سمر رضوان*

اختيار المكان والزمان لتنفيذ الهجوم الكيماوي في الغوطة الشرقية مدروس جيداً. من حيث المكان، يبدو أن هناك تعمد في أن يكون الهجوم على امتداد خطوط المواجهة مع الجيش العربي السوري، وفي أمكنة مكتظة بالمدنيين من أجل إحداث أكبر عدد من الخسائر البشرية. أما من حيث المكان، فقد يكون قبيل تاريخ 13 مارس/آذار، 2018، والذي يصادف موعد انعقاد جلسة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

التحضيرات بدأت

بحسب المعلومات، دخلت قافلة مكونة من ثلاثة شاحنات إلى إدلب، في 20 فبراير/شباط، قادمة من تركيا تحمل مادة الكلور إلى مدينة إدلب، حيث أصبح من الجلي التعرف بوضوح على خط سيرها في ظل تواتر معلومات عن نقل إرهابيين من إدلب إلى القاعدة العسكرية الأمريكية في منطقة “التنف”، المرتبطة بالبادية السورية ليصار بعدها إلى إدخالهم إلى الغوطة الشرقية، وهذا ما يدل على أن عملية نقل مادة الكلور ستكون عبر هذا الطريق لاستكمال العملية، وهذا ما أكده المندوب السوري الدائم في مجلس الأمن بشار الجعفري.

هذه المعلومات أيضاً، أكدها طلال حوري، عضو مجلس الشعب السوري، الذي أشار إلى “أن هناك معلومات دقيقة عن دخول ثلاث شاحنات تحمل موادا كيماوية إلى الإرهابيين لاستخدامها في الحملة الإعلامية التي تستهدف سوريا ومحاولة إجهاض انتصارات الجيش السوري التي تحققت في محافظة إدلب عبر القرارات الدولية.”

مواقف دولية متقلبة

إن رفض المجتمع الدولي، متمثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية، القبول بفتح تحقيق دولي شفاف لتبيان الحقائق حول أحداث خان شيخون، التي كانت حجة للولايات المتحدة بإستهداف مطار “الشعيرات”، وبالتزامن مع الحديث عن وشك حدوث “هجوم كيماوي” في الغوطة الشرقية يؤكد مجدداً بما لا يقبل الشك وجود علاقة مباشرة بين “الوكيل” و”الأصيل”، وتورط جهات دولية كبرى، داعمة للإرهاب في المنطقة، بتقديم كل التسهيلات العسكرية والسياسية اللازمة للتنظيمات الإرهابية المسلحة في سوريا.

لم يعد سراً امتلاك تلك التنظيمات والفصائل الإرهابية للأسلحة الكيماوية، لا سيما الكلور الموجود في محطات تحلية المياه التي سبق لبعض الفصائل المسلحة الحصول عليها منها أم حتى في كل بيت، إضافة إلى تلك التي حصلت عليها من الخارج، حيث تم نقلها من ليبيا فتركيا وصولاً إلى سوريا.

لم يحرك المجتمع الدولي ساكناً بالرغم من إخطار الحكومة السورية مجلس الأمن مراراً وتكراراً، وهو ما يفسر، وقد يؤكد، “علاقة الشراكة المتينة” ما بين بعض أعضائه والإرهابيين، حيث اصاب مندوب سوريا في مجلس الأمن، الدكتور بشار الجعفري، حين قال “نداءات الشعب السوري لا تصل لمندوبي واشنطن ولندن وباريس بينما تصلهم نداءات الإرهابيين.”

خطوة روسية “استباقية”

من الواضح أن روسيا لا تعول، كثيراً، على القرار 2401 بشأن الهدنة في الغوطة الشرقية على الرغم من الجهود المبذولة لوضع الأزمة السورية على سكة الحل السياسي، دون إغفال متابعتها للفصائل المتشددة والمعتدلة على حد سواء ومدى جديتهم في الالتزام والذي توضح في الأيام الأخيرة من خلال خرقهم للهدنة وللقرار.

لتفادي أية مبررات دولية، أوعز الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين وبالتنسيق مع القيادة السورية، بإيقاف القتال لعدة ساعات في اليوم بهدف إخراج المدنيين المحتجزين في الغوطة الشرقية من خلال عدة “معابر إنسانية” ستساعد على التخفيف من معاناة العائلات والمدنيين المحتجزين منذ سنوات.

غير أنه وبمتابعة بسيطة لمجريات الأحداث، يمكن الملاحظة بأن الجماعات المسلحة تقوم بإستهداف المعابر لمنع خروج المدنيين، بل وأكثر من ذلك وهو احتجازهم كـ “دروع بشرية” من أجل إطالة فترة الحرب والضغط إلى الحكومة السورية من أجل تحقيق مطالبهم بعدما خسرت المعارضة السورية الكثير من الأوراق للعب بها في أية تسوية سياسية مقبلة، سواء “جنيف” أو “سوتشي”. من هنا، يمكن التنؤ بأن هذه الخطوة قد تكون مقدمة لاستعمال تلك المجموعات المسلحة للأسلحة الكيماوية، وقتل الكثير من المدنيين في حال اشتد عليها الخناق، واتهام دمشق على الرغم من أن كبار المسؤولين الروس، ومنذ أيام قليلة، أعلنوا صراحة تفكيك وتدمير منظومة الأسلحة الكيماوية السورية بالكامل.

إن الحراك الروسي يهدف إلى “إسقاط الذرائع” كون موسكو لا تخفي قلقها من الحملة الإعلامية الممنهجة ضد القوات السورية، عبر اتهامها بارتكاب جرائم ضد إنسانية في الغوطة الشرقية، بالرغم من إعلان وزارة الدفاع، في 25 فبراير/شباط 2018، أن الفصائل المسلحة المحاصرة تخطط لاستخدام الكيماوي واتهام الحكومة بذلك.

واشنطن وإفشال الحلول السياسية

لا تزال الولايات المتحدة، بالتحديد مع كل من فرنسا وبريطانيا، تجنح نحو إدانة سوريا في استخدام الأسلحة الكيماوية بأي طريقة من أجل إفشال أي حل سياسي مستقبلي بشروط لا توافق عليها واشنطن، اذ كان لافتاً تصريح المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية، هيذر ناورت، حيث قالت “إنّ الهدف من وراء المراهنة على الغوطة الشرقية تثبت فشل مسار آستانا”، وهو ما يكشف بوضوح نية واشنطن المبيتة من أجل افشال العملية السياسية والعودة إلى المربع الأول ألا وهو “مسار جنيف” برعاية المبعوث الأممي استيفان دي ميستورا.

إلى ذلك، خرجت المتحدثة بإسم وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، دانا وايت، بالقول “إننا لا نملك أي دليل حتى الآن على استخدام الأسد أسلحة كيميائية.” هل يعني ذلك اقتراب موعد تنفيذ الهجمات الكيماوية وخلق الذريعة المناسبة لاتهام الدولة السورية، كما حدث في العراق وليبيا، لا سيما مع موقف فرنسي بضرب دمشق حال ثبوت قيامها بإستخدام الأسلحة الكيماوية؟ أم اأهم أيقنوا فعلاً بأن لا وجود لهذا النوع من الأسلحة؟ الجواب رهن بالوقت.

فعالية السلاح السوري

بعد إسقاط سلاح الجو السوري طائرة الأف 16 الإسرائيلية، تغيرت قواعد الاشتباكات على كافة الأصعدة، فبات أمر التلويح بحربٍ شاملة، أو حتى نصف شاملة، أمراً شبه مستحيل في ظل تنامي القدرات الدفاعية للقوات النظامية والحلفاء، مع إصرار سوري على استعادة كافة أراضي المحتلة والقضاء على الإرهاب. إضافة إلى ذلك، أتى خطاب الرئيس فلاديمير بوتين كوقع “الصدمة” على الغرب لا سيما في جزئية أن استهداف الحلفاء سيعتبر استهدافاً لموسكو، إذ يترتب على ذلك نتائج جد مهمة من إعلاء سقف المواجهة، حيث أنه من الواضح اقتناع روسيا بأن الغرب لا يفهم لغة الشراكة، بل سياسية القوة.

من هنا، لم يعد أمام “محور واشنطن” إلا التثبيت على نقل الصراع إلى مجلس الأمن واستصدار قرار سياسي يوازي في ثقله الحرب الشاملة وينقذ الحلف من فضائح بالجملة، بحيث “تستغل” وقوع بعض الأحداث الميدانية، والتي قد تكون مصطنعة أو مفبركة، لإحراج روسيا وحلفائها. وفي حال عدم القدرة على استصدار قرار من مجلس الأمن، سيكون تصرفها مبرراً على الصعيد الدولي.

على ما يبدو أن هذه الفصائل المسلحة، مجتمعة، تنتظر ساعة الصفر من قبل كل من الولايات المتحدة، وحلفائها، لتنفذ هجماتها الكيماوية. لذلك، يجب على سوريا الاستعداد لهذا السيناريو بكافة الوسائل، والعمل على الإسراع في إنهاء ملف الغوطة الشرقية كي تستطيع التفرغ للمواجهة الكبرى المنتظرة في شرق الفرات.

*المديرة التنفيذية لمركز “سيتا”

مصدر الصور: الميادين – العربي الجديد.