د. عبدالله الأشعل*
عندما قررت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، كان ذلك نقضاً لميثاقها وسابقة خطيرة وقياساً خاطئاً على حالة الهند، التي قسمتها بريطانيا بين الهندوس والمسلمين أو الهند وباكستان. والخطأ في هذا القياس أن كلاً من الهندوس والمسلمين يملكون أرض الهند وهم جميعاً أبناء بلد واحد لكنهم تصارعوا بتشجيع من بريطانيا.
لكن تقسيم فلسطين بين أهلها واليهود أجانب، لا علاقة لهم بالأرض، هو عملية “إغتصاب ظاهر” تحت مسمي التقسيم، وهذه هي الأسطورة الأولى. أما الأسطورة الثانية، فهي أن الأمم المتحدة كانت تعلم يقيناً بأن المشروع الصهيوني يبدأ بالتقسيم وينتهي بطرد الفلسطينيين والإنفراد بالأرض تحت ذريعة نظرية شاذة وهي “إسترداد ملك اليهود في فلسطين”، وهي أكذوبة تاريخية ظاهرة الفجور، والدليل أن الأمم المتحدة كانت تعلم الخاتمة أنها ابتدعت شرعية توافقية سياسية تناقض ميثاقها وأن قرار التقسيم نص على تقسيم فلسطين بين دولة عربية (وليس فلسطينية) وأخرى يهودية، وهو الوصف الذي استند إليه التشريع الإسرائيلي حول الدولة القومية اليهودية، العام 2017.
لم يلحظ العرب هذا التدليس حينها لأنهم لم يصدقوا أن تقسيم الأمم المتحدة لفلسطين بينهم وبين مجموعة من اللاجئين لديهم، وظنوا أنها مرحلة مؤقتة تزول بزوال أسبابها. لذلك، فإن اسطورة الشرعية تطارد إسرائيل، التي تعتقد جازمة أن شرعيتها ليست في النصوص وإنما في قوتها وفرض الأمر الواقع، فهي لا تهتم بأي نص لا يخدم مشروعها. رغم ذلك، فإنها تعتبر الأمم المتحدة عدواً منحازاً ضدها خاصة كلما صدر قرار بإنسحابها أو بانتقاد جرائمها وسياساتها.
في خطوة تالية، قررت الأمم المتحدة قبول إسرائيل عضواً فيها، مايو/ أيار 1949، بعد أن استولت على غرب القدس وبرغم المجازر التي ارتكبتها ضد الفلسطينيين واضطرتهم إلى الفرار من أرضهم وبيوتهم ووطنهم. فظهرت أسطورة ثالثة أخرى وهي اللاجئين. ففي نفس دورة الجمعية العامة التي أصدرت فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ديسمبر/ كانون الأول 1948، وهو نفس العام الذي أعلن فيه عن قيام إسرائيل، مايو/ أيار 1948. كما أصدرت أيضاً القرار رقم 194 الذي يؤكد على حق عودة اللاجئين إلى أرضهم وبيوتهم أو التعويض عنها، وهو الأمر الذي شكك في صدقية القرار.
فالقرار يُفهم على أنه يقرر عودة اللاجئين إلى وطنهم كما يقرر تعويضهم عن أملاكهم والأضرار التي لحقتهم بسبب اللجوء، ولكنه خيّرهم بين العودة أو التعويض. بالطبع، كان التعويض هو المفهوم المفتوح الذي تم إستخدامه، من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، لفرض تسوية مع اللاجئين مقابل التخلي عن حقهم في العودة. ثم ربطت إسرائيل اللاجئين اليهود بالعرب في مقابلة بينهم وطالبت هى الآخرى بحقهم في التعويض فقط. أنا أقترح أن يكون لهم حق في عودتهم إلى الأقطار العربية حتى تتفكك إسرائيل، التي تضم مجموعات من المهاجرين الذين لا علاقة لهم بالآرض.
ثم جاءت الأسطورة الرابعة بعرض إسرائيل السلام مع العرب، الذين عادوها بسبب فلسطين، وتوصلت إلى ما تريد بعد أن كان العرب يربطون السلام مع إسرائيل بإعادة الحقوق السياسية للفلسطنيين. ثم كانت الأسطورة الخامسة وهي إعتراف كل من مصر والأردن بإسرائيل، ضمن إتفاقيات سلام وصفقات، رغم أن هذا الإعتراف لم يشترط شيئاً على إسرائيل، ورغم أنها كانت تسعى إلى هذا الإعتراف بها خاصة من مصر لأن ذلك يعني الإعتراف بكل أكاذيب المشروع الصهيوني، كما يعني الإعتراف بكيان ليس له حدود دولية لأول مرة في التاريخ.
وفي العام 1951، كانت الأسطورة السادسة عندما قررت الأمم المتحدة معاملة خاصة لللاجئين الفلسطينين وفصلتهم على بقية اللاجئين، الذين شملتهم إتفاقية خاصة أُنشئت بموجبها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين – UNHCR، حيث أنشأوا لهم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين – UNRWA. عملياً، من المفروض أن تكون ظاهرة اللجوء مؤقتة حيث تقوم وكالة الغوث بمواجهة هذه المرحلة المؤقتة؛ لكن لما كان اللجوء الفلسطيني أول الثمار المرة لإغتصاب إسرائيل لأرضهم ووطنهم، فإن العمل جارٍ على تصفية الوكالة وقبض المال عنها دون أن تعبأ الولايات المتحدة بمصير اللاجئين الذين سوف ينضم إليهم الملايين بعد الإستيلاء على كل فلسطين.
في ضوء ما تقدم، ندرك حجم المؤامرة على الشعب الفلسطيني، التي اشتركت فيها الأمم المتحدة والتي تتعامل معها إسرائيل مركزة على مشروعها وهي متيقنة أن الأمم المتحدة، في نهاية المطاف، ستنسجم مع المشروع الصهيوني بعد اقتحام الإرادات العربية والتخلي عن الفلسطينيين بل ووصم مقاومتهم للإحتلال بالإرهاب. من هنا، على الفلسطينيين التمسك بحق العودة ولكل فلسطين لعل أجيالاً أقدر منا تلبي هذا المطلب يوماً ما.
*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
مصدر الصورة: المونيتر.
موضوع ذا صلة: أسطورة الاعتراف المتبادل بين إسرائيل وفلسطين