حسين الموسوي*
من الخطأ اعتبار اليمين المتطرف حالة جديدة في التاريخين الغربي والأوروبي، لكن من الأصح القول إن اجتماع “مايفير”، في العام 2018، هو الذي أسس للإطار السياسي والتنظيمي الحديث لليمين المتطرف في أوروبا، ومنه إلى الغرب.
فمشروع “الحركة”، الذي أسسه ستيف بانون، له ثلاثة أبعاد إجتماعية وسياسية وأمنية.
الأبعاد الإجتماعية
- يراهن بانون، ورفاقه من اليمين المتطرف الأوروبي، على مشاعر الكراهية المتزايدة لدى المجتمعات الأوروبية، خاصة تلك التي رسمت لنفسها صورة السلمية، كما في ألمانيا وفرنسا والدول الإسكندنافية، وهذه الكراهية تفاعلت وتزايدت خلال السنوات العشر الأخيرة حين بدأت الجماعات الإرهابية، في منطقة الشرق الأوسط، بنشر نماذج القتل والعنف المبنية على نظرية الإلغاء على مساحة المنطقة، من سوريا إلى العراق وليبيا وبدرجة أقل في مصر ولبنان.
- هذه المنهجية في تأطير المجتمعات الأوروبية تحت عنوان كراهية الأديان ونظرية “الآخر”، استغلت لأبعد الحدود كأسلوب للتركيز على توصيف الجماعات الإرهابية بعنوان ديني مثل “الإسلام الراديكالي”، كما يروج الرئيس الأميركي دونالد ترامب. بالتالي، إن استخدام هذا التوصيف لإثارة مشاعر الكراهية لدى المجتمعات الأوروبية والتي لا يجب أن تستثني أحداً يحمل هوية هذا التوصيف.
- في هذا السياق، لا بد من ذكر حادثة الهجوم على مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية، العام 2015. المجلة بررت نشر رسوم مسيئة للنبي محمد بأنها تنشر حقيقة ما تراه من المسلمين، أو من تسميهم مسلمين مثل تنظيمات “داعش” و”النصرة” وغيرها، لكنها لم تلتفت إلى المكونات المسلمة في كل أوروبا والتي اندمجت بشكل لا بأس فيه ضمن مجتمعاتها، وتساهم في كل مجالات الحياة داخلها. هذا يدل على أن هذه الأطراف تتعمد التركيز على الجماعات الإرهابية بأنها مسلمة لإستغلال ذلك في إثارة الأفكار اليمينية المتطرفة. وأبرز الأمثلة على ذلك، شهدت فرنسا 50 عملاً عنصرياً ضد المسلمين، بعد خمسة أيام من الحادثة، ما عدا العاصمة باريس، بينما في العام السابق كله، اي 2014، شهد 110 عملية عنصرية ضد المسلمين.
الأبعاد السياسية
البعد السياسي يحتوي على خطورة بالغة، فمشروع الحركة، وعرابه بانون، يهدف إلى الإستيلاء على أوروبا بكل ما للكلمة من معنى، من خلال:
- إيصال الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى البرلمانات والحكومات في الدول الأوروبية، مثل دول كألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبلغاريا والنمسا والسويد وبلجيكا. لكن الملفت في هذه العملية هو التركيز على المطالبة بتسلم هذه الأحزاب وزارة الداخلية، مع حساسيتها وارتباطها بالشارع بشكل مباشر، والإيطالي ماتيو سالفيني أوضح مثال على ذلك.
- غزو الإتحاد الأوروبي، وهو هدف حدده ستيف بانون بنفسه. فكل شيء سيبرز للعلن في مايو/أيار من العام 2019، أي موعد انتخابات البرلمان الأوروبي “حين نسود حرفياً الإتحاد الأوروبي”، والكلام لبانون. أن حصول الأحزاب اليمينية على أغلبية معينة أو مقاعد أكثر من قبل في البرلمان يعني بدء عملية تفكيكه من الداخل. ولهذا المشروع أهمية بالغة لدى بانون وحركته لدرجة أنه جعل مقر “الحركة” التي أسسها اجتماع “مايفير” في بروكسيل عاصمة الإتحاد نفسه.
إن الخطورة الإستراتيجية السياسية لليمين المتطرف بشكله الحديث أثارت حفيظة قادة الإتحاد، حيث لم يخف رئيس البرلمان الأوروبي، انطونيو تاجاني، امتعاضه من تحركات بانون في “القارة العجوز”، ورده عليه كان “عد إلى منزلك.. إذا أردت أن تكون سائحاً في أوروبا تصرف كسائح.. لكن من الأفضل لك أن تبقى هادئاً”. أما النائب في البرلمان الأوروبي، أنطونيو لوبيز استوريز، فوصف بانون بـ “المتطرف الخطر” و”الإيديولوجي العار” الذي يحاول تدمير أوروبا بالقومية الرخيصة.
الأبعاد الأمنية
يعد البعد الأمني النتيجة الطبيعية للبعدين السياسي والإجتماعي لحركة اليمين المتطرف في أوروبا حيث يكشف الصحفي الإستقصائي الأميركي، وين مادسن، أن بانون وفريقه اليميني يدرب ما أسماهم “بريفيكيون جدد،”، في إشارة إلى اندرس بريفيك مرتكب مجزرة أوتايا النرويجية. وهؤلاء سيكونون نماذج عن برينتون تارانت، منفذ مجزرة نيوزيلندا.
لقد أشار تقرير مادسن إلى أن بانون يدرب هؤلاء في دير قديم على بعد ساعة من العاصمة الإيطالية روما، والتدريب يجري تحت حماية قوات الجيش في مالطا. والهدف من هذا المشروع تخريج مجموعات في الواقع لن تكون مختلفة عن المجموعات التي التحقت بتنظيم “داعش” في الشرق الأوسط. لكن هذه المجموعات “البانونية” ستنشط في أوروبا والغرب، وستكون غايتها الأساسية، وبحسب نظرية “الإستبدال العظيم”، استهداف أي شخص غير أوروبي أو أبيض. لكن الأخطر من كل ذلك هو إذا ما أصبحت أهداف هؤلاء أي شخص غير مسيحي، ما يعني بداية النهاية لما يسمى بـ “الديمقراطية الأوروبية”.
*باحث لبناني زميل
مصدر الصورة: سي.إن.إن عربي.