إبراهيم شير*

قبل خمس سنوات من الآن، كان الجميع في سوريا يسمع بأن هناك مسؤول أمني كبير إسمه علي مملوك، ولكن ما هي صورته وما الأمور التي يديرها؟ لا أحد يعلم. ففي بداية العام 2014، ورد خبر بأن فرنسا فتحت قنوات إتصال مع رئيس مكتب الأمن الوطني، اللواء علي مملوك، بهدف الحصول على معلومات عن الإرهابيين الفرنسيين الذين يقاتلون في سوريا. وبعدها بعام واحد، ورد خبر بأن اللواء مملوك سافر إلى السعودية والتقى هناك بولي عهدها، الأمير محمد بن سلمان. وبسبب عدم معرفة الإعلام بصورة اللواء مملوك، طُلب مني وقتها أن أقوم بتحرير الخبر من أجل نشر الأخبار؛ وأنا أقوم بإعداده، لم أعثر على صورة واحدة له حيث إنتشرت له الكثير من الصور لكن جميعها ليست له وهذا ما يعد دليلاً مهماً على غموض شخصية هذا الرجل.

بعد العام 2015، بدأنا نشاهد اللواء مملوك أكثر خصوصاً في كل إجتماع مهم للرئيس السوري، بشار الأسد، حيث يكون بجانبه. وبدأت تنتشر أخباره أكثر وأكثر، ولكن ما يميزها أن أخبار سفره كانت أكثر من إقامته في سوري؛ فتارة نراه في السعودية وبعد أيام في مصر أو في الإمارات أو سلطنة عمان وحتى في أوروبا حيث أنه، بحسب المعلومات، زار إيطاليا قبل عام من الآن بالرغم من العقوبات الغربية عليه. والسؤال هنا: كم هي حاجة الأوروبيين إليه حتى تغاضوا عن العقوبات وإستقبلوه؟

إن أكثر الملفات حساسية هي بيد اللواء مملوك، مثل العلاقات السورية – الأوروبية والعلاقات مع الدول العربية، وحتى العلاقة مع المليشيات الكردية أو العشائر العربية في المنطقة الشرقية لسوريا. قبل أيام، كان في زيارة إلى القامشلي، بمحافظة الحسكة، وإلتقى بقادة العشائر العربية، وقبلها ذهب إلى المنطقة والتقى بقادة المليشيات الكردية.

أية خطوة سياسية، سواء من طرف الدولة السورية أو نحوها، يجب أن تمر عبر اللواء مملوك، الذي بات “بيرومتر” العلاقات السورية مع الخارج وفي الداخل، وسفراته الكثيرة للدول العربية، وعلى رأسها مصر والسعودية، كوَّنت له علاقات وصداقات مهمة ساهمت في كسر الجمود نحو دمشق، وحلحلة بعض الملفات العالقة؛ لذلك، بدأنا نسمع أن الرياض سوف تعيد فتح سفارتها في سوريا، كما فعلت الإمارات قبلاً.

إن مهمة اللواء علي مملوك ليست بالسهلة أبداً حيث أنها بدأت بعد تحقيق الجيش السوري للإنتصارات الميدانية، في العام 2015، وبعد التضحية الكبيرة التي قدمتها دمشق في هذه الحرب من أجل الحفاظ على الركائز الأساسية للبلاد وعلى رأسها إستقلالية القرار السوري ورفض أي تدخل، غربي أو عربي، في شؤونها الخاصة. كل تلك الأمور، تجعل من مهمة اللواء مملوك صعبة لأنه سيفاوض على العديد من الصعد، الأمنية والسياسية وحتى العسكرية، مع جميع الدول التي سيلتقي بمسؤوليها، خصوصاً وأن الملفات التي بحوزته تهم الجميع، سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا أو حتى للدول العربية.

هذه الملفات كثيرة، ولكن يبقى أهمها على الإطلاق ملف الإرهابيين الأجانب، وإرتباطات هؤلاء بخلاية نائمة في أوروبا، وهو ما يجعل الغرب بحاجة إلى دمشق بشكل أكثر عن الماضي، إضافة إلى ملف التعامل مع تلك التنظيمات الإرهابية وطريقة تفكيكها، عسكرياً ولوجستياً وفكرياً، بعد الخبرة الكبيرة التي تمتعت فيها سوريا في هذا المجال، منذ العام 2011 وحتى الآن.

من هنا، يعتبر اللواء مملوك رجل المهمات الصعبة أو المستحيلة، فأي تقارب سياسي نحو دمشق سيسبقه حتماً زيارة لهذا الرجل مع الجانب الذي يريد التقرب إلى دمشق. فإما أن يكون التقارب بناء على شروط سوريا، أو لا تقارب. وأكبر دليل على ذلك فرنسا التي حاولت، ولا تزال تحاول، التقارب مع دمشق وفتح قنوات تواصل معها، إلا أنها لا تزال على قائمة الإنتظار لأن باريس لم تلبي بعد المطالب جميعها.

يبدو أن رجال الظل في الدولة السورية هم من أهم أعمدة الإنتصار فيها، واللواء علي مملوك مثال على هؤلاء الرجال الذين كان لهم دور قبل الحرب ودور مختلف أثنائها، وأدوار بعدها، ليكونوا كالوزير على رقعة الشطرنج، فحركته في جميع الإتجاهات إما أن تُسقط المملكة أو تجعلها تصمد حتى النصر.

*كاتب واعلامي سوري

مصدر الصور: العربية.

موضوع ذو صلة: ِأبعاد زيارة الرئيس بشار الأسد إلى سوتشي