كتبت كاثرين يون إبرايت تقريراً حول حروب الولايات المتحدة الأمريكية السرية، وهو محاولة لتحليل الاختراقات او التجاوزات التي تتعرض لها القوانين المنصوص عليها في الدستور الامريكي وكذا تقلص مكانة وفاعلية الكونغرس في قضايا الحرب.

اعتمدت الكاتبة في تقريرها على على التقارير العامة والمواد التي أعدتها وزارتا الدفاع والخارجية، فضلاً عن المقابلات مع المسؤولين الإداريين وموظفي الكونغرس والصحفيين وعدة جهات اخرى.

أكدت كاثرين يون إبرايت أن هذا الانتشار للحرب السرية هو ظاهرة حديثة نسبياً، وهو غير ديمقراطي وخطير يتعارض مع الدستور الامريكي فإن إجراء الأعمال العدائية غير المكشوف عنها في بلدان لم يتم الإبلاغ عنها. يدعو إلى تصعيد عسكري لا يمكن للجمهور والكونغرس توقعه ولا حتى للدبلوماسيين المكلفين بإدارة العلاقات الخارجية الأمريكية. كما أنه يخاطر بعمليات سيئة التصميم وذات نتائج عكسية بتكاليف باهظة، سواء من حيث الدولارات أو أرواح.

قسمت إبرايت التقرير إلى ثلاث محاور أساسية قدمت في الجزء الأول لمحة تاريخية موجزة ولمحة عامة عن سلطات الحرب الدستورية وإشراف الكونغرس على الجيش والجزء الثاني تحليل لمجموعة السلطات التي يتم بموجبها التعاون الأمني ؛ ويحدد الجزء الثالث العيوب الدستورية لهذه الحرب السرية ويقترح إصلاحات لزيادة الشفافية ومنع التجاوزات.

1/الجزء الأول من التقرير انطلقت ابرايت من تحليل الأحداث التاريخية التي ساهمت في تحول الولايات المتحدة من دولة تحترم مؤسساتها والقوانين الى دولة تخترق مبدأ الفصل بين السلطات.

حيث تؤكد أنه تاريخياً كان هناك توازن في استخدام القوة مبني على توزيع الوظائف والمهام بين السلطات بشكل عادل وقانوني، ولكن التغير الحقيقي قد حدث مع الحرب الباردة حيث نشأ توجه جديد (ففي عام 1950، ألزم الرئيس ترومان من جانب واحد القوات الأمريكية بالحرب الكورية، مما أدى إلى تورط الولايات المتحدة في صراع استمر ثلاث سنوات دون سابق موافقة للكونغرس. وخطى ترومان، باستخدام وكالة المخابرات المركزية التي تم إنشاؤها حديثًا للانخراط في أعمال عدائية غير مصرح بها وغير معلنة في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق أسيا…..).

وقد تطور الوضع مع أحداث الـ 11 من سبتمبر (حيث وضع الكونغرس قانون جديد AUMF الذي سمح لجورج بوش بالانطلاق في مهمته لمحاربة الإرهاب، وكانت النقطة الابرز في هذا القانون انه لم يحدد مكان جغرافي، او زمني يؤطر العملية، مما قدم للرئيس السلطات الكاملة للقيام بأي اعمال تحت شعار محاربة الإرهاب، وخلال فترة الحرب ضد الارهاب لم يكن الكونغرس على علم بالمجال الجغرافي او القوات التي تقوم بهذه العمليات، وفي مارس 2022، بعد سنوات زودت إدارة بايدن لجان الشؤون الخارجية والدفاع في الكونغرس بسلسلة من التقارير المتأخرة التي لم تقدم إلى جميع مكاتب الكونغرس، وهي غير متاحة للعامة للإطلاع.)

2/في الجزء الثاني قبل حديث الكاتبة عن القوانين اوالبرامج الامريكية التي تفتح مجال التعاون العسكري و الامداد للشركاء والحلفاء، سردت امثلة من حروب أمريكا السرية بداية من افريقيا تحديدا الصومال حيث قامت الولايات المتحدة ببناء قوة تسمى ب: أمن بونتلاند في في السنوات التي أعقبت 11 سبتمبر، وهي شبكة أسستها وكالة المخابرات المركزية ولم تكن الادارة الأمريكية على علم بوجودها الى بعد عقد من الزمن، وحاربت هذه المجموعة الحركات الارهابية في الصومال، وظلت علاقتهم بالقوات الأمريكية سرية، حيث تنصل المسؤولون الأمريكيون من وجود مستشارين عسكريين في الصومال حتى 2014.

في 2020، أمر ترامب بانسحاب القوات الأمريكية من الصومال، تاركًا قوة أمن بونتلاند بمفردها لأول مرة في تاريخها. بدون توجيهات – أو رواتب – من وزارة الدفاع، وبدون علاقات قوية مع الحكومة الصومالية، خرجت هذه القوات عن السيطرة حيث تحول نساطها من الحرب ضد الإرهاب الى الحرب ضد الحكومة الصومالية نفسها وتهديد حياة المدنين، مما ادى الى إصابة مدنيين وإغلاق مدارس وتحويل العاصمة الى مدينة أشباح..

في مثال آخر التواجد الأمريكي في الفيلبين، حيث كشفت تقارير عديدة في 2011 أن القوات الأمريكية انخرطت في قتال مباشر تحت عنوان الدفاع عن النفس أثار تكهنات بأن القوات الأمريكية تخرق قواعد الاشتباك وتتجاوز صلاحياتها، بالإضافة إلى أولئك الموجودين في الفلبين، كشف الباحثون والصحفيون الاستقصائيون عن 34 قاعدة تشغيل على الأقل في أكثر من اثني عشر دولة في جميع أنحاء إفريقيا.

إن ما يقدم لهذا التقرير البعد القانوني والنظمي هو اعتماد الكاتبة على فكرتين:

1/ قضية فصل السلطات والذي يعتمد على تقديم صلاحيات محددة لكل سلطة محدودة تمنع الاحتكار التام للقوة من طرف جهة واحدة، حيث يتمتع الكونغرس بسلطات واسعة وصلاحيات في قضايا الحرب ولكن تم اختراق هذه النقطة من قبل السلطة التنفيذية.

2/تمتلك الولايات المتحدة عدة برامج وهيئات مختصة في التدريب والتجهيز العسكري، تباشر مهامها بناء على قوانين ومواد تحاجج الكاتبة انه تم استخدام المواد بطريقة سيئة عن طريق استغلال الثغرات، من بينها برنامج او المادة 333§ ، التي تسمح لوزارة الدفاع بنشر القوات الأمريكية لتدريب وتجهيز الشركاء، والخطر الحقيقي من منظور الكاتبة لا يكمن في الحرية التي تتيحها المادة لبدء برامج تدريبية في البلدان ومع شركاء الولايات، بل في احتمالية استغلال الادارة لهذه المادة بشكل عكسي يتنافى مع القوانين تحت غطاء الدفاع عن الولايات المتحدة.

حيث أكدت أن هذه البرامج أدت إلى انخراط القوات الأمريكية في القتال بما في ذلك ضد الجماعات التي ليس لديها سلطة لاستهدافها من خلال تشغيل برامج التدريب والتجهيز بدون إذن صريح من الكونغرس.
تنظر الكاتبة للخطر الذي تشكله هذه القوات من منظور آخر وهو الفرق بين تواجدها في دول قادرة على الرد والتصعيد وتواجدها في مناطق ضعيفة محاطة بالفوضى مثل العراق وسوريا، هذه الاخيرة ستكون فيها السلطة أضعف والقدرة على الانتهاك أكبر لغياب قوة تردع هذه القوات الأمنية.

بالإضافة الى المادة § 333 وضعت السلطات ايضا المادة § 127e المختصة في الحرب ضد الإرهاب، حيث يجب على برامج 127 أن يلتزم بجهود الولايات المتحدة «لمكافحة الإرهاب». على عكس المادة 333، التي يمكن استخدامها لمجموعة متنوعة من الأغراض.

وتسمح المادة لوزارة الدفاع بالشراكة مع أي جهة حكومية أو غير حكومية، بما في ذلك الأفراد العاديين. وهذا أيضا يميز المادة 127 ـ عن المادة 333 التي تعتمد على الدعم المقدم من قوات الأمن الوطني الرسمية فقط.

بالاضافة الى هاتين المادتين هناك مصدران من مصادر قدرة الحكومة على شن الحرب في الخفاء موضوعان للنقاش. الأول هو تصريح استخدام القوة العسكرية (AUMF) لعام 2001 ، والذي تم سنه في أعقاب هجمات 11 سبتمبر / أيلول. على الرغم من القيود الواردة في نصها، فقد تم توسيع نطاق قانون الإدارة الأمريكية لعام 2001 من قبل أربع إدارات متعاقبة لتغطية مجموعة واسعة من الجماعات الإرهابية، والتي حجبت القائمة الكاملة عنها منذ فترة طويلة عن الكونغرس ولا تزال تحجب عن الجمهور. والثاني هو قانون العمل السري ، وهو سلطة للعمليات السرية غير المنسوبة ، والتي تقودها وكالة المخابرات المركزية بشكل أساسي والتي يمكن أن تنطوي على استخدام القوة. الحاشية السفلية على الرغم من سلسلة من الأوامر التنفيذية في حقبة الحرب الباردة التي تحظر الاغتيالات، فقد تم استخدام قانون العمل السري طوال الحرب على الإرهاب لشن ضربات بطائرات بدون طيار خارج مناطق القتال الفعلي.

تقول الكاتبة في حين أن التدريب والدعم الذي تعرضه الولايات المتحدة كخيار قد يبدو غير ضار ، فقد تم استخدام هذه السلطات بما يتجاوز الغرض المقصود منها. حيث أدت برامج المادة 333 إلى قيام القوات الأمريكية بملاحقة خصوم شركائها في ظل تفسير متوتر للدفاع عن النفس الدستوري. سمحت برامج القسم 127 ـ للولايات المتحدة بتطوير والتحكم في القوات بالوكالة التي تقاتل نيابة عن القوات الأمريكية وأحيانًا جنبًا إلى جنب معها. باختصار، تم تمكين هذه البرامج أو استخدامها كنقطة انطلاق للأعمال العدائية.

تجادل الكاتبة انه هناك خلاف ما بين تصريحات وزارة الدفاع الواقع، حيث ان وزارة الدفاع تدعي أن المواد 333 و127 و1202 من بين أكثر أدواتها قيمة في مواجهة خصوم الولايات المتحدة (الإرهاب على سبيل المثال). لكن من المستحيل على الجمهور ومعظم أعضاء الكونغرس تقييم صحة هذا الادعاء. فحتى لو مكنت هذه المواد الولايات المتحدة من تحقيق أهدافها العسكرية من خلال ومع الشركاء، يبقى السؤال الأهم: هل كانت هذه الأهداف وسياسات وزارة الدفاع متسقة مع ما أذن به الكونغرس؟ حيث تؤكد ابرايت انه ليس من الواضح على الإطلاق أن الكونغرس والشعب الأمريكي أيدوا وقبلوا عن قصد “مشاركة القوات الأمريكية في القتال – الناجح أو غير ذلك – في أكثر من اثنتي عشرة دولة حول العالم.

تطمح الكاتبة من خلال هذا التقرير وضع نقاط رئيسية لإعادة توازن سلطات الحرب المنصوص عليه في الدستور. ويقترح الجزء الأخير من الدراسة إصلاحات محددة لكبح جماح الحرب الرئاسية تحت ستار التعاون الأمني. وتنقسم الإصلاحات إلى ثلاث فئات: منع الأعمال العدائية غير المأذون بها؛ تحسين الرقابة في الكونغرس والرقابة العامة وإعادة تحديد وإنفاذ توازن سلطات الحرب.

أول خطوة اعتبرتها إبرايت ضرورية، هي إلغاء المواد 333 و127 و1202 تمامًا. لأن هذه المواد تمنح سلطات دائمة ليست مقيدة بالجغرافيا ولا بالخصم. لهذا هي تمنح وزارة الدفاع سلطة تقديرية شبه كاملة بشأن أين وكيف ومتى يتم التعاون واستخدام القوات العسكرية او حتى اللجوء للحرب.

هذه الخطوة ستجبر وزارة الدفاع للرجوع الى الكونغرس قبل القيام بأي تعاون او شراكة عسكرية، مما يعيد للكونجرس السلطات التي كان يتمتع بها قبل بدأ الحرب على الارهاب ويجعلها تحدد الدول والظروف التس تستوجب التحرك العسكري الأمريكي.
النقطة الأساسية التي تؤكد الكاتبة على ضرورة تفعيلها هي استرجاع الكونغرس لسلطته لإصدار تشريعات، من شأنها أن تضمن الفهم والسيطرة على مكان نشر القوات الأمريكية؟ ومن يعملون معهم؟ وما إذا كانوا يشاركون في القتال؟ وضد من هذه الحروب؟

تختم كاثرين يون إبرايت تقريرها بالتأكيد على ضرورة عودة التوازن بين السلطة التنفيذية والتشريعية في الولايات المتحدة، مع الاهتمام برأي الشعب حول القضايا المصيرة مثل الحرب، حيث يجب على الكونغرس إلغاء أو إصلاح قواعده القديمة والمرهقة وقانون العمل السري. وأيضًا إلغاء أو إصلاح سلطات التعاون الأمني بوزارة الدفاع. والتأخر في تطبيق هذه النقاط،سيؤدي الى استمرار ” الأمة ” في حالة حرب – دون موافقة شعبها أو حتى معرفتهم في بعض الحالات.

عنوان التقرير: Secret War How the U.S. Uses Partnerships and Proxy Forces to Wage War Under the Radar

الكاتبة: Katherine Yon Ebright

المؤسسة الناشرة: Brennan Center for Justice

مصدر الصورة: AP.

موضوع ذا صلة: قوة إقليمية معطّلة: سياسة خارجية كلاسكية في عالم متغير.. تأملات نقدية في ضوء مقاربة “القوة الناعمة” (مراجعة دراسة)

شروق مستور

مدوّنة / حاصلة على درجة ماجستير في الدراسات الأمنية والاستراتيجية – الجزائر