د. عبدالله الأشعل* 

الأمريكيون مولعون بإطلاق الخط السياسي للرئيس الأمريكي أحياناً، ويوصف بالمذهب السياسي – Doctrine. فلقد كان الرئيس هنري ترومان مذهب وهو “مواجهة المد الشيوعي”، بداية الحرب الباردة، تولى بلورته عدد من المنظرين الأمريكيين أشهرهم أستاذ العلوم السياسية أرسله ترومان سفيراً للولايات المتحدة بموسكو.

أما مذهب الرئيس دوايت أيزنهاور فإرتكز على مبدأ إحتضان واشنطن لأوروبا من أجل التصدي للشيوعية خاصة وأن عدداً من الدول الأوروبية كانت تزدهر فيها الأحزاب الشيوعية، فأراد الحفاظ على التقليد الذي وضعه الرئيس ترومان وهو “الستار الحديدي”.

وفي إطار هذا المذهب، طلب الرئيس أيزنهاور من بريطانيا وفرنسا، خلال أزمة السويس 1965، عدم تعريض السلام الأمريكي في المنطقة للخطر، لكن الكاتب المصري الراحل، محمد حسنين هيكل، فسر الموقف الأمريكي هذا بأنه إعجاب الرئيس الأمريكي بالرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، فأمر الدولتين بالإنسحاب إكراماً لهذا الإعجاب، خاصة بعد أن وجه وزير الدفاع السوفياتي نيكولاي بولجانين إنذاراً بضرب باريس ولندن بالصواريخ الجديدة العابرة للقارات إذا لم يتم الإنسحاب.

بالفعل كانت حسابات موسكو صحيحة لأن الغزو الفرنسي – البريطاني لمنطقة للسويس بدا وأنه إنتقام لتأميم القناة، لكنه في الحقيقة محاولة لإبقاء مصر في حوزة الغرب لا سيما بعد أن تأكد أن الرئيس عبد الناصر عازم على التقارب مع موسكو ومده بالسلاح الذي أنكرته واشنطن عليه إرضاء لإسرائيل بعد مذبحة غزة، فبراير/شباط 1955، ووقف قرض مشروع السد العالي.

لقد إرتبط مذهب إيزنهاور بتطويق الشرق الأوسط بالقواعد والأحلاف منعاً للإختراق السوفيتي، كما إرتبط مذهبه بدبلوماسية المفاوضات على “حافة الهاوية”، ليأتي الرئيس رونالد ريغان ويحي هذا المذهب بالتفاوض مع موسكو من منطق القوة، فإهتم بـ “سباق التسلح” و”حرب النجوم”.

أما الرئيس ريتشارد نكسون فقد ظهر مذهبه بعد رحيله من منصبه بسبب فضيحة “ووتر غيت”، وهو الذي تضمنه كتابه “نصر بلا حرب” مع سقوط جدار برلين والأحجار العليا في البنيان السوفيتي، العام 1989. جوهر المذهب يتمحور حول ضرورة البحث عن عدو بعد الإتحاد السوفيتي، فإقترح مطاردة الاسلام ليظهر مصطلح “الاسلاموفوبيا”، الذي إستمر حتى الآن ووصل قمته بـ “مسرحية” 11/9. وهكذا، أكمل الرئيس بوش الإبن ما تصوره الرئيس نكسون، وكان مذهبه أن العدو الجديد هو الاسلام، على الرغم من إثبات الباحثين لمخططي غزو أفغانستان والعراق، حيث ظهر الأول بأنه “رد فعل” لأحداث سبتمبر/أيلول الأمريكية بيمنا كان معداً سلفاً منذ عدة سنوات ولكنه كان ينتظر الإخراج والذريعة.

هكذا، كان للكثير من الرؤساء الأمريكيين خط سياسي إلتصق بهم وبإدارتهم، وهي رؤية أمريكية لا علاقة لها بشخص الرئيس لأن النظام الأمريكي الديمقراطي يضع الخطط على أساس إستراتيجي؛ لذلك، لا يوجد أساس لما شاع في الدراسات العربيه أن الحزب الديمقراطي أفضل من الجمهوري، أو العكس، بدعوى خدمته الكبيرة أو الضعيفة لاسرائيل، بدليل أن الرئيس ترومان، الديمقراطي، هو الذي إعترف بإسرائيل بعد قيامها بربع ساعة، وهو إتفاق أمريكي – سوفيتي إرتبط بقمة النظام الدولى من حيث أن إسرائيل مشروع عالمي تم توطينه في فلسطين بينما أذرعه ومصادر تغذيته خارج المنطقة. كما يعد الرئيس جيمس كارتر، المسيحي المتدين الهادئ، أبرز الرؤساء الذين خدموا إسرائيل من خلال صفقة “كامب دفيد”.

حتى الآن، ولم يتم الحديث عن مذهب للرئيس دونالد ترامب، لكنني لاحظت أنه يمكن بلورة مذهب الرئيس ترامب في الحكم خاصة وأنه أكثر تأثيراً على معظم حكام الشرق الأوسط والأكثر بغضاً من جانب شعوبها. ويمكن تلخيص مذهب الرئيس ترامب بالنقاط التالية:

النقطة الأولى، جاء الرئيس ترامب من خارج السياق المؤسساتي والسياسي والإجتماعي للولايات المتحدة؛ لذلك، إصطدم مع كل الأجهزة، المخابرات والخارجية، وموظفي البيت الأبيض، ووزراة الدفاع، والكونغرس، وبعض المحافظين. وهو وإن كان مرشح الحزب الجمهوري إلا أنه ليس حزبياً ملتزماً، وإنما كان الحزب منصته لترشيحه وائتمائه السياسى نظرياً.

النقط الثانية، إعتمد الرئيس ترامب على مهاراته الشخصية كرجل أعمال ولم يصل في أي وقت إلى مستوى رجل الدولة؛ لذلك، خلط بين المال العام وماله الخاص، وإستنزف السعودية ودول الخليج لصالح الخزينة العامة ولصالح مشروعاته الشخصية.

النقطة الثالثة، تفلت الرئيس ترامب بتصرفاته بحيث لا يمكن توقع ما يفكر فيه، كما أنه ليس نتاجاً صالحاً لمجتمع ديمقراطي منضبط منذ نشأته الدستورية، في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، ولكن ذلك لم يحل دون الصدام مع القضاء ووزير العدل والمشرعين في الكونغرس.

النقطة الرابعة، إستحدث الرئيس ترامب “الشعبوية”، التي إرتبطت بالسلوك المنفلت والميل إلى التلقائية والبلطجة، وهو أقرب شبهاً في تكوينه النفسي والعقلي بشخصيات مصرية معاصرة؛ لذلك، شغل أمريكا والعالم بمعارك داخلية وخارجية كلفت بلاده الكثير.

النقطة الخامسة، نذر الرئيس ترامب نفسه لتحقيق المشروع الصهيوني مهدراً كل القوانين الدوليية ومتجاهلاً الأمم المتحدة، كما يكن عداء عميقاً للمحكمة الجنائية الدولية والصين وروسيا؛ أما عداؤه لإيران، فمرتبط بحساباته مع السعودية، وإرتباطخ بموقف غسرائيل ودور طهران في منافستها.

النقطة السادسة، يعمل الرئيس ترانب بمدأ “المقامرة”، فهو لا يؤمن بالحلول العلمية؛ لذلك، فهو الرئيس الأقل ثقافة ومصداقية ورصانة.

النقطة السابقة، بعتبر الرئيس ترامب الرئيس الأمريكي الوحيد الذي حرص على إرتباطه بشكل مباشر مع بعض الحكام العرب وربط مصيره بمصيرهم؛ لذلك، هم جزء من مشروعه لصالح إسرائيل. من هنا، رأيت أن المشروع الصهيوني بدأ بثيودور هرتزل، اليهودي السويسري، وإنتهى بـ “صفقة القرن” مع “هرتزل المسيحي الأمريكىي” أي الرئيسترامب. لكن البناء الهش الذي أرتبط بوجوده في السلطة، سواء لجهة إسرائيل أو بعض حكام العرب، سيشهد سقوطاً مروعاً إذا قدر له أن يسقط.

النقطة الثامنة، الرئيس ترامب هو الرئيس الوحيد الذي لا تهمه مصداقية حكمه، فهو يكذب في وضح النهار؛ لذلك، فقد كل مصداقيه له ولمنصبه وعرض المنصب للخطر. ومن العجيب أن ظهوره إرتبط بصعود اليمين المتطرف في السياسات الأوروبية، فأثره على القارة العجوز أكثر بروزاً وإن كانت تتباعد في عهده عن الولايات المتحدة بسبب سياساته التي وضعت حلفاءه، من اليابان حتى أوروبا، في وضع مريب.

النقطة التاسعة، إحتضن الرئيس ترامب “الدكتاتورية العربية” مقابل التقارب مع إسرائيل، وامتهان حقوق الإنسان. لا شك أن دراسة وضعه الإجتماعي وأفراد أسرته ومهنته السابقة، يفيد كثيراً في وضعه كرئيس للولايات المتحدة، حيث يقدر الباحثون أنه إذا فاز في الإنتخابات المقبلة فسيسهم بتدهور بلاده من الداخل والخارج.

*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.

مصدر الصور: مونتي كارلو الدولية – الجزيرة.

موضوع ذا صلة: “أنتيفا”.. شمَّاعة الرئيس ترامب