إعداد: مركز سيتا
إستضافت برازيليا، 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، قمة “البريكس” الـ 11 على الرغم من التقارب الإقتصادي والسياسي المتصاعد بين حكومتي البرازيل والولايات المتحدة. على المقلب الآخر، قال خبراء وأكاديميون عالميون إن القمة تبعث إشارات إيجابية لدعم التعددية وتعزيز اقتصاد عالمي منفتح، وتوفر طاقة إيجابية للسلام العالمي.
تضاد داخلي
تبدو هذه القمة مختلفة عن سابقاتها بفعل التغييرات السياسية الجذرية مع وصول اليمين البرازيلي المتطرف إلى السلطة، إذ ليس خافياً على أحد التقارب السياسي والإقتصادي غير المسبوق بين برازيليا وواشنطن. ولكن في المقابل، يرى خبراء أن حماسة الرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو، للتكامل مع واشنطن قد إصطدمت بمصالح بلاده. على سبيل المثال وفي العام 2018، وصل حجم صادرات البلاد إلى دول “البريكس” إلى ما يقارب على الـ 74 مليار دولار، وإستحوذت على أكثر من 30% من مجمل الصادرات.
وفي سياقٍ متصل، شكل فوز الرئيس بولسونارو “قنبلة” تردد صدى انفجارها في قلب المنظمة، فسياساته تتناقض جذرياً مع توجهات دولها فرادى ومجتمعة لا سيما لجهة السياسات التجارية الحمائية، التي يقودها الأمريكي دونالد ترامب بخاصة ضد الصين وروسيا، كما أنه يقف وبقوة ضد سياسات الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، المسنود من بعض دول “البريكس”.
وأتت زياراته إلى تايوان لتشكل نوعاً من الإستقزازً الحاد للصين، يُضاف إلى ذلك، موقفه المؤيد لسياسات الرئيس ترامب في الشرق الأوسط وبخاصة نيته بنقل سفارة بلاده إلى القدس، ومعاداته لسياسات العولمة التي يتبناها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ما يعني أن “البريكس” مقبلة على تضاد سياسي داخلي.
تخوف وقلق
من هنا، يبدو أن خروج البرازيل من مجموعة دول “البريكس” من عدمه مرهون بموعد الإنتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة وتحديد مصير الرئيس ترامب خصوصاً إن لم يحسم أمره قبل إجرائها كونه يواجه عواصف سياسية قوية. أما بالنسبة إلى خيارات دول “البريكس” فيتمثل أبرزها في خيارين أساسيين:
الخيار الأول: إنسحاب البرازيل منها أو تجميد عضويتها.
الخيار الثاني: التكيف مع قرارات المنظومة طبقاً لمحددات معينة، يتم الإتفاق عليها فيما بينهم، شرط ألا تخل بشروط القمة ككل.
في هذا الصدد، يقول الخبير الإقتصادي اللبناني، عدنان السيد “إن ما يقلق حالياً هو، إتجاه سياسات بولسونارو الجديدة، خاصة وأن البرازيل تحولت من دولة رائدة إقتصادياً، ومؤثرة سياسياً، إلى دولة تابعة تظهر وكأنها لا تملك قراراً سيادياً”، مضيفاً أن “العلاقات مع دول البريكس والإتحاد الأوروبي، كانت عاملاً مساعداً ساهمت في إنشاء توازن دولي، يقوم على الندية وتوافق المصالح. من هنا، على بولسونارو العودة إلى هذه الأسس، وعدم أخذ البلاد في مغامرات إيديولوجية خطيرة.”
بالنسبة إلى معظم البرازيليون، تشكل مجموعة البريكس رافعة إقتصادية إستراتيجية خصوصاً وأن الدول الخمس تشكل 40% من سكان العالم، وتساهم في 55% من النمو العالمي، ما يفرض حاجة البرازيل إلى مزيد من التكامل مع هذا التكتل. فالإدارة البرازيلية الحالية تمسك العصا من المنتصف؛ فسياسياً، تم التركيز على التقارب مع واشنطن، لكن الواقع الإقتصادي فرض رؤية مختلفة كشفت أن الشراكة مع البريكس غير قابلة للنقاش. فالبرازيل ترزح تحت ضغوط التضخم والكساد قد تحتاج إلى مراجعة سياسية تتكامل مع طموحاتها الإقتصادية وإعادة تصويب علاقاتها الدولية بما يضمن سيادة البلاد ومصالح شعبها.
صراع القطبية
في ظل تجدد وتعدد الأخطار التي تهدد الإستقرار المالي العالمي المقترنة مع زيادة حالة عدم اليقين وتنامي فقدان أواصر التعاون الدولي، بات هناك حديث عن الخروج من عباءة النظام المالي العالمي لدى العديد من الدول، وفي مقدمتها الصين وروسيا. إذ تعد الصين ثاني أكبر إقتصاد في العالم، حيث يستمد قوته من القدرة على تحريك عجلة الإقتصاد العالمي، إلى جانب قدرته على مواجهة الأزمات، كما أزمة العام 2008. أما روسيا، فلقد غصت في ثبات عميق طوال ما يقرب من ثلاثة عقود إلى حين أن وجدت ضالتها في التحالف مع الصين، كقوة اقتصادية عالمية متنامية، في الوقت الذي تعاني فيه موسكو من هشاشة اقتصادها، إذ تحتل المرتبة الـ 12 في العالم من ناحية الناتج المحلي الإجمالي، وهي السادسة عالمياً من حيث القوة الشرائية.
في موازاة ذلك، يظل الحديث عن صراع القطبية وانتزاع زعامة العالم اقتصادياً وسياسياً في مرمى وعين الجميع، إلا أنه هذه المرة يخرج عن نطاق الصورة القديمة التي كانت تتم عبر وسائل مثل الحروب والإستعمار والدمار. فمع وصول العالم إلى حرفية إدارة الصراعات بين أطرافه الكبرى والسعي نحو تجنب الخيارات العسكرية، كان الصراع الإقتصادي هو الميدان الذي يمارس فيه اللاعبون الرئيسيون مخططاتهم. وقد ظل الحديث عن الخروج من النظام المالي العالمي أو إرساء قواعد جديدة لنظام الحالي أو حتى إعادة تشكيله بما ينم عن تولد قوى جديدة أمر ليس بالجديد، إلا أن الجديد هو وجود قوى فعلية على أرض الواقع تستطيع أن تغير من قواعد اللعبة وتجذب نحوها أطرافاً عدة.
من المؤكد أن طرح فكرة الخروج من عباءة النظام المالي الدولية بشقيه المصرفي والنقدي، لم يعد حديثاً فارغاً، بل تجسد في شكل خطوات سريعة ومتنامية بما يمثل سحب البساط من تحت أقدام القيادة الحالية التي أساءت إستخدام هذه القيادة ووجهتها نحو مصالحها الفردية فقط، دونما أي إعتبار للآخرين.
أهداف وأفكار
ركزت القمة البريكس، في دورتها الأخيرة، على التعاون في مجال العلوم والتنكنولوجيا والإبتكار، كما درست مشاريع تحفيز الإقتصاد الرقمي وتمويل الأنشطة الإنتاجية، إضافة إلى سُبل مكافحة الأنشطة غير المشروعة.
وفي لفتة عملية نحو البرازيل، أعلن التكتل نيته إنشاء مكتب إقليمي تابعٍ لـ “بنك البريكس”، في ساوباولو، تنحصر مهامه في تمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة للدول الأعضاء. فلقد رفعت القمة شعار “النمو الإقتصادي لمستقبل إبتكاري”، ومن أولويات الدولة المضيفة لهذه القمة هو التعاون العلمي والتكنولوجي والإبتكاري والإقتصاد الرقمي، إذ أصبحت تجمع قادة المجموعة ملفات كثيرة بعد أن زاد حجم التبادل التجاري بينها أكثر من 4 مرات، خلال الأعوام العشرة المنصرمة، لكن الملفات التي تبقى الأكثر إلحاحاً هي تلك المتعلقة بالتوتر المستمر بين الغرب والشرق.
في هذا السياق، يقول العضو في الأكاديمية الروسية للعلوم الطبيعية، قسطنطين سوكولوف “إن تشكيل القمة ليس صدفة فهو رداً على النظام العالمي الذي بنته الكتلة الأنغلو- ساكسونية متمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، إذ أن فكرة الهيمنة العالمية بدأت تتراجع أمام النظام العالمي الجديد، لذلك فإن من أولويات قمة البريكس الحالية والمقبلة مكافحة الجريمة المنظمة وتعزيز التنمية بين هذه الدول، والعمل على ضمان الأمن الدولي.”
من هنا، إن إنتقال مراكز النفوذ السياسي في العالم من منطقة الأورو – أطلسية إلى مناطق أخرى هي نتيجة للعولمة التي غيرت بوصلة توجهات كثير من الدول، وبخاصة النامية منها، لبناء تحالفات جديدة تضمن لها الإستقرار الإقتصادي والسياسي.
نظام جديد
لقد أصبحت مجموعة “البريكس” جذابة بعد أن حققت نجاحات كبيرة على صعيد الإستثمارات وإستخدام موارد “بنك البريكس الإنمائي”، المبني على تنسيق المنظومة المالية داخل المجموعة والدفع بالعملات الوطنية، إذ أن هذا المسار ذو آفاق واعدة بعد الصراعات التي إفتعلتها الولايات المتحدة ودفعها ببعض الدول إلى الدخول في حرب تجارية، كما هو الحال مع الصين.
من هنا، أعلن رئيس الصندوق الإستثماري الروسي، كيريل دميترييف، أنه “يمكن إنشاء نظام دفع واحد في إطار مجموعة بريكس، نظام دفع بريكس سيعمل بكفاءة وسيكون قادر على تحفيز التسويات بالعملات الوطنية وضمان استقرار التعاملات والإستثمارات بين الدول الأعضاء في البريكس، والتي تشكل أكثر من 20% من التدفق العالمي للاستثمار الأجنبي المباشر”، مضيفاً أن “الهدف الرئيسي من هذا النظام تبسيط التسويات المتبادلة بين دول البريكس، وهذا قد يساعد في تسريع وتبسيط التسويات المتبادلة، وانه سيؤثر على الدولار، ولكن ربما سيتم استخدام الدولار في هذه التعاملات.”
أخيراً، إن مجموعة “البريكس” تواجه العديد من التحديات الأساسية الداخلية، بعد تغير التوجه البرازيلي فيها، والدولية، لجهة الأزمات التي يمر بها العالم خصوصاً الحرب التجارية. فبالنسبة لدول العالم النامية والتي يعاني من سياسة واشنطن، فإنها ترى بأن المجموعة قد تكون “خشبة الخلاص” لها، بمن فيها الدول القريبة من الولايات المتحدة، وأبرزها تركيا التي أعلن رئيسها، رجب طيب أردوغان، بأنه من الممكن أن يصبح إسم المجموعة “بريكست” بدلاً من “بريكس”، أي بزياة حرف التاء في إشارة إلى إسم بلاده.
مصدر الأخبار: سيتا+ وكالات.
مصدر الصور: جريدة قاسيون.
موضوع ذو صلة: “بريكس – إفريقيا”: نحو تعددية قطبية “تجارية”.. على قاعدة “الدولار”؟!