تعريب وتعليق: مركز سيتا
يروي جو كيروين، الكاتب الأمريكي المقيم ببلجيكا في مقال بعنوان “إنسحاب العقوبات الأمريكية لخط أنابيب نورد ستريم 2 على شهر العسل بين بايدن والإتحاد الأوروبي”، عن أزمة الغاز التي وقعت بين روسيا وأوكرانيا، العام 2009 والتي تدخل الإتحاد كحكم فيها، وكيف أصبحت هذه المادة الطبيعية “سلاحاً سياسياً” بيد الرئيس فلاديمير بوتين.
لا شك أن هذا الخط يعتبر أحد “التهديدات” التي تواجه سياسات واشنطن الطاقوية، بحسب وجهة نظر مسؤوليها، حيث أنها ترى بأوروبا سوقاً حصرياً لغازها المستقبلي، فهي تريد أن تمنع أية دولة من الإستفادة منه، وهنا الحديث يتمحور بشكل رئيس على موسكو.
في هذا الشأن، يشير الكاتب إلى القانون الأمريكي المطبق خارج الإقليم، الصادر في العام 2019 والذي تم تفعيله العام 2020، أنه يشمل مصادرة الأصول وعدم القدرة على دخول الأسواق المالية. لذا، تسعى الشركات الأوروبية جاهدة من أجل تبني سياسة موحدة لمواجهة العقوبات الإقتصادية التي قد تتعرض لها من جراء مشاركتها في هذا المشروع، الذي إكتمل منه ما نسبته 80%، وأبرزها “شل” الهولندية و”إنجي” الفرنسية، و”وينترشال” الألمانية وغيرها التي ستتكبد خسائر بمئات الملايين من اليورو حال عدم إنجاز العمل.
من جهتنا، أشرنا ضمن مقال نشر على موقع المركز، بعنوان “نورد ستريم 2.. عندما تريد أمريكا أن تقرر مستقبل الطاقة في أوروبا“، إلى أن عدداً من الشركات الأوروبية تعرض للعقوبات بسبب هذا القانون.
من هنا، يقول كيروين أن هناك “آمال كبيرة” لدى العديد من الدول الأوروبية بأن يقوم الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، بإلغاء العقوبات على خط “السيل الشمالي 2″، التي إقترحتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب ووافق عليها الكونغرس الأمريكي، خصوصاً بعدما أعلن أن إستعادة التحالف عبر الأطلسي ستكون “مهمة فورية”.
ولمعرفة كيفية تعامل الرئيس الجديد، بحسب الكاتب، مع تلك العقوبات يجب التذكير هنا بالمرة الأخيرة التي حضر فيها رئيس أمريكي مجلساً أوروبياً، وقد حدث ذلك العام 2014 عندما زار الرئيس الأسبق، باراك أوباما، مبنى “جوستوس ليبسيوس” حيث قضى يومه بالتساؤل حول متى ستقوم الولايات المتحدة بتعزيز صادراتها من الغاز إلى الإتحاد الأوروبي للمساهمة في كسر إحتكار “غازبروم” للأسعار، وتهديدات الرئيس بوتين المستمرة بقطع الغاز.
ولكي نقيم بعض التوازن هنا، يُذكر أن القيادات الروسية، سواء في زمن الإتحاد السوفياتي أو الإتحاد الروسي، دائماً ما تكرر بأن الغاز لن يكون يوماً سلاحاً جيوبوليتيكياً سواء في مواجهة أوروبا أم غيرها. في المقابل، ليس هناك ما يمنع من قيام الشركات الروسية بتحديد الأسعار خصوصاً وأنها لا تواجه أية منافسة حقيقية من أجل كسرها أو حتى تعديلها.
بالعودة إلى مقال الكاتب، فإنه يعتبر أن مناشدات الإتحاد الأوروبي لإستيراد الغاز الأمريكي تم نسيانها؛ من هنا، يصر السياسيون الأوروبيون وروسيا على أن هذه العقوبات تقع ضمن “تكتيك قوي لإجبار أوروبا على إستيراد الغاز الأمريكي نفسه الذي كانوا يتوسلون للحصول عليه منذ ست سنوات.”
أيضاً، يشير كيروين إلى مسألة مهمة وهي أن بعض المراقبين قد يشكون بأن الرئيس ترامب كان ليستخدم السياسة الخارجية والعقوبات التجارية بشكل “فظ” لإفادة الشركات الأمريكية، لكن الحال مختلف بالنسبة إلى “السيل الشمالي 2” حيث يتعلق بالأمن الدفاعي لأوروبا؛ فإعتماد الأخيرة بشكل أكبر على الغاز الروسي، سيقوض الأمن الأوروبي، الذي يعتمد على واشنطن من خلال حلف الناتو، بشكل كبير.
هذا الأمر، يحمل الكثير من الحقيقة حيث أن دول الإتحاد الأوروبي لا تزال تعتمد على الحلف من أجل حمايتها إذ أنها لم تستطع حتى اليوم، وعلى الرغم من المبادرات والإقتراحات العديدة، أن تضمن أمنها بمفردها دون مساعدة أو تدخل من الولايات المتحدة، كإنشاء جيش أوروبي بجانب الناتو أو من دونه.
في موضوع الأمن، يقول الكاتب أن هناك عدد من القضايا لا يختلف الحزبان الجمهوري والديمقراطي عليها بالنسبة للإتحاد الأوروبي، لكن فشل بعض دوله في تلبية متطلبات الإنفاق الدفاعي لحلف الناتو ليس من بينها، بل أن هناك مواضيع أخرى متعلقة بالأمن كانت تعد مصدر قلق منذ زمن إدارة أوباما – بايدن والتي لم يبددها الأوروبيون، أبرزها الجهود الروسية لتقويض الديمقراطية في كل من واشنطن وبروكسل، ذاكراً لعدد من الأمثلة مثل الإختراقات السبرانية الروسية لأجهزة الحكومة الفيدرالية والأزمة الأوكرانية؛ بالتالي، إن الرئيس بايدن لن يقوم بأي عمل من شأنه أن يظهر على أنه “إسترضاء لبوتين”.
هنا، نلاحظ أن الرئيس بايدن لا يتوافق مع الرئيس ترامب بالنسبة إلى الرئيس الروسي، حيث يريد الأول أن يضع نوعاً من الضوابط إن لم نقل الضغوط، في حين كان الثاني “منبهراً” بشخصية الرئيس بوتين.
وفي قراءة لفقرات المقال، يشير كيروين إلى وجود إعتبارات مهمة أخرى تؤثر على تأثر خط الغاز هذا لا سيما تلك المتعلقة بالتغير المناخي، وهو ما يهم أوروبا أيضاً خصوصاً وأن قادة الإتحاد قد وافقوا، قبل أسابيع، على تسريع الخطط للوصول إلى انبعاثات خالية من الكربون بحلول العام 2050، بالإضافة إلى أن الكثير من الناشطين البيئيين يرون بأن “السيل الشمالي 2” لن يقوض أهداف الحد من الكربون فقط بل يتعارض مع تشريعات مشاريع أوروبا للتمويل المستدام التي يجري تنفيذها الآن.
يأتي ذلك في وقت ينحو فيه الرئيس بايدن جدياً تجاه الوقوف بوجه المشاريع التي تتسبب بتغير المناخ، حيث لم يقتصر الأمر على قراره بالعودة إلى إتفاقية “باريس” للمناخ، بل أيضاً قام بإلغاء خط “كيستون إكس.إل”، الذي تبلغ تكلفته 9 مليارات دولار والمصمم لنقل النفط من غرب كندا إلى الموانئ والمصافي جنوب الولايات المتحدة.
من وجهة نظرنا، هذه الخطوات تأتي معاكسة تماماً لسياسات سلفه، حيث شجع الرئيس ترامب على إنماء صناعة النفط، وأمر بإعطاء تراخيص عديدة للحفر والتنقيب، وزاد من مساعدته لشركات الطاقة الأمريكية.
وفيما يخص المقال، يشير الكاتب أن التساؤلات ستزداد خلال الأشهر المقبلة حول الخسائر المالية التي ستتكبدها الشركات الأوروبية بسبب العقوبات؛ لذا، على المفوضية الأوروبية أن تقرر إذا ما كانت تريد إتباع تدابير مضادة للقانون الأمريكي أم لا. أيضاً، يتطرق الكاتب إلى ألمانيا، خصوصاً مع وقوع برلين على آخر الخط، متسائلاً إذا ما كانت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ستصر على الرئيس بايدن لسحب العقوبات الخارجية.
هنا، يطرح كيروين عدداً من الأسئلة، أبرزها: في حال فشل ذلك، هل ستكون هذه نهاية شهر العسل بين بايدن والإتحاد الأوروبي؟ هل سيجعل سلوك الرئيس بوتين من المستحيل سياسياً على المفوضية الأوروبية، وكذلك ألمانيا، مواجهة الولايات المتحدة والسماح بإستكمال خط الأنابيب؟ هل سيسمح لشركة “غازبروم” بالوفاء بتعهداتها بإنهاء الخط إذا إنسحبت جميع الشركات الأوروبية؟ وفي حال إكتماله، هل ستصبح الشركة “ديناصور” الوقود الأحفوري؟
ينهي الكاتب مقاله بالقول إنه إذا قرر الرئيس بايدن عدم السير بسياسة فرض العقوبات، فإنه بذلك سيكون قد قدّم خدمة للإتحاد الأوروبي وألمانيا بعدم إلغاء مشروع “السيل الشمالي – 2” الذي ما كان يجب أن يحصل على الضوء الأخضر منذ البداية.
المصدر: The Brussels Times.
مصدر الصور: New Europe – روسيا اليوم.
موضوع ذا صلة: بابيتش: روسيا ستدافع عن حدودها مع البلطيق.. ومصير “السيل الشمالي 2” تحدده برلين