إعداد: يارا انبيعة
يعد الفضاء أحد المجالات القليلة التي لا تزال تشهد تعاوناً ظاهرياً بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا خلال العقود الأخيرة، خاصة أن العديد من المشروعات المتعلقة بغزو الفضاء لا تزال تجمع واشنطن وموسكو بشكل رئيسي.
التعاون الظاهري بينهما لم يمنع أبداً اشتعال الصراع المعتاد بين القوتين العالميتين في الفضاء، بما في ذلك المشروعات المشتركة بين الدولتين، والتي من شأنها أن تمثل القيادة الفعلية للعالم بمجالات الفضاء.
هذا أنه لا يمكن إنكار رغبة العديد من الدول أيضاً في خوض غمار هذه التجربة، لا سيما الصين والهند، اللتين تديران برنامجاً فضائياً نوعياً بما يمتلكانه من قدرات مالية وعلمية تستطيعان من خلالهما المنافسة بل حتى إثبات جدارتهما في هذا القطاع.
السباق إلى الفضاء
هو سباق بدأ أساساً بين الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية كجزء من الحرب الباردة في التجسس والدعاية، محوره التسابق على أخذ أكبر مساحة من الفضاء عن طريق الأقمار الصناعية ومركبات الفضاء المأهولة وغير المأهولة، إذ كان الأمر إظهاراً للقدرة والتقنية لكلتا الدولتين في هذا المجال.
بدأ هذا السباق عندما أطلق الإتحاد السوفياتي أول قمر اصطناعي في العالم وهو “سبوتنك – 1″، في 4 أكتوبر/تشرين الأول 1957، ثم أكد الإتحاد السوفياتي سبقه هذا عندما أطلق قمره الإصطناعي الثاني “سبوتنك – 2″، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1957.
كانت المنافسة محتدمة لإستكشاف الفضاء بين العملاقين ودام، تقريباً، من العام 1957 الى العام 1975، تضمنت جهود استكشاف الفضاء الخارجي بإطلاق الأقمار الصناعية، وإرسال البشر إلى الفضاء، وهبوط الإنسان على سطح القمر، ليصبح غزو الفضاء جزءاً هاماً من التنافس الأيديولوجي والتقني والثقافي أثناء الحرب الباردة.
لذا، أضحت تكنولوجيا الفضاء من القطاعات الهامة جداً بسبب تطبيقاتها العسكرية المحتملة، فيما أصبحت الإنجازات الفضائية ترويجاً لمهارة الدولة في الإمكانيات العلمية والعسكرية؛ فالصاروخ الذي يرسل إنسان إلى الفضاء والهبوط على سطح القمر، بإمكانه ان يرسل قنبلة ذرية إلى دول عدو.
الصراع الجديد
ربما لم تعد عبارة “حرب الفضاء” مجرد مصطلح شيق تناقشه دوريات وأفلام الخيال العلمي والسينما العالمية، بل أصبحت أمراً وشيك الحدوث، وأقرب إلى الواقع. فتقدم الحروب عبر التاريخ، حمل معه تطوراً كبيراً في القدرات والوسائل والإمكانيات العسكرية التي يعد أحدثها أقمار التجسس العسكرية، التي يمكنها مراقبة، في وقت قصير وسريع وبشكل دقيق، كل معالم الأرض والحركة عليها، الأمر الذي يتيح للدول التي تتحكم في هذه الأقمار تعزيز قدرتها التجسسية والإستخباراتية. وهنا، يمثل الصراع الأمريكي – الروسي الظاهرة الأبرز فيما يتعلق بحرب الفضاء، حيث تتسابق كل منهما للسيطرة على الفضاء وبسط أقمارها الصناعية.
وبالإضافة إلى الإستخدامات العلمية، هناك العديد من الإستخدامات العسكرية والتي يأتي على رأسها جمع المعلومات عن مناطق التمركز الرئيسية للقوات المعادية، إضافة إلى رصد أعمال إعادة التمركز والإنتشار، مع وضع إحداثيات المواقع والأهداف بدقة عالية، واحتساب وتقدير كميات الذخائر المطلوبة للمدفعيات والصواريخ لتدمير تلك المواقع، والتعرف على طبيعة الأرض لإختيار القوات المناسبة وغيرها من الأمور، إلا أن الاتجاه الحديث مؤخراً لجأ إلى استخدام الأقمار الصناعية نفسها كأسلحة فتاكة فى النهاية.
القوة الفضائية
أصدر الرئيس دونالد ترامب قراراً إلى وزارة الدفاع الأمريكية، في 18 يوليو/تموز2018، بتشكيل ما سماه “قوة فضائية”، كي تصبح الذراع السادسة فى الجيش الأمريكي، مؤكداً أن تلك القوة ستضمن “الهيمنة الأمريكية” على الفضاء، مؤكداً أن بلاده لديها قوة جوية، وستكون لديها قوة فضائية، ومضيفاً أن القوتين ستكونان منفصلتين ولكن متساويتين.
وكانت شركة “لوكهيد مارتن” قد أطلقت، في أبريل/ نيسان 2018 بالتعاون مع شركة “بوينج للفضاء”، صاروخاً من طراز “أطلس – 5” إلى الفضاء حاملاً معدات عسكرية من ضمنها أقمار صناعية متعددة الإستخدامات والتي تدعم قطاع الإتصالات العسكرية، وهو ما اعتبره مراقبون دخولاً عملياً للولايات المتحدة إلى ساحة حرب الفضاء التى كانت المنافسة فيها حتى وقت قريب بين كل من روسيا والصين.
ولعل اهتمام الولايات المتحدة بحرب الفضاء ظهر بشكل قوى في العام 2014، مع إطلاق الجانب الروسي قمراً صناعياً تم وصفه بـ “الغامض”، إذ كان يتحرك القمر الذي يحمل اسم “Object 2014-28E” بشكل غير طبيعي في مداره، مما أثار مخاوف المختصين في علوم الفضاء وقتها من سعي موسكو بتجربة سلاح مستقبلي في الفضاء بهدف السيطرة على الأقمار الصناعية الأخرى غير الروسية أو تدميرها، خاصة وأنه جرى نقل الصاروخ للفضاء في عملية إطلاق سرية لم تعلن روسيا عن أهدافها الحقيقية بشكل رسمي، حتى يومنا هذا.
في إشارة إلى موضوع مهم، تعتبر روسيا أكثر الدول التي تطلق أقماراً صناعية سواء لحسابها أو لصالح دول أخرى، وأن صواريخ الفضاء الروسية تنقل وحدها أكثر من 60% من الأقمار الصناعية.
الحرب الإكترونية
كشفت روسيا مؤخراً أنها تطور طائرة جديدة يمكنها تعطيل الإلكترونيات على الأقمار الصناعية الأمريكية، وستكون طائرة الحرب الإلكترونية قادرة على إيقاف تشغيل الأجهزة الإلكترونية المثبتة على الأقمار الصناعية العسكرية.
في الوقت الحالي، تمتلك كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا المئات من الأقمار الصناعية ذات الإستخدامات المتعددة، بما في ذلك الأقمار الصناعية العسكرية التي تقوم ببث مباشر للصور الفضائية لمناطق عديدة في العالم، فعلى سبيل المثال أطلقت أمريكا، في العام 2012، العديد من الأقمار العسكرية التي تتصف بقدرة تمييز عالية جداً، وقد تفوق الميليمترات فقط، منها قمر “WGSF4″ المسؤول عن تأمين الإتصالات الضرورية للقوات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، ويقوم بتحسين روابط البيانات للطائرات دون طيار، و”MUOS” المسؤول عن تأمين المعلومات التكتيكية عبر مراقبة الإتصالات الهاتفية والرسائل الإلكترونية، إضافة إلى قمري “USA237″ و”USA234″ المصنفين تجسسيين، و”AEHF2” والذي يستطيع أن يؤمن الإتصالات بالقوات البحرية والجوية الأمريكية أينما كانت فى العالم.
أما روسيا، فقد أرسلت أيضا العديد من الأقمار الصناعية العسكرية في العام 2012 مثل “Meridian 6″ قمر تجسسي و”Cosmos2479″، وهو قمر للإنذار المبكر يغطي نصف الكرة الأرضية و”Cosmos2481” الذي انضم إلى الشبكة الروسية المؤلفة من حوالى 70 قمراً تجسسياً.
أما عن وسائل التشويش الإلكتروني الروسية، يقول فلاديمير ميخييف، مستشار النائب الأول للمدير العام للشركة التي تقوم بصناعة هذه الأنظمة إن تلك الأنظمة “قادرة على التشويش على أسلحة عالية الدقة، أي القنابل والصواريخ الموجهة”، مضيفاً بأنها قادرة على تعطل “كافة أنظمة التحكم بالطيران ومجموعات السفن، وهي أنظمة للتشويش على الإتصالات بترددات على الموجات القصيرة والتردد الجداً العالي”.
كما أشار ميخييف إلى أن “أنظمة التشويش ستكون متكاملة بمنظومة الدفاع الجوي بشكل كامل، فـ “المنظمة التقليدية للدفاع الجوي تشمل الإستطلاع بواسطة الرادارات وتقنيات الراديو، ومنظومة لإطلاق صواريخ مضادة للطيران ومنظومة حماية المقاتلات ومنظومة التشويش. وكل هذه الأنظمة للتشويش الإلكتروني التي سيتم توريدها متكاملة مع منظومة الإدارة المؤتمتة لأنظمة الدفاع الجوي.”
نحو المريخ
بعد رحلة استمرت لأكثر من 6 أشهر، نجح المسبار “إنسايت”، التابع لإدارة الطيران والفضاء الأميركية – ناسا، بالهبوط على سطح المريخ في حدث تاريخي شاهده العالم، حيث انفصل المسبار عن الصاروخ، الذي نجح في اختراق السماء الوردية للكوكب بسرعة 19 ألفاً و795 كلم/س، لكن سرعته في رحلة هبوطه إلى سطح الكوكب، ومسافتها حوالي 124 كلم، قلت بفعل الإحتكاك بالغلاف الجوي ومظلة هبوط عملاقة وصواريخ كابحة حيث لامس المسبار سطح الكوكب، بعد نحو 6 دقائق ونصف من ذلك، وهبط في المنطقة المنبسطة قرب خط استواء الكوكب، وبات المسبار “إنسايت” أول مركبة فضاء أميركية تهبط على سطح المريخ منذ وصول المستكشف الطواف “كيريوسيتي” قبل 6 سنوات، وأول مركبة مخصصة لإستكشاف ما تحت سطح المريخ.
يحمل المسبار معدات لرصد درجات الحرارة وهزات الزلازل في المريخ، وهي أمور لم يجر قياسها أبداً خارج كوكب الأرض من قبل، وسيقضي المسبار “إنسايت” 24 شهراً، أي ما يساوي عاماً مريخياً واحدا، في أخذ قراءات زلزالية وحرارية بحثاً عن معلومات تساعد على معرفة كيف تشكل المريخ وأصل الأرض وغيرها من الكواكب الصخرية في المجموعة الشمسية الداخلية.
إستعمال أم إحتلال؟!
تشير الدراسات أنه ومن المتوقع أن يرتكز تهافت العالم في القرن المقبل على استغلال الثروات القمرية. فهذا لأن القمر، غني بمواد غير موجودة على الأرض ومنها “الهيليوم – 3″، وهـذا يعني أن العودة إلى القمر متوقعة في القرن القادم، وقد تكون عودة استقرار دائم يترافق معها بناء محطات على نمط المحطات النفطية، إذ أنه من أعماق تربة القمر يمكن استخراج الألومنيوم والتيتان والحديد، وهذه مواد ضرورية لإقامة أية منشآت، كما يمكن العثور على سطح القمر على “السيلسوم”، الذي يدخل في صناعة الخلايا الشمسية.
كذلك الأمر بالنسبة إلى المريخ، حيث يهتم العلماء بمسألة القدرة على الحياة على هذا الكوكب، وهذا لا يمنع أيضاً من استكشاف ثرواته والتسابق إليها، كما يتم على كوكب الأرض حالياً، حيث أن الأعوام المقبلة ستشهد حتماً كثافة مركبات فضائية نحو الكواكب من أجل الإستكشافات العملية التي يمكن أن تكون عامل قوة، وصراع أيضاً، للدول الكبرى.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: بي. بي.سي – يورو نيوز – سبوتنيك.