أمجد إسماعيل الآغا*

مع بداية الحرب المفروضة على سوريا، سارعت العديد من القوى الإقليمية والدولية للدخول إلى الميدان، حيث تدخلت روسيا وإيران إلى جانب الدولة السورية، فيما تدخلت الولايات المتحدة وتركيا وبعض دول الخليج إلى جانب الفصائل الإرهابية في السر والعلن. على وجه التحديد فقد كان لأنقرة الدور الأبرز والأقوى الذي أدى إلى تضخم الأزمة في سوريا وذلك عبر فتح الحدود المشتركة أما المئات بل آلاف الإرهابين، فضلاً عن توحيد عملياتهم ضمن “غرف عمليات” تديرها المخابرات التركية حتى وصلت الحرب على سوريا إلى نقطة ظن البعض أنها ستكون بداية إسقاط “سوريا الدولة” والدور الإقليمي المؤثر.

لكن حسابات الدول صاحبة العدوان على سوريا لم تكن صائبة. بل أكثر من ذلك، فقد اصطدمت مشارعهم وخططهم بصمود مؤسسات الدولة وجيشها. وضمن مُعطى الصمود السوري، عملت روسيا وإيران على اتخاذ خطوات مهمة بالإعتماد على ما حققه الجيش السوري، خلال السنوات الأولى من بداية الحرب، وهنا يمكننا أن نذكر الكثير من النقاط المفصلية التي شكلت نقطة تحول في مسار الحرب. ولكن، قد لا يُسعفنا هذا المقال على ذكر معظمها، لكن بالمجمل فقد تمكنت الدولة السورية وحلفاؤها من استعادة غالبية مناطق الجغرافية، فضلاً عن توجيه ضربات كسرت ظهر الإرهاب ومموليه. في موازاة ذلك، كانت الجهود الدبلوماسية تسير بوترة متوازية مع العمليات العسكرية للوصول إلى حل سلمي يعتمد أساساً على رؤية المنتصر للحل، والمنتصر هنا هي الدولة السورية، وبالتالي لا بد من فرض أُسس الحل السياسي بتوقيت دمشق، شاء من شاء وأبى من أبى.

توالي الخطوات الديبلوماسية

في نظرة دقيقة إلى الخطوات الديبلوماسية التي سعت إليها الدول الضامنة، روسيا وإيران وتركيا، نجد أن مسار “جنيف” في نسخه المتعددة لم يحقق صيغة توافقية للبدء بالحل السياسي، نظراً للتدخلات الأمريكية الرامية أصلاً إلى إطالة أمد الحرب، بالإضافة إلى التحكم الأمريكي والتركي والخليجي بالمنصات المعارضة التي كانت ولا زالت بعيدة عن مفهوم العمل السياسي لأسباب كثيرة يطول شرحها. أما منصة “أستانا” فقد نجحت في فرض مناطق “خفض التصعيد” التي كانت خطوة تكتيكية بأسس استراتيجية.

من هنا، يمكننا القول بأن وقف الأعمال القتالية، الذي فرضته روسيا وبإشراف مباشر من دمشق، قد حقق غايته التكتيكية لجهة إحداث حالات اقتتال بين الفصائل الإرهابية وتعميق الانقسام بينها كَون هذا الاتفاق لا يشمل كل من تنظمي “جبهة النصرة” و”داعش” الإرهابيين. في الجانب الأخر من هذا الاتفاق، نجد أنه أعطى مساحة للجيش السوري في التحرك لجهة فتح جبهات جديدة وتوجيه الزخم العسكري والقوة القتالية نحو مناطق استراتيجية وتحريرها من الإرهاب وفق معطيات ميدانية واستراتيجية مُدرجة ضمن خطة مُحكمة وضعتها دمشق لإدارة مسارات الحرب على سوريا.

أما بالنسبة إلى مؤتمر “سوتشي”، فقد أريد منه أن يكون جامعاً للسوريين ليكون منطلقاً لتوحيد الرؤى بغية التوصل لخارطة طريق سوريّة – سوريّة وبعيدة عن الإملاءات الخارجية، هذا من جانب. من جانب آخر، يشكل “سوتشي” دليلاً واضحاً على جدية الدولة السورية في المضي بطريق الحل السياسي مع من يريد بناء الدولة وليس من يريد تنفيذ أجندات أعدائها. فبعد سنوات الحرب وما قدمه الجيش والشعب السوري في مواجهة الإرهاب، لا يمكن القبول بأنصاف الحلول، ولا بد أن يكون حلاً سورياً خالصاً مبنياً على أساس السيادة والاستقلال، متناسباً مع القرار السيادي الذاتي. إن الدولة السورية وقائدها منفتحون على كافة الحلول والأطراف، فمن يريد الحل السوري المتناسب مع تطلعات الشعب فليكن، وإلا سيستمر اجتثاث الإرهاب منها.

الحرب على سوريا.. بين المؤتمرات والتصريحات والميدان العسكري

لا شك بأن نتائج المنجزات الميدانية التي حققها الجيش السوري قد أرخت بظلالها على طبيعة التعاطي مع المسار السياسي المترافق مع الحرب، وبالتالي يمكننا القول بأن هذه المنجزات لها وقع خاص على أي مسار يُنتجه أي مؤتمر منعقد في سبيل إيجاد حل للأزمة.

في السياسة، هناك العديد من العوامل التي تؤدي بطبيعة الحال إلى التعاطي بجدية مع أي خارطة طريق سياسية، وبالتالي فإن الحل السياسي يكون مرتبط مباشرة بما ينتجه الميدان. وعيله، لا يمكن فصل الحل السياسي عن العسكري، فمن يمتلك الميدان تكون له الأفضلية في فرض الوقائع السياسية. وهنا من المعروف بأن الدولة السورية، ونتيجة لإستراتيجية مُحكَمة، باتت اليوم أقوى من كافة الأطراف المدعومة خليجياً وأمريكيا وإسرائيليا وتركياً. لهذا، فإن ما يسمى بـ “المعارضة”، التي تنفذ اجندات تلك الدول، لا تملك أي ورقة ضغط سياسي ولا يمكنها فرض أبسط الشروط، فهي وداعموها يعتبرون “الحلقة الأضعف” خاصة أنها لا تؤمن بالحوار لكنها مضطرة للمشاركة بالحل السياسي بعد أن خسرت الميدان ومميزاته.

ضمن هذه الصورة نصل إلى طهران، التي استضافت قمة جمعت رؤساء روسيا وإيران وتركيا هي قمة تحمل ملفاً وحيداً عنوانه العريض “إدلب وأفق الحل السياسي”. وبين التصريحات المتفائلة بإيجاد حل وتلك التي تهدد وتتوعد تحت ذريعة الحفاظ على حياة المدنيين العالقين أصلاً بين براثن الفصائل الإرهابية المدعومة من واشنطن وحلفاؤها الإقليميين، نجد أن هذه القمة ستحقق بلا شك تقدماً بشأن التفاهم على مستقبل إدلب، فالبعض ذهب إلى فرضية التسوية من خلال الاتفاقيات وبعيداً عن الحل العسكري، وهي فرضة بُنيت على قاعدة أن تقوم تركيا بإخلاء إدلب من أدواتها الإرهابية لتتجنب بذلك العمل العسكري السوري القادم بقوة “لا ريب فيها”.

ضمن هذه الصورة، تكررت التصريحات الأمريكية بشأن التحذير من “المعركة القادمة”، وبالتنسيق مع واشنطن هذا هو المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، يدلي بتصريحات تعكس التخبط الأمريكي والغربي حيث قال “إن كلاً من الحكومة والفصائل المسلحة يملكون القدرة على استخدام أسلحة كيميائية”. لن ندخل في تفاصيل تصريح دي ميستورا لأن وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، تدارك الموقف وقال إنه “لا توجد لدينا أية معلومات استخبارية تشير إلى أن المعارضة لديها أية قدرات كيميائية”، وهو ما يشير صراحة إلى أن واشنطن ستحمل الحكومة مسؤولية أي هجوم كيميائي مفترض في إدلب، خلال المعارك المرتقبة.

بين “النتائج” و”التوقعات”

ضمن منطق الوقائع الذي فرضته التحالفات الجديدة كمسار طبيعي للتطورات التي أنتجتها الحرب على سوريا، علينا أن نقارب قمة طهران بعيداً عن الوقائع السياسية والميدانية. فعلى ما يبدو، أن هذه القمة جاءت تعزيزاً للروابط الاقتصادية بين الدول الثلاث، ليتم بدوره الاتفاق سياسياً وميدانياً على حسم الكثير من الملفات المتعلقة بالشأن السوري لأن منطق التطورات يفرض علينا أن نبحث في محرك العلاقات بين الدول ألآ وهو الجانب الاقتصادي الذي يقارب الواقع أكثر.

من هنا، نجد أن التوجهات الجديدة للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان ونتيجة علاقاته الاقتصادية المتوترة مع الولايات المتحدة، لن تسمح له بفك الارتباط مع الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والإيراني، حسن روحاني، “إقتصادياً” الأمر الذي سينعكس على التفاهمات السياسية والميدانية فيما يخص إدلب، هذا من ناحية. من ناحية أخرى، يفترض أن تركيا، نظراً لتأثيرها المباشر بتكوين وطبيعة الفصائل الإرهابية في إدلب، ستكون جزءاً من الحل وضلعاً ثالثاً في معادلة الخطة التي وضعت لإقفال هذا الملف. وعليه، إن الحلف الاقتصادي الثلاثي، الروسي – الإيراني – التركي ، سيشكل مخرجاً للدول الثلاث من العقوبات الأمريكية المفروضة عليهم، وبالتالي فإن “قمة طهران” ستكون نقطة البداية لبدء معركة إدلب. وعلى الرغم من المواقف الضبابية التي تلت القمة، فإن تركيا ستكون إلى جانب الدولة السورية وحلفاؤها لإنهاء التواجد الإرهابي في هذه المنطقة.

في النتيجة

القرار النهائي بشأن إدلب أتُخذ خاصة وأن الدولة السورية وجيشها قد حسما موازين القوى في الميدان، وباتت كل المؤشرات والمعطيات تصب في صالحهما. استراتيجياً، بات التفوق السياسي والعسكري الذي حققه محور حلفاء سوريا يضاهي نظيره الأمريكي، ما سيضطر واشنطن إلى ابتلاع هزيمتها والتغاضي على معركة إدلب دون إغفال “المسرحيات المفتعلة” أمريكياً والتي ستتمحور حول هدف واحد ألا وهو تأخير الانتصار السوري في إدلب. فربع الساعة الأخير الذي لا زالت تناور أمريكا بمداه، بات في ثوانيه الأخيرة والنتيجة حُسمت سورياً.

*كاتب وإعلامي سوري.

مصدر الصورة: موقع ميدل إيست اونلاين.