حوار: سمر رضوان
في ظل تمديد العقوبات الأمريكية على روسيا، وتردي الأوضاع في أوكرانيا، وتسخين الداخل السوري، برزت كلمة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التي أحدثت نوعاً من “الصدمة” لا سيما بعد حديثه عن الاوضاع الدولية، والكشف عن أسلحة متطورة تستطيع “ربح أي حرب” تخوضها روسيا مستقبلاً.
يبدو أن “السقف المرتفع” لكلمة الرئيس بوتين جاء في ظل خوف روسي، من مخطط قديم – جديد يستهدف المنطقة وفي المقام الأول روسيا، لا سيما بعد التقدم الهائل والكبير على مختلف الأصعدة التي أحرزتها موسكو، مما جعلها “خطراً” على الأمن القومي الأمريكي وتهديداً لمصالحه، بحسب وجهة نظر واشنطن، مما يستدعي تحجيمها، وإذا اقتضى الأمر “تأديبها”.
حول كلمة الرئيس بوتين ومنحنيات الصراع الروسي – الأمريكي وتقاطعاته مع الصراع في الشرق الأوسط، يوضح الدكتور نواف إبراهيم، الإعلامي والكاتب السياسي ونائب مدير معهد قضايا الأمن والتنمية المستدامة في موسكو، لمركز “سيتا” الكثير من خفايا المواضيع التي تم طرحها وخلفياتها وأبعادها.
قطع الطريق على الغرب
بعد سبع سنوات من الحرب على سوريا والتي كانت بالأساس مدخلاً للحرب على روسيا، قطع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الطريق على الضغوط الخارجية والداخلية التي كانت تطالبه بتحديد استراتيجيته وسياسته الخارجية تحديداً تجاه الوضع في سوريا، حيث تم وضعه تحت خيارات صعبه عليه أن يقررها فوراً بعد الانتخابات؛ إما أن يبقى في سوريا وبالتالي عليه ايجاد تفسير لشرح كيف ولماذا وعلى أي أساس وما هي الفائدة من بقاء روسيا في سوريا، وإما الخروج من سوريا بشكل كامل تاركاً وراءه كل شيء كي يتوجه نحو إعادة إحياء العلاقة مع دول الغرب، الولايات المتحدة تحديداً، وهذا امر مستبعد مرده الى حالة “عدم الثقة” التي تخيم على تفكير الرئيس بوتين وفريقه الذي يعلم تماماً أنه لا مجال لـ “الصلح” مع الولايات المتحدة ودول الغرب انطلاقاً من “مكرهم” التاريخي، خاصة مع شعور النقمة لدى القوميين الروس لجهة تدمير الاتحاد السوفياتي وهذا ما عبر عنه الرئيس بوتين بقوله “ان أسوأ ما مرت به روسيا هو انهيار الاتحاد السوفياتي”.
في خطابه، لم يقدم الرئيس بوتين استعراضاً عسكرياً بالمعنى الحقيقي خصوصاً بعد ما قدمه الجيش الروسي في العام الماضي (2017) من عرض عسكري في الساحة الحمراء ضمن فعاليات ذكرى “الحرب الوطنية العظمى”، واثبات جدارة الجيش وفعالية السلاح الروسي خلال الفترة التي أمضاها في مواجهة الإرهاب في سوريا على مدار العامين الماضيين. لقد وضع الرئيس بوتين الجميع أمام حقيقة مهمة قلبت موازين التفكير بحيث استطاعت روسيا الحفاظ على سرية عملها العسكري بحيث لم تستطع أجهزة الاستخبارات الغربية الكشف عن هذه الصواريح الا خلال المؤتمر الصحفي، وذلك بعدما اعتقدوا بأن روسيا قد استهلكت قواها العسكرية والاقتصادية في الحرب السورية مضافاً إليها الحصار المفروض من قبل الولايات المتحدة وبعض حلفائها الأوروبيين.
لقد حولت روسيا الحصار بالفعل إلى فرصة لتدعيم الاحتياط من العملة الصعبة، والحفاظ على الاستثمارات الخارجية من خلال سعر الصرف الروبل الذي “أسال لعاب” المستثمرين، الأجانب مع كثير من التسهيلات مقابل سعر الدولار. فبدلاً من هروب هذه الشركات، زادت ريعها في السوق الروسي وهو الامر الذي انعكس على تثبيت الناتج المحلي، مع استقرار في أسعار المواد الأساسية، وتدعيم عمليات “البزنس” الروسي، ودعم المشاريع والصناعات المتوسطة، وهو ما ردع هروب الرأسمال الروسي إلى الخارج.
مخطط التقسيم ورد موسكو
إن ملخص المخطط الذي كان لمنطقة الشرق الأوسط هو تدمير دولها إلى دويلات وأمارات متناحرة وكانت المهمة قد أوكلت إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي فشل فيها تماماً. في حقيقة الأمر، ان ما اعطى الضوء الاخضر لتركيا كي تدمر سوريا وتقسمها إلى دويلات وإمارات متناحرة، هو نفسه من يخطط لتدمير إيران، ومن ثم الوصول إلى دول القوقاز المحيطة بروسيا لإشغالها من اجل إزاحتها من اللعبة الدولية وفق استراتيجية توسيع مساحة التقاسمات الجيوسياسية والاقتصادية الجديدة.
لقد استطاع الرئيس بوتين وقف الحرب بشكلها الإقليمي والدولي حيث منع التفكير بأي اعتداء على إيران وسوريا من قبل إسرائيل، حيث استطاعت موسكو تدعيم أهدافها الجيوسياسية والاستراتيجية العسكرية على الساحتين الإقليمية والدولية، وتعزيز دورها بقوة في كافة الملفات القائمة حالياً والتي تريد الولايات المتحدة اثبات عكسها بناء على نظرية أنها الوحيدة القادرة على فرض الهيمنة وأنها القطب الوحيد في العالم، اذ لا تزال واشنطن تستنكف عن الاعتراف بتغير موازين القوى الدولية او على الأقل التأقلم معه في ظل تسارع الأحداث التي تفتعلها في كل مكان لتجد روسيا في وجهها سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً وحتى عسكرياً مدعومة بحق النقض “الفيتو” الذي بات يشكل هاجس الرعب للولايات المتحدة حتى إذا ما رمت التحية على روسيا في أي ملتقى دولي أو غير ذلك في ساحات المواجهات.
هناك متلازمة غير قابلة للنقاش تم تثبيتها وهي أن روسيا وحلفائها يعلمون تماماً أن الولايات المتحدة لن تقبل بالخسارة، ولكن بنفس الوقت هم لن يقبلوا بإنتصارها لو كلف ذلك الوصول إلى ما بعد الخطوط الحمراء التي يتم فيها استخدام السلاح النووي. لقد طفح كيل “عنجهيتكم”، فالصمت الروسي لا يجب تفسيره على انه عجز او نقص في القدرات، إنما لأنها تريد السلام للجميع؛ فإما أن يكون هذا السلام للجميع، وأما لن يكون لأحد. المقصود هنا بالدرجة الأولى الولايات المتحدة التي تعيش بسلام في الوقت الذي تشعل فيه كل هذه الحروب.
العولمة على “الطريقة” الشرقية
لا بد هنا من الإشارة، وبشكل مختصر، إلى موضوع العولمة، ونظريات صموئيل هنتغتون، والعالم بلا حدود.. إلخ. نعم، لقد طبقت روسيا وحلفائها هذه المعادلة ولكن على طريقتهم هم وليس على الطريقة الأمريكية. بالنسبة لدول المشرق، كان هذا الفكر موجوداً لدى العديد من القادة العرب، كالرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، لكن العوائق الجغرافية والاختلاف في السياسات والتبعية والتباعد الجغرافي لدول المنطقة التي تربطها نفس الهواجس منع تحقيق ذلك، لكنه بدأ بالتشكل واصبح اليوم امراً واقعاً.
هنا يمكن استذكار المعادلة الإقليمية التي رسمها الرئيس الأسد الأب، والتي لم تتحقق بسبب عوامل كثيرة، ومنها موقفه من الحرب الإيرانية – العراقية في ثمانينيات القرن الماضي وهو ما يدل على بعد نظره في ذلك الحين. اليوم، توسعت هذه المعادلة لا بل لم تقف عند حدود إيران وحزب الله وبغداد بل امتدت إلى روسيا ودول “البريكس” و”شنغهاي”، ومن المرشح ان تزداد مع مرور الوقت. هنا تصل بنا النقطة إلى تطوير الفكرة التي تقدم بها الرئيس بشار الأسد وهي نظرية “البحار الخمس” وربط دولها في حلقة من المصالح على ضوء المخزون الاقتصادي والطبيعي الهائل الذي تكتنزه بواطن أراضي هذه المنطقة ومياهها الإقليمية.
إن الوضع الدولي اليوم يمر بأدق مراحله، اذ يخطئ من يستبعد وقوع مواجهة وتصادم عسكري إقليمي – دولي، وفي المقابل من يرى أن هذه المواجهة يمكن أن تقع يكون قد استبعد “وهن” الولايات المتحدة وحلفائها.
يخطء من يظن بأن هناك توافق روسي – دولي في المنطقة، والا لماذا اعلن الرئيس بوتين الجهوزية للحرب كما هي الجهوزية بنفس الوقت لإحلال السلام؟ ان موضوع الغوطة الشرقية هي نقطة الحرب والسلم والأيام القادمة أو الأشهر القادمة، وعلى أقل تقدير ستكون هذه الفترة الأكثر خطورة وسخونة اذ قد يعجز “الصقيع” الروسي إطفاء نارها، أو على الأقل تبريدها ما قد يذهب بالعالم إلى المواجهة المحتومة.
آخر “قلاع” أمريكا
بعد فشل الأمم المتحدة ومجلس الأمن والبنك الدولي، تبقى أمام واشنطن قلعة أخيرة هي محكمة الجنايات الدولية لمحاسبة سوريا وقياداتها على انتهاكات حقوق الإنسان والتي ستفشل كما فشلت غيرها من المحاولات، لتكون نقطة البداية فعلياً لانطلاق عالم جديد متعدد الأقطاب يبنى على أعمدة عالم القطب الواحد الذي لم يعد يقوى على تحمُّل “الغباء” الأمريكي وبرغاماتيته التي لم تعد تتناسب مع متغيرات العصر الحديث خصوصاً بعد تداعيات الحرب السورية الى النظام الدولي، اذ ان “الدب” لن ينام بعد اليوم. من هنا، ستحدد سوريا، وحلفائها، مصير العالم.
مصدر الصور: روسيا اليوم – الخليج اونلاين