يارا انبيعة
للمرة الثالثة في عهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يحبس العالم أنفاسه ويبدو مشدوهاً أمام الإنحدار نحو شفير هاوية حرب نووية قد تتدحرج لتتهدد البشرية جمعاء، بدءاً من كوريا الشمالية مروراً بفنزويلا وصولاً الى إيران، ولكن سرعان ما تبددت لهجة الوعيد ونذر الويل والثبور لتعيد إدارة الرئيس ترامب حساباتها وتتراجع قبل الدوس على الخط الأحمر.
فلقد اتضح “ارتباك” المؤسسة الحاكمة في واشنطن من خلال التظاهر بأنها تمنح المسار الديبلوماسي فرصة بعد تخلي معظم حلفائها الرئيسيين في حلف الناتو، لا سيما بريطانيا، اضافة الى سحب كل من ألمانيا وأسبانيا وهولندا لجزء من تواجدها العسكري ضمن قوات الناتو في الخليج، وباشرت التراجع والإستدارة بعد موجة الإعتراض والتنديد الداخلية في الكونغرس على خطواتها في التصعيد العسكري أحدثها بعض ما جرى من مشاورات في مجلس الأمن القومي، 15 مايو/أيار 2019، ومناقشة عدة خطط.
تهدديد متصاعد
أعلن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، أن الوزير مايك بومبيو أطلع مسؤولين من حلف شمال الأطلسي – الناتو، على تفاصيل بشأن التهديدات الإيرانية الأخيرة. وقال بريان هوك، الممثل الخاص بشأن إيران، انها “تمثل تهديداً متصاعداً”، وبدا أن هذه زيارة تأتي في توقيت مناسب وهو في طريقه لسوتشي. وتابع هوك بالقول ان الوزير بومبيو “كان يريد إطلاع المسؤولين في الناتو على بعض التفاصيل وراء ما نقوله في العلن، نعتقد أنه يجب على إيران أن تجرب المحادثات بدلاً من التهديدات، كان اختيارهم سيئاً بالتركيز على التهديدات.”
اضافة الى ذلك، بحث بومبيو وهوك، في بروكسل، عمليات التخريب الذي تعرضت لها 4 سفن قبالة الفجيرة في الإمارات، وعند سؤاله إن كان يلقي باللوم على إيران في هذا الهجوم، رفض هوك التعليق.
محاولات جامدة
عززت واشنطن سعيها على الجبهتين، الديبلوماسية والعسكرية، حيث واكبها لقاء رفيع المستوى بين وزير الخارجية الأميركي وكل من نظيره الروسي، سيرغي لافروف، والرئيس الروسي، فلاديمر بوتين، تمهيداً للقاء القمة بين الرئيسن الأمريكي والروسي، اثناء القمة الصناعية في اليابان نهاية شهر يونيو/حزيران2019، في وقت استقبل فيه الرئيس ترامب نظيره السويسري معلناً انه يود وساطته مع إيران.
على الطرف المقابل، شدد المرشد الأعلى، علي خامنئي، على تصميم بلاده عدم التفاوض على ترسانتها من الصواريخ الباليستية، 24 مارس/آذار 2019، وتكرار الموقف عينه قبل عام بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى طهران لإستمزاج توجهها حول مصير الإتفاق النووي بعد انسحاب واشنطن منه.
بعض المقربين من صناع القرار في واشنطن أعربوا عن اعتقادهم بأن التصريحات العلنية المتبادلة، بين واشنطن وطهران حول شروط التفاوض، تشير إلى أن هناك قنوات اتصال غير مباشرة تجري بعيداً عن الأضواء محورها إعادة النظر في الإتفاق النووي بشروط معلنة تمنح الرئيس ترامب تعديلات يمكنها تسويقها داخلياً، وتغطي تراجعه عن ذروة التصعيد العسكري مما يتيح لإيران القول انها حققت إنجازاً ملموساً، أي معادلة “رابح – رابح” للطرفين.
ولكن هذه المحاولات لا تبدو أنها قابلة لإحداث أي اختراق طالما ان العقوبات الأميركية مستمرة، وهي حالة مشابهة عملياً لمأزق الرئيس ترامب في إمكانية استئناف التفاوض مع كوريا الشمالية.
ناتو “سني”
وفيما يخص التوتر القائم بين إيران والولايات المتحدة وما إذا كان سيتحول إلى مواجهة عسكرية، يشير بعض المحللين انه عندما تنشر احدى الصحف الخليجية موافقة المملكة العربية السعودية، وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي، على طلب الولايات المتحدة بإعادة انتشار قوات عسكرية، برية وبحرية، في منطقة الخليج ضمن اتفاقية ثنائية فإن هذا التسريب يجب أخذه بكل جدية لأنه لا يمكن أن يكون إلا متعمداً ومن أعلى الجهات الرسمية في الرياض.
كذلك، يبدو ان الأهم من ذلك كله ما اكدت عليه المعلومات لجهة عقد قمة عربية محدودة، على هامش القمة الإسلامية في مكة المكرمة، مما يعني أن الحاضرين من الزعماء العرب، الذين من المفترض أن يشاركوا في القمة، سيدشنون أول اجتماع رسمي، وعلى هذا المستوى، لحلف “الناتو العربي السني”، بهدف التحضير لأية حرب يمكن أن تشنها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران.
من هنا، يبرز التساؤل التالي: إذا كان الرئيس ترامب والمرشد الخامنئي قد أكدا أنهما لا يريدان الحرب ولا يسعيان إليها، إذا كان الحال كذلك فمن يريدها إذا؟ الجواب يكمن في وجود ثلاث جهات تريد هذه الحرب؛ الأُولى أمريكية وتضم صقور الإدارة مثل مايك بومبيو وجون بولتون وجاريد كوشنر، والثانية عربية تضم السعودية والإمارات، والثالثة هي إسرائيل.
في المقابل، يشير بعض المحللين بأن قرار الموافقة الخليجية على إعادة انتشار القوات الأمريكية يعكس متانة وقوة التحالف الإستراتيجي بين واشنطن ودول المنطقة حيث جاء هذا الإنتشار “كأداة أو وسيلة ورد فعل لمواجهة ومجابهة السلوكيات الإيرانية التي لم تتعدل أو تتبدل خلال العقود الأربعة المنصرمة، والتي أفرزت نتيجة مؤكدة، وهي أن إيران نظام يتسم بالجمود الأرثوذكسي السياسي المتحجر والمتكلس، وملالي يعيشون عصور السكولائية الإجترارية، ولا يقدرون أو يرغبون في مقاومتها، أو الخروج من جحورها. ولهذا لا وسيلة لهم في التعاطي مع العالم الخارجي إلا منطق القوة المجردة من القدرة على الفهم والحوار مع الآخر، ضمن معادلة الجميع فائز، وبعيداً عن فكرة منتصر واحد يهمين على كل الغنائم.”
كما يمكن النظر الى هذه الخطوة، بحسب الرأي المخالف، بأن هذا الأنتشار يعد رسالة للإيرانيين مفادها أن أدوات الردع العسكرية حاضرة، وأنها أصبحت حاجة استراتيجية ملحة، سيما بعد أن باتت المصالح الأمريكية والدولية باتت مهددة في تلك المنطقة.
تبدلات تقنية
عند البحث عن تبدلات الموقف الأميركي، من التصعيد الى المهادنة، تحضرنا بعض الجوانب التي دأب استراتيجيو البنتاغون على التحذير منها منذ زمن بعيد، ولم تحظ بالتغطية الإعلامية التي تستحقها، ولها علاقة في التطور وتقدم تقنيات الحروب التي لم تعد حصراً على ما تنتجه مراكز الإبتكارات العلمية الأميركية، لا سيما أن محور توجهها لا يزال يكمن في عقلية الحرب الباردة مواجهة قوى عظمى صاعدة.
اهتمام أقطاب التقنية الحربية الأميركية بما أقدمت عليه إيران من السعي لإكتفاء ذاتي، في المجالات العسكرية بالتحديد، هي حديثة العهد نسبياً، مع بداية العشرية الثانية من القرن الحالي، في مجالات الصواريخ الباليستية التي أضحت عناوين الساعة، وتقنية بحرية مضادة للغواصات تستند إلى قاعدة التكيف الخامل لأجهزة السونار Passive Sonar، وما رافقها من بناء زوارق حربية سريعة لتدعيم الترسانة البحرية الدفاعية.
وفي هذا السياق، حذرت مجلة أميركية تعنى بالشؤؤون العسكرية من تراجع تقنية “الشبح” الأميركية والتي تسبق كافة دول العالم الأخرى بعدة أجيال، أمام خصم يسعى للتماثل التقني مثل الصين وروسيا أو إيران لخاصية استثمارها في تقنيات مضادة زهيدة الثمن. وفي دراسة أعدتها جامعة الدفاع الوطنية، أكتوبر/تشرين أول العام 2009، تشاطرت الفكرة نفسها حيث جاء فيها “نظام التكيف الخامل للرادار والسونار لا يصدر طاقة أشعة الراديو التي يمكن استشعارها وتعقبها وبالإمكان تمويه مصدرها بفعالية، كما أنها لا تصدر أية مؤشرات لأجهزة إنذار رادار صديقة وتعسر مهام اكشافها واستهدافها.” أما مراكز أبحاث التقنية العسكرية الأميركية، فلقد أشارت ايضاً إلى الكم الهائل من الدراسات العلمية الإيرانية في مجال “استشعار السونار” في مياه الخليج، كدليل على مدى الأهمية التي توليها طهران تعزيز قدراتها الذاتية والتقدم الذي أحرزته في هذا المجال المتخصص استطاعت فيه احراز تقدم كبير في هذا المجال.
اخيراً، تطبيقاً لمقولة فيلسوف الحرب الصيني، سون تزو بأن “المعرفة تسبق النصر والجهل يسبق الهزيمة”، ليس من المستبعد توصل دوائر صنع القرار الأميركي، لا سيما المؤسسات العسكرية والإستخباراتية منها، إلى نتائج تفيد بأن إيران قد أحرزت تقدّماً نوعياً لا يمكن تجاهله في مجال التقنية الحربية في عرض البحر وما قد ينجم عن أيي مواجهة محتملة من أضرار تلحق بهيبة الترسانة الأميركية، فما الحرب إلا استمرار للسياسة بوسائل أخرى، وفق الإستراتيجي العسكري كلاوزفيتز.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: موقع 24 الإخباري – Venezuela Analysis – عربي 21.