سمر رضوان

كشفت محكمة لاهاي، المختصة بالنزاعات الدولية، عن وجود 263 حوضاً نهرياً متنازعاً عليه حول العالم، مع وجود 40 ألف سد كبير في جميع أنحاء العالم، مما سيتسبب في مواجهات بين المتنازعين. فكثيرة هي الأزمات الناتجة عن تنفيذ مشروعات السدود حول العالم، بداية من بناء سد أتاتورك في تركيا والخلافات الناتجة عنه مع كل من العراق وسوريا، مروراً بأزمات السدود والأنهار في آسيا، وصولًا إلى مياه نهر النيل والصراع الدائر بين مصر والسودان وإثيوبيا.

صراعات مائية

تستخدم بعض الدول ورقة السدود لتهديد جيرانها باللجوء إلى قطع مياه النهر المشترك، بما يؤثر على حصص المياه القليلة إلى الدول المشتركة. على سبيل المثال في سوريا، أدت السدود التي بنتها وتبنيها تركيا على نهر الفرات إلى تراجع حصة السوريين من مياه النهر إلى أقل من ربع الكمية المتفق عليها دولياً، وأبرز تلك السدود هو سد أتاتورك في محافظة أورفا التركية، والذي يعد أكبر سد في البلاد.

بالنسبة للعراق، لا يختلف الوضع كثيراً حيث ساهمت الأعمال التركية بتراجع مستوى نهر دجلة بشكل كبير عبر سد إليسو الضخم، الذي بنته تركيا على النهر وبدأ تشغيله مؤخراً، ما أدى إلى انخفاض حصة العراق من مياه النهر، وقد يصل التراجع إلى نسبة 60% بسبب تشغيل مولدات الكهرباء على هذا السد.

في هذا الشأن، أوضح الخبير المائي والجيوسياسي، عبد الله الأحمد، بأن تركيا “تستخدم الماء كأداة في الحرب ضد سوريا والعراق”، مضيفاً أن “الإتفاقيات الدولية تشدد على ضرورة الأخذ بعين الإعتبار حاجيات الدول من الماء وتحظر على تركيا، في هذه الحالة، اتخاذ أي إجراء من شأنه الإضرار بتلك الدول.”

من هنا، شهد نهر الفرات أزمة كبرى منذ مطلع الثمانينيات مع بدء تركيا تنفيذ مجموعة سدود عليه، وتصاعد التوتر بين بغداد وأنقرة عقب تشغيل الأخيرة لسد إليسو، الذي يعد جزءاً من مشروع جنوب شرق الأناضول المائي المعروف بإسم “غاب” والذي يشمل إنشاء 22 سداً، بينها 14 سداً على نهر الفرات وثمانية على دجلة.

خلافات قديمة

مع اشتراك السودان ومصر في المصلحة نهر النيل (الأولى كممر والثاني كممر ومصب)، لم تتمكن الدولتان من اتخاذ موقف صارم في مواجهة دولة المنبع، أي إثيوبيا، بل إن مياه النهر شكلت مصدر توتر بين تلك البلدان بسبب خلاف قديم على الحصص. وفي هذا المجال، يشير الكثير من المحللين الشرق أوسطيين دور إسرائيل في محاولات إشعال حرب مياه بين إثيوبيا ومصر والسيطرة على منابع النيل، هذا ما لم نأخذ بعين الإعتبار أيضاً مسألة “سد كاروما” الأوغندي وتأثيراته أيضاً.

اليوم، هناك صراع بارد في هذا الخصوص، فلقد بدأت إثيوبيا مشاريعها لبناء السدود على نهر النيل قبل أكثر من نصف قرن. وبحلول العام 2000، كانت بالفعل قد بنت أكثر من مئتي سد صغير على نهر النيل، لكن السد الأخير تحديداً، والذي بدأت إثيوبيا بالفعل في بنائه، هو الأضخم على الإطلاق في قارة أفريقيا ويهدد بإستثمار كم كبير من المياه التي تمر من إثيوبيا إلى مصر.

بالإضافة إلى حصص المياه، لدى القاهرة الكثير من المسائل التي تبعث على القلق لناحية السد، ومنها مسألة التأثيرات البيئية التي قد تطرأ بعد تشغيله، وقوة وصلابة السد، مسألة الإدارة المشتركة حيث يوجد توجس من قدرة إثيوبيا على إدارته، وغيرها من الأمور التقنية التفصيلية، وصولاً إلى مواضيع مدى ملئ السد وتوقيته، حيث تريد إثيوبيا ملأه ما بين 4 – 7 أعوام فيما تطالب مصر بأن لا تقل الفترة عن 10 سنوات، وأن يكون خلال فترة سقوط الأمطار وليس في موسم الشح. هنا، تشير بعض الصور من الأقمار الإصطناعية إلى أن أديس أبابا قد بدأت فعلاً بملىء السد قبل إستكمال المفاوضات.

إذاً، إن الجدل حول مياه نهر النيل، حواراً أو صراعاً، ممتد لأكثر على مدى قرن مضى. خلال تلك الفترة، حصلت مصر على امتيازات قوية للتحكم في أي مشاريع تهدد حصتها من المياه؛ لكن مع النمو السكاني والإقتصادي المتسارع، تعاملت إثيوبيا مع ملف مياه النيل كقضية حياة أو موت، والأمر نفسه بالنسبة إلى مصر، حيث بدأت أجواء التوتر السياسي في الظهور بين البلدين. لكن المشكلة التي تهدد هذا الصراع، وبقية الصراعات حول المياه في الوطن العربي، تكمن في أن المستقبل بات غير مضمون.

كوارث متوقعة

مؤخراً، قامت تركيا بإغلاق بوابات عبور مياه الفرات إلى سوريا ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه إلى حد كبير، الأمر الذي سينعكس سلباً على توليد الكهرباء من سد الفرات وتضرر القطاع الزراعي، ويسبب أزمة في توافر مياه الشرب، فضلاً عن أزمة الجفاف. وقبل ذلك، كانت هناك تحذيرات من “كارثة بيئية” أطلقتها إدارة “سد تشرين” السورية، ثاني أكبر السدود على نهر الفرات، حيث ذكرت في بيان لها أن الجانب التركي خفض الوارد المائي إلى “أقل من ربع الكمية المتفق عليها” وذلك تزامناً مع وصول استهلاك الري إلى الذروة، مضيفة أن ذلك سيترك آثاراً سلبية كبيرة على البيئة إذ “سينعكس مباشرة على الثروة البيئية والمنتجات الزراعية وبالتالي سيؤثر بشكل مباشر على اقتصاد المجتمع والأمن الغذائي العام للمواطن.”

لقد تزايدت الإتهامات لتركيا بإستخدام السدود والمياه سلاحاً في مشاركتها في الحروب التي تشهدها المنطقة، كما في سوريا والعراق، إضافة إلى ليبيا، وهي تضخ كميات المياه التي تنبع من أراضيها، عبر التحكم بها من خلال عدد من السدود.

فيما سد النهضة ليس أقل خطورة، فهو الآخر، يهدد الملايين بحرمانهم من مياه الشرب، فلقد حذر خبراء بمعهد ماساتشوستس الدولي للتكنولوجيا من الآثار السلبية لسد النهصة الإثيوبي وأكدوا في تقرير أن السد، الذي يعد واحداً من أكبر 12 سد على مستوى العالم، ستكون له تداعيات على دول المصب والتي تعتمد بشكل كبير على مياه النيل في الزراعة والصناعة والشرب.

نضوب مائي

في تقرير بعنوان “خمس خرائط تقول إن العالم مقبل على كارثة” صادر في العام 2019، تشير المعلومات فيه إلى أنه وبحلول العام 2040 ستواجه 33 دولة في العالم، منها 13 عربية، بسبب التغيرات المناخية، مخاطر الوقوع تحت الفقر المائي الشديد، بحيث تتعرض لفارق بين إمكاناتها المائية وحاجتها إلى المياه يصل إلى 80%.

فبحسب التقرير الصادر من البنك الدولي، إن أكثر من 140 مليون شخص حول العالم مهددون بالتحول إلى “مهاجري المناخ”، بسبب نقص المياه الشديد بسبب الجفاف وهشاشة المحاصيل، وسيستتبع ذلك إرتفاع مستوى البحر خاصة في مناطق أساسية وهي أفريقيا جنوب الصحراء، والهند ومحيطها، والمكسيك فما دون ذلك جنوباً، والقارة الأميركية الجنوبية بالكامل.

لكن هناك حلول ممكنة، كإستخراج المياه الجوفية بسهولة، وتحلية مياه البحر بصورة أكثر فاعلية، إلى جانب تطوير الدول من سياساتها وقد تجد سبلاً للتعاون. وهذا مرتبط بتدارك الوقت قبل فوات الأوان. فإذا لم تكن هناك مشكلة في تأمين مياه الشفا، إلا أن الكارثة هي في ذوبان الكتل الجليدية في القطين، الشمالي والجنوبي، وهو ما سيسبب إرتفاعاً في منسوب مياه البحار والمحيطيات، كما ذكرنا، بالإضافة إلى التأثير على مسألة إرتفاع حرارة الأرض وهو ما يعد كارثة حقيقية.

أخيراً، مهما كانت مشاريع السدود مفيدة فهي في نهاية المطاف ضارة على البيئة والإنسان على حد سواء، فإذا كانت الفيضانات تغرق المواطن التي كانت موجودة قبل بناء السدود، أضحت بعدما أُنشئها تغمر المياه مساحات واسعة من الأرض، الأمر الذي يثير الكثير من المخاوف. أيضاً، تثار التساؤلات عن مدى واقعية تحقيق المخاوف كونها تتعلق بسلامة البشرية، ورغم إيجابياتها وفوائدها بزيادة إمدادات المياه لأغراض الري أو من أجل تحسين جوانب معينة من البيئة، إلا إنها لا تخلو من المخاطر الكامنة أو الاثار السلبية.

*المدير التنفيذي في مركز سيتا.

مصدر الصور: ميدل إيست أونلاين – روسيا اليوم.

موضوع ذا صلة: المشرق والحروب المقبلة على المياه