خاص سيتا

حيدر مصطفى*

ما جرى في عدن، جنوبي اليمن في الآونة الأخيرة من اقتتال بين حلفاء الإمارات والسعودية، لا يمكن فصله عما يحصل في محافظة المهرة شرقي اليمن والمحاذية لسلطنة عمان، مع فارق الأهداف والمصالح. ففي المحافظة الشرقية، يبدو واضحاً أن السعودية بدأت تفعل فعلها لزج مسقط داخل رحى الحرب اليمنية التي لم تطالها خلال السنوات الثلاث الماضية من عمر “عاصفة الحزم” ولأهداف أبعد من الصراع على تقاسم النفوذ.

إن إدخال المهرة في أتون الحرب يعني أن نيرانها بدأت تطرق أبواب سلطنة عمان الغربية. هناك تتقاطع المصلحة الإماراتية – السعودية مجدداً في معاقبة السلطنة على دورها المخالف لتوجهات مجلس التعاون الخليجي، وليس لوضع حد لمنافذ التهريب بين سلطنة عمان وحركة أنصار كما تروج الرياض.

تظهر الوقائع أن السعودية شرعت بتنفيذ جملة من التحركات اللوجستية، كاستبدال محافظ المهرة، الموالي لخيار السلام والنأي بالنفس عن دائرة المعركة محمد عبد الله كدة، بآخر موالٍ لتوجهاتها، وهو راجح باكريت، في حين بدأت كل من السعودية والإمارات بتوزيع المنح على القبائل والمجاميع المسلحة لشراء الولاءات التي ستشكل أرضية للضغط على عُمان بحجة تهريب الأسلحة والمعونات لأنصار الله عبر منفذي “نشطون” و”صرفيت” على الحدود مع المهرة.

يبدو أن التحشيد العسكري لمجاميع قبائلية لم يكن مستغرباً، فالمؤشرات دلت على احتمالية توجه التحالف بقيادة السعودية نحو اتخاذ إجراءات مماثلة في تلك المنطقة، إذ نشر موقع “إنتلجنس أون لاين”، في سبتمبر/أيلول 2016، نشرة استخباراتية فرنسية جاء فيها أن جناحاً موالياً لإيران في مسقط، يسهل عملية تهريب السلاح من محافظة ظفار العُمانية إلى اليمن، بإشراف مباشر من وزير مكتب قصر السلطان، الجنرال سلطان بن محمد النعماني، وتَمرُ خطوط التهريب من المعابر العمانية إلى المهرة اليمنية ثم حضر موت ومنها إلى محافظة شبوة وصولاً إلى البيضاء وصعدة.

بالرغم من النفي العماني المتكرر لما اشيع عن إلقاء القبض على شحنات أسلحة كانت في طريقها إلى مقاتلي حركة أنصار الله قادمة من سلطنة عمان، إلا أن الاعتقاد السائد في السعودية أن عُمان متورطة في إيصال السلاح الإيراني إلى اليمن، والتحشيد العسكري على حدودها وتهديد أمنها من خلال ابعاد جماعات من داعش والقاعدة الى مقربة من أراضيها، يهدف الى معاقبة مسقط على جملة من الأدوار التاريخية التي لعبتها خلافاً للتوجهات الخليجية، ومنها:

– انسحاب مسقط من مشروع الوحدة النقدية الخليجية منذ 2006 لأسباب اقتصادية.

– رفض السلطنة تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية.

– إبقاء مسقط على سفيرها في قطر وعدم الانحياز إلى دول المقاطعة (الإمارات – البحرين – السعودية) في أزمتها مع الدوحة.

– الرفض العُماني للمشاركة في عملية “عاصفة الحزم” في اليمن، وعملها على دعم جهود التسوية والوساطة والحوار بين الأطراف اليمنية.

– إصرار عُمان على استمرار عمل سفارتها في صنعاء خلافاً لتوجهات الدول الخليجية.

– عدم انخراط عُمان في العداء الإيراني – الخليجي وتصريحات وزير خارجيتها، يوسف بن علوي، الرافضة والتي اثارت حفيظة الرياض.

– الرفض العُماني القاطع لفكرة الإتحاد الخليجي التي طرحها الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، في قمة الرياض عام 2011 وتهديدها بالانسحاب من المجلس إذا طبقت هذه الخطوة.

ومن جهة أخرى، قد يكون الهدف من خلق بؤرة توتر في تلك “الخاصرة” العمانية الغربية، هو تنفيذ لـ “أمر عمليات” امريكي من اجل حصار إيران اقتصادياً وتحجيم نفوذها الإقليمي بحسب استراتيجة الرئيس الامريكي دونالد ترامب التي أعلنها مطلع العام 2018.

من خلال مضايقة عُمان وتهديد أجزاء من أراضيها، ستجبر السلطنة على تقديم تنازلات في ملفات سياسية وسيادية أخرى، أو تقليص حجم الارتباط بينها وبين إيران، ما يضع مجموعة ضخمة من العراقيل أمام الطموح الإيراني – العماني لمضاعفة التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من مليار دولار، وأمام استمرارية العمل بالاتفاقية الإيرانية – العمانية التي تستورد من خلالها الأخيرة 10 مليارات متر مكعب من الغاز الإيراني سنوياً، كذلك إحباط الاستثمارات المشتركة في حقول الغاز، إضافة إلى إنهاء الحديث عن أن مسقط قد تكون موقعاً استراتيجياً للانطلاق الإيراني نحو أفريقيا وإمكانية أن تكون الموانئ العمانية منفذاً لتصدير النفط الإيراني، وبالتالي إحداث تأثير سلبي على الطموح الإيراني الاقتصادي.

ناهيك عن استمرارية حضور الاتهامات الإسرائيلية للإدارة الأمريكية السابقة بالسماح لطهران ومسقط بالتوصل إلى اتفاقية تسمح للاخيرة بتخزين المياه الثقيلة الفائضة عن حاجة إيران، وتتجاوز الكمية المسموح بها وفق الاتفاق النووي، والتي يمكن أن تستخدم في المفاعلات النووية لإنتاج البلوتونيوم، وهو ما يشكل هاجساً أمام إدارة الرئيس ترامب التي تسعى بشكل حثيث لإفشال الاتفاق النووي.

وإزاء هذا الواقع، يمكن القول ملياً إن سلطنة عمان في خطر، وأن احتمالية “طعنها” في ظهرها باتت قائمة مع اقترب حد الخطر من حدودها الغربية، فالدول التي قطعت علاقتها مع قطر قد لا تتوانى عن قطعها مع عُمان، مهما كان للخطوة من تداعيات سلبية ومخاطر قد تشكل عاملاً مهدداً لانهيار مجلس التعاون بشكل حتمي.

*اعلامي سوري

مصدر الصور: العربي الجديد – اتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي.