سمر رضوان*

لم تختلف محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة، عن سابقاتها من المناطق أو المدن التي كانت تعاني من براثن الفصائل الإرهابية تحت العديد من المسميات، إلا أن ما يميزها أنها تعتبر آخر معاقل الإرهابيين من حيث تعدد المسميات والجنسيات، إضافة إلى الولاءات الإقليمية وحتى الدولية منها. مخاوف دولية وتنديد على مستوى عال من إطلاق معركة إدلب إلى أن خرج إلى العلن الإتفاق “الروسي – التركي” الذي سيتم تنفيذه على ثلاث مراحل، أهمها دخول مؤسسات الدولة السورية لاستلام مهامها قبل نهاية العام 2018.

كذلك، لا يمكن المرور على حادثة إسقاط الطائرة الروسية خلال الإعتداءات الإسرائيلية على الشمال السوري مرور الكرام، فهذا المعطى قد استدرر حدثاً استراتيجياً تمثل في إرسال منظومة “إس.300” إلى سوريا، مما يشكل نقلة نوعية في الحرب على سوريا.

مساحة تفاهم

إذاً، لا عملية عسكرية في إدلب، فلقد وجد الروس والأتراك حلاً يجنّب المدينة هذه العملية رغم تواجد الآلاف من الإرهابيين فيها، إضافة إلى المدنيين. فبحسب مذكرة التفاهم التي وقعها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، في مدينة سوتشي الروسية والتي تظهر ملامح المنطقة العازلة وآلية التنفيذ، يتعين على جميع الفصائل الإرهابية، بما فيها “جبهة النصرة”، تنفيذ الإتفاق والخروج من المنطقة حيث ستقوم دوريات تركية – روسية بمراقبة المنطقة لضمان عدم وجود أية خروقات.

 “المناورة” التركية

بالعودة إلى ملف إدلب، وتحديداً عقب “قمة سوتشي” الأخيرة بين الرئيسين بوتين وأردوغان وما نتج عنها من تفاهمات بين الجانبين حول مصير تلك المعركة، وعلى الرغم من الإستعدادات الضخمة التي أرسلتها الدولة السورية لإطلاق وإعلان المعركة لتحرير المدينة، يظهر “التعنت” التركي بشكل واضح لا سيما مع إصراره على إرجاءها، من “قمة طهران” إلى “قمة سوتشي” وما بينهما، ليضع المتابع أمام عدد من التساؤلات، منها: ما هو الهدف التركي من تأخير المعركة؟

ليس خافياً على أحد الدور التركي السلبي في الحرب السورية، ودعمه للفصائل “الجهادية” ومحاولة استثمار كل ما أمكن بحجة حماية الأمن القومي التركي، والإمساك بورقة الملف الكردي. فمن عملية “درع الفرات” العسكرية إلى “غصن الزيتون” وإرسال القطعات العسكرية التركية إلى الشمال السوري، يتبين أن أنقرة تُمسك بعدد من الملفات الإقليمية والدولية، كملف اللاجئين، إذ لا زالت تُظهر خوفها من موجة نزوح جديدة في حال وقعت معركة إدلب.

في المقابل، غير أن الكثير من المعلومات المتواترة تشير إلى أن الشرطة التركية، “الجاندرما”، كانت تطلق الرصاص الحي على المتسللين من المعابر غير الرسمية في محاولة للدخول إلى أراضيها، إضافة إلى إقامة الجدار الفاصل الذي قامت ببنائه والذي يظهر بالعين المجردة من مدينة كسب السورية.

من هنا، تريد تركيا تحقيق المكسب الأكبر، عبر ملف اللاجئين ودعم “الجهاديين”، وإن التقت مؤخراً في بعض النقاط مع الدولة السورية، لكن هذا لا يبعث على الإطمئنان خصوصاً مع رفع الشعار “الإنساني” في كل مرة تشعر فيها أن الأمور قد تخرج عن سيطرتها.

 

طائرة “إيل – 20” الروسية

وفي حادثة تشبه إسقاط طائرة “سوخوي” الروسية على يد القوات التركية والتي أوصلت الأمور بين الجانبين إلى حد القطيعة تلاها حادثة اغتيال السفير الروسي لدى أنقرة، حافظت الديبلوماسية الروسية على الأعراف الدولية وتقبلت الإعتذار التركي، ومن حينها إلى اليوم، “انتقمت” روسيا من تركيا على طريقة “سحب البساط” من تحت أقدام الأمريكيين، عبر محادثات “أستانا” و”سوتشي” المستمرة لحل الأزمة السورية. فكلما شعرت موسكو بالتقرب التركي من واشنطن، سارعت إلى سحبه عبر مفاوضات لم تنقطع، الأمر الذي جعل واشنطن تغير قواعد الاشتباك، لا سيما عبر إرسال قوات “الناتو” إلى مقربة من الحدود السورية، وهي رسالة إلى بوتين، بـ “أننا لا زلنا نستطيع إطالة أمد الحرب وتعطيل أي اتفاق يمر من دوننا”.

بعد ذلك جاء حادث إسقاط الطائرة الروسية “إيل – 20″، والتي كان على متنها 14 جندياً روسياً، ودون الخوض في التفاصيل التي يعلمها الجميع، هذه الحادثة التي تنذر بتطورات لن تعجب كلاً من الأمريكي والإسرائيلي.

فبعد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا والتنسيق بين موسكو وتل أبيب، لم تتدخل موسكو مباشرة بل اكتفت بالتنديد، غير أن الأمور في هذه الواقعة مختلفة إذ يعتبر هذا الحادث عدواناً على روسيا، تحديداً، مما قد يؤدي إلى تفعيل منظومة الدفاع “إس.400” في صد أي صدام قادم، مع إخطار الجانب السوري بوقت الضربة وتحضره للرد، وهذا أمر وارد جداً بعد هذا المعطى الأخير.

ومع إطلاق آلية التشويش الكهرو – مغناطيسي لمنع الإتصالات قبالة السواحل السورية في القريب العاجل إلى جانب رفع مستوى القدرات القتالية لقوات الدفاع الجوي بتسلمها منظومة “إس.300″، إضافة إلى صد العدوان من قبل المقاومة اللبنانية من سماء لبنان، كما جاء في خطاب الأمين العام لحزب الله، كل هذه المؤشرات تنذر بأن العدوان القادم ليس كسابقيه، على الرغم من قدرة تعامل إسرائيل بالتشويش على تلك المنظومة لتلقيها تمرينات مع اليونان، وكان آخرها العام 2015. لكن هذه المعطيات توحي بأن الأمور تتراوح ما بين التهدئة والتصعيد، فهل تنجح روسيا باستثمار حادثة إسقاط الطائرة لما يقوي شروطها سياسياً، أم لا؟ سؤال متروك للقادم من الأيام، هذا من جهة.

من جهة أخرى، باتت الإعتداءات تشكل خطراً على إسرائيل نفسها من عدة جبهات “السورية – الروسية – حزب الله”. فهل يعيد كيان الاحتلال حساباته، أم يستمر في تكرار عدوانه؟!

الـ “إس.300” رسمياً

على الرغم من اعتراض اسرائيل، جاء الإعلان الروسي عن استكمال تسليمها منظومة الدفاع الجوي الصاروخية “إس.300” لسوريا ما يفتح الباب على تساؤلات جلها مخاوف دولية بشأن تأثير تلك الخطوة على مجريات الصراع خصوصاً لجهة إثارة مخاوف إسرائيلية بشأن صد طائراتها في أي عدوان جديد. فلقد جاءت الخطوة الروسية عقب اتهام موسكو لتل أبيب بأنها كانت السبب المباشر وراء إسقاط طائرتها “إيل – 20″، واستشهاد طاقمها في سبتمبر/أيلول 2018. هذا التطور، فتح المجال أمام متغيرات واسعة على الساحتين العسكرية والسياسية، خصوصاً بالنسبة لمنع إسرائيل من الإستمرار في ضرب مواقع داخل سوريا.

وفي حديث إلى موقع “واينت”، لصحيفة يديعوت أحرونوت، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدرو ليبرمان تعليقاً على عزم روسيا تزويد القوات السورية بتلك المنظومة، إنه “من المهم بالنسبة إلينا ألا تستخدم الأسلحة الدفاعية التي يسلمها الروس إلى سوريا ضدنا. وإذا أطلقوا النيران على طائراتنا فسندمرهم.”

في المقابل، أشار مصدر دبلوماسي روسي رفيع المستوى، إلى “مركز سيتا”، بأن تسليم القيادة الروسية الجيش السوري منظومة “إس.300” هدفها الإستعمال وليس لـ “إبتزاز” إسرائيل من خلال ورقة دمشق، مشيراً إلى ان قيادة هذه المنظومة وتفعيلها سيكون بإمرة الجيش السوري، لا الروسي، هو الذي سيقرر مدى استخدامها من عدمه.

مخاوف حقيقية

باتت المخاوف الدولية والإسرائيلية تشكل حقيقة لا مفر منها كون قواعد الاشتباك اتخذت منحى جديداً، ولم يعد ينفع استخدام الحجج “الكيماوية” على سبيل المثال، فهذه العناوين لم تغير من حقيقة أن الميدان تطور، خلال سبع سنوات من عمر الحرب، بشكل كبير لصالح الدولة السورية ومحورها الذي تحول من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم عسكرياً، مع التمسك بالأوراق السياسية التفاوضية وتمتينها تباعاً عبر اتباع سياسة “النفس الطويل” لإفشال كل ما حيك ضد دمشق. فهل تتحد الـ “إس.300” السورية مع الـ “إس.400” الروسية لتنهي أكبر حقبة دموية عانى منها الإقليم، عموماً، وسوريا، على وجه الخصوص؟!

*المدير التنفيذي في مركز “سيتا”

مصدر الصور: صحيفة العرب – النيل للأخبار.