باليمين بهدف تحفيزه على الصدق وتحذيره من التلاعب بالحقيقة، حيث يعتبر حلف اليمين وسيلة لتعزيز الرادع القانوني، فبموجب هذا النهج، يشعر المحلف بالوجوب القانوني والأخلاقي للتصريح بالحقيقة، حيث يعزز اتخاذ اليمين من توجهه نحو الصدق ويقيده عن التلاعب بالحقائق.

وتشمل صيغة حلف اليمين في المحكمة عدة أنواع تعتمد على طبيعة القضية والسياق القانوني المحيط بها. وتشمل هذه الأنواع: حلف اليمين بالشكل القانوني التقليدي، وحلف اليمين بالقرآن الكريم أو الكتاب المقدس حسب الديانة التي يتبعها الطرف، كما يجب التنبه إلى أن اليمين الكاذبة تعتبر جريمة قانونية خطيرة، حيث يمكن أن تؤدي إلى فقدان الثقة في المحلف وتشويه سمعته.

باختصار، تتجلى أهمية حلف اليمين في تعزيز الصدق والنزاهة في إجراءات المحكمة، وهو ضروري لضمان تحقيق العدالة وتطبيق القانون بشكل سليم وعادل.

أما في سياق القانون وتطبيق قوانين الإثبات، نجد أن الشرعية والدقة هما ركيزتان أساسيتان في عملية العدالة، حيث يلتزم المشرع بتوجيه الشخص الذي يحلف اليمين بالتعبير عن الحقيقة دون أي تحريف، وهذا ما يتضح بوضوح في صيغة حلف اليمين في المحكمة، حيث يطلب من الشاهد وضع يده على القرآن الكريم والقول:

“والله أن أقول الحق دون زيادة أو نقصان، وأن لا أقول إلا الحق.”

بالتالي، نجد أن أي شهادة غير مسبوقة بحلف اليمين تعتبر باطلة، وهي غير قابلة للقبول كدليل في الدعوى، بالنظر إلى ذلك، يصبح على الأطراف ضرورة تحليف الشاهد باليمين وفقاً للإجراءات القانونية المتبعة، حتى لو كان ذلك ضد إرادة الأطراف الخصوم.

وبالنسبة لصيغة تحليف اليمين في المحكمة، فإنها تتبع تعليمات المحكمة وتعتمد على نوع الدعوى وظروفها المحيطة، حيث تتنوع هذه الصيغ بين اليمين الحاسمة واليمين المتممة وفقاً لمتطلبات الموضوع وما يقتضيه العدل والمصلحة العامة.

بالإضافة إلى ذلك، تعد أنواع اليمين ذات أهمية بالغة في سير العدالة وتحقيق الحق، من هنا يمكن أن نعرّف اليمين على أنه الإقرار الرسمي الذي يقدمه أحد الأطراف في الدعوى، والذي يُستخدم لحسم النزاع وتوضيح الحقائق، حيث ينقسم اليمين إلى نوعين رئيسيين: اليمين الحاسمة واليمين المتممة:

اليمين الحاسمة: هي اليمين التي يُطلبها الخصم في الدعوى من الطرف الآخر، حيث يحتكم الطرفان إلى ضمائرهما لحسم النزاع، ويُشترط في هذا النوع من اليمين أن تكون الحقائق التي يُطلب الحلف عليها مؤثرة وحاسمة في مسألة النزاع، ويجب على الحالف أن يلتزم بالصيغة المعتمدة التي تُحددها المحكمة.

أما اليمين المتممة: فهي اليمين التي يوجهها القاضي نفسه لتعزيز دليل ضعيف أو ناقص في الدعوى، وذلك بهدف إكمال قناعته فيما يُدعى، حيث يتم توجيه هذا النوع من اليمين بواسطة القاضي وليس من طرف الأطراف في الدعوى كما هو الحال في اليمين الحاسمة.

في الواقع، تعتبر أنواع اليمين هذه ذات أهمية بالغة في تحقيق العدالة، حيث تُعتبر وسيلة لتوضيح الحقائق وتحسين جودة الأدلة المُقدمة في المحاكمة، إضافة إلى ذلك، تساهم في بناء الثقة في نظام القضاء وضمان استقامة العدالة في المجتمع.

ومن الناحية الشرعية، يُعتبر حلف اليمين أمراً جديراً بالاحترام والتقدير، حيث يُعتبر عهداً وميثاقاً لا بد من تحقيقه والوفاء به، ومن هذا المنطلق، يعد حلف اليمين الكاذبة من الكبائر التي توجب على صاحبها عواقب خطيرة، حيث ورد في القرآن الكريم تحذيرات بشأن اليمين الكاذبة، ووصفت بأنها “اليمين الغموس”.

قال تعالى في كتابه العزيز: “إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (سورة آل عمران: 77).

ومن السنة النبوية، روى الإمامين البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “ثلاثةٌ لا يَنظرُ اللهُ إليهِمْ يومَ القِيامةِ؛ ولا يُزكِّيهِمْ؛ ولَهُمْ عذابٌ أليمٌ: أُشَيْمِطٌ زانٍ وعائِلٌ مُستكْبِرٌ، ورجلٌ جعلَ اللهَ بِضاعتَهُ لا يَشترِي إلَّا بِيمينِه، ولا يَبيعُ إلَّا بِيمينِهِ”.

ومن هذا المنطلق، يجب على الإنسان السعي جاهداً للتمسك بالصدق والأمانة في تعاملاته، وتجنب الوقوع في حلف اليمين الكاذبة مهما كلفه الأمر، لأنها تعتبر من الجرائم الخطيرة التي قد تؤدي إلى عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة.

وللتوضيح، على سبيل المثال: لنفترض أن هناك دعوى قضائية تتعلق بحادث سير، حيث يدعي المدعي أن السائق الآخر كان يتجاوز السرعة المحددة وبالتالي تسبب في الحادث الذي أصابه بإصابات جسيمة، يتم استدعاء شاهد يكون حضر الموقع وشاهد الحادث بشكل مباشر للإدلاء بشهادته.

أثناء الاستجواب في المحكمة، يُطلب من الشاهد أن يحلف بأنه سيقول الحقيقة ولا يقول إلا الحقيقة حول ما رآه في الحادث، هنا يضع الشاهد يده على القرآن الكريم أو يقول “والله” ويقول بما يعني: “أنا أقسم بالله أنني سأقول الحقيقة ولا أضيف لها ولا أحذف منها”.

في هذا المثال، يتم استخدام حلف اليمين كوسيلة لتعزيز صدق الشاهد وضمان تقديم شهادته بكل دقة وصدق، لكن إذا قام الشاهد بالحلف وأدى شهادته بناءً على ذمة الله سبحانه وتعالى، فإنه يُعتقد أنه سيقدم الحقيقة دون تحريف أو تضليل، وهذا يساعد في تحقيق العدالة في هذه الدعوى القضائية وقس على مثلها وغيرها الكثير من الدعاوى التي يتم استخدام اليمين فيها كأمر ضروري في تحقيق العدالة.

وفي الختام، يظهر أن حلف اليمين هو أداة حيوية في مسار العدالة، سواء من الناحية الشرعية أو القانونية، فهو ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو عهد شرعي وتعهد قانوني بالصدق والنزاهة، حيث يعكس حلف اليمين الالتزام بالحقيقة والوفاء بالعهد، وهو يسهم في توثيق الأدلة وتقوية الشهادات، مما يسهم في إنصاف الأطراف وحسم المنازعات بشكل عادل.

كما أن فعالية حلف اليمين تتجلى عندما يتم اتخاذه بصدق وجدية، وعندما يتم تطبيقه بشكل صحيح وعادل، فعندما يتمتع الشهود والأطراف بالثقة في نظام القضاء وتتم احترام اليمين كوسيلة لتحقيق الحق، فإن حلف اليمين يكون أداة فعالة لتحقيق العدالة والمساواة أمام القانون.

ومن الجدير بالذكر أن تطبيق حلف اليمين يتطلب أيضاً قيام السلطات القضائية بمراقبة الإجراءات وضمان تنفيذها بكل دقة وعدالة، وضمان عدم إساءة استخدام هذه الأداة من قبل الأطراف المعنية، وبهذا الشكل، يتبادر إلى الذهن أن حلف اليمين هو أداة مهمة وفعالة في سبيل إنصاف المظلومين وتحقيق العدالة، وهو يعكس التزام القانون والأخلاق بالصدق والنزاهة في جميع جوانب الحياة القانونية وسير وانضباط المجتمعات بشكلٍ عام.

مصدر الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي.

إقرأ أيضاً: الفهم القانوني والمبادئ القانونية للشريعة الإسلامية

عبد العزيز بدر بن حمد القطان

مستشار قانوني – الكويت