حيدر مصطفى*
تعيد المصالح السياسية الدور العربي الى سوريا، من بوابتي الإمارات والبحرين، وبشكل ينهي خصومة السنوات السبع الماضية، فالمتغيرات السياسة بدأت تفرض واقعاً جديداً على مشهدية العلاقات السورية – العربية انطلاقاً من خيارات “الضرورة” لإحتواء تداعيات التخبط ومتاهات الأزمات التي انخرطت بها دول المنطقة بإرادتها او من دونها.
ملامح عودة التقارب الدبلوماسي بين دمشق وعدد من العواصم العربية، لاحت اولى مؤشراتها من مبنى الجمعية العام للأمم المتحدة بعد لقاء مقتضب جمع وزير خارجية البحرين، خالد بن احمد آل خليفة، ونظيره السوري، وليد المعلم، اذ حمل جملة من الدلالات والرسائل التي اعلنت آنذاك اعادة تحريك مفاعيل العلاقات الخليجية – السورية، وتبعها تطبيع العلاقات الاقتصادية مع الأردن واعادة فتح معبر جابر – نصيب بين البلدين، وانخفاض حدة اللهجة في التصريحات السياسية والإعلامية، لتأتي من بعدها زيارة الرئيس السوداني، عمر حسن البشير، الى دمشق واقاؤه بالرئيس السوري، بشار الأسد، لتعلن رسمياً كسر حالة الجمود او ما يوصف اعلامياً بالمحاولات العربية لعزل سوريا عن محيطها.
ولكن، لماذا تبدو عودة العلاقات العربية – السورية خيار الضرورة؟
مع انحسار دائرة المعارك واتضاح مصير الحرب في سوريا، بدأت مجموعة من القوى الإقليمية والدولية بإعادة دراسة مواقعها وادوارها تمهيداً لإيجاد مخارج تقيها المزيد من الآثار السلبية، وفي مقدمتهم الجانب الأمريكي الذي جاء اعلانه عن سحب قواته كاملة بمثابة الضوء الأخضر لجميع اللاعبين للبدء بتنفيذ خططهم البديلة وفق ما تقتضيه الحاجة لملء الفراغ السياسي على الأقل، خصوصاً وان حاكم البيت الأبيض، دونالد ترامب، سلم مفاتيحه في سوريا لنظيره التركي، رجب طيب اردوغان، ما يعني المزيد من الدعم لمشروع الإخوان المسلمين او بالأحرى لورقة الإسلام السياسي، وهو اجراء يقلق العديد من العواصم التي كانت تقف على مسافة من الخصومة مع دمشق، وفي آن معاً ترفض منح مشروع الإخوان المزيد من الأوراق المؤثرة سواء في الملف السوري اأو غيره، ناهيك عن قلقها من استمرار التحالف بين دمشق وطهران بالطريقة التي سار بها في السنوات الأخيرة.
ويمكن القول ان رسائل البشير وخالد بن احمد وتلك التي حملها معه ايضاً رئيس جهاز الأمن الوطني السوري، اللواء علي مملوك، الذي زار القاهرة مؤخراً، انتجت مزاجاً عربياً – سورياً مختلفاً ومتقبلاً لإبداء المزيد من الإنفتاح على خيار تطبيع العلاقات، بما يعيد لدمشق دورها كنظام توازن في الإقليم ويتيح ايضاً لأطراف اخرى الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، كقطع يد الإخوان والتوافق على سلسلة من الاستثمارات.
إلا أن سؤالاً آخر يطرح نفسه، هل سينجح “التطبيع العربي”، من بوابة الخليج، في انهاء الخصومة فعلياً؟
في حسابات السياسة والدبلوماسية عادة ما تسقط اوراق الإقتتال والتحارب وتنتهي سياسة التخندق مع التقاء مصالح المتخاصمين مجدداً. وفي الحالة السورية – العربية، وتحديداً الخليجية، قد تكون المصلحة الأهم وضع حد للقوى الدولية والإقليمية التي باتت تتدخل بكل شاردة وواردة، وتحاول فرض نفسها على القرارات السيادية، اذ يحسب لدول الإمارات العربية اتخاذ الخطوة الأولى بإتجاه دمشق، كما يحسب للأخيرة مرونتها في فتح ابوابها مجدداً. على ما يبدو، فإن ابتعاد الأطراف الفاعلة عربياً عن سياسة التخندق، يشكل حلاً ناجعاً للعديد من القضايا.
وامام الرغبة الإماراتية والبحرينية لإعادة احياء الدور العربي واخراجه من دائرة العزلة الدولية عن القرار المؤثر في مسار الأزمة السورية، تبدو مؤشرات عودة سوريا الى الجامعة العربية مرتفعة، وهو ما قد يقلب المشهد رأساً على عقب، ليس على مستوى الأزمة السورية وحسب وانما على مشهدية المنطقة بأكملها. فقد يمهد ذلك فعلياً للإنتقال الى مستويات مختلفة من الشراكة المحفوفة بالمحاذير؛ فإعادة ترميم صلات الوصل التي قطعت، ليست بتلك السهولة خصوصاً مع عدم تقبل الكثيرين للمتغيرات المتسارعة التي تطرأ.
في النتيجة، ان عودة الدور العربي الى سوريا امر حتمي، نظراً للحاجة الملحة، خصوصاً وانه لن يعيد معه روابط الإقتصاد والتجارة والشراكة السياسية فقط، بل سيمهد ايضاً لعودة اطراف سياسية سورية الى دمشق، من المعارضة الخارجية، وعندئذ قد نشهد مؤتمر دمشق للتسوية السورية بما يرضى الجميع، اللاعبين وحلفائهم، وتطوى صفحة حرب السنوات السبع التي خطت سطورها دماء عشرات آلاف من الشهداء والضحايا.
*كاتب وإعلامي سوري
مصدر الصور: سبوتنيك – مصراوي.