حوار: سمر رضوان

 

شكلت الانتخابات الأوروبية موعدا مهما لكثير من السياسيين في أوروبا، وخصوصا الفرنسيين وعلى رأسهم الرئيس إيمانويل ماكرون، فمع ظهور النتائج الأولية تعالت أصوات اليمين معبرة عن تحقيق انتصار كبير فيها، بغض النظر عن النسب البسيطة التي حصل عليها.

ولفهم نتائج هذه الانتخابات، وملامحها المستقبلية على السياسات الأوروبية عموما، والفرنسية خصوصا، والموقف الأمريكي من صعود اليمين، سأل مركز “سيتا”، الأستاذ إيمانويل لو روا، الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي عن هذا الموضوع.

تداعيات فوز اليمين

لقد فقدت الأحزاب السياسية الكلاسيكية، سواء من اليمين أو اليسار على النطاق الأوروبي والفرنسي خصوصاً، شرعيتها. بإعتقادي، فهم الفرنسيون أخيراً أن هذه الأحزاب السياسية كذبت عليهم منذ عقود طويلة، إذ عملت على نشر إيديولوجية العولمة، إن كان لجهة فتح الحدود وحرية تنقل الأشخاص والسلع، لإعتقادها بأن تلك الخطوات سوف تؤدي إلى شيء من الحرية والرفاهية، لكن ما حصل هو الذهاب نحو الإنحدار والإنحطاط.

إن نظرة الأحزاب الكلاسيكية للعالم من خلال النظرة الليبرالية، أكانت من اليمين أم اليسار، وساروا في العلمنة ضمن رؤية حزب رئيس الجمهورية، إيمانويل ماكرون، لمصالح خاصة بهم، وهم في غالبيتهم من سكان المدن الذين تركوا الأحزاب الإشتراكية وأحزاب اليمين ليدعموا الرئيس ماكرون. لكن نسبة هؤلاء المستفيدين تقدر بحدود 22% من الفرنسيين في مقابل 78% من الشعب الذين يرفضون تلك الرؤية من بينهم مجموعة كبيرة من “الشعبويين” المتمثلة بحزب الجمعية الوطنية، برئاسة مارين لوبان.

وبالنسبة إلى ما حدث في الإنتخابات الأوروبية وتحديداً لجهة النتيجة التي حصلت عليها لوبان، يمكن القول بأنها رمزية ولكنها، في مكان آخر، تحصن من وضعية لوبان كأقوى حزب معارض ضد الفكر السياسي الحالي في فرنسا.

لكن بطبيعة الحال، لا أعتقد أن هناك أشياء فعلاً ستتغير من خلال نتيجة هذه الإنتخابات، خصوصاً بعدما أعلن كل من الرئيس الفرنسي ورئيس حكومته بأنهما لن يغيرا سياستهما الحالية مهما كانت النتائج، فهم ماضون في مشروعهم ولن يعدلوا عليه. فحتى لو بات حزب لوبان أقوى الأحزاب الفرنسية المعارضة، فيما لو حصل على نسبة تصويت عالية، يبقى بعيداً نوعاً ما عن القدرة على التأثير في السياسة العامة لكونه غير موجود فعلياً ضمن مفاصل الحكم، كالتنظيمات السياسية أو النقابية أو الإعلامية أو الإقتصادية أو المالية.

تحسس الخطر القادم

الملاحظة الأولى حول هذه الإنتخابات هي التصادم الجديد الذي يُرسم الآن في فرنسا، وأوروبا عموماً، بين الليبراليين العولميين و”الشعبويين”، وهو ما يبرهن بطريقة واضحة أن التباين بين التيارين، اليسار واليمين، قد انتهى ولم يعد له أي اعتبار. فاليوم المعركة هي ما بين من يريدون أن يكملوا بالسياسة الإقتصادية الليبرالية، أي فتح الأسواق والحدود، والذين يريدون إنهاء هذه الرؤية بأسرع وقت ممكن.

اليوم، الرئيس ماكرون يتبع نفس الإستراتيجية التي اتبعها خلال الإنتخابات الرئاسية ضد لوبان حين حملها مسؤولية الكثير من الأخطاء واتهامها بأنها من “اليمين المتطرف”، مراهناً أنه وبتلك السياسة سيفوز مجدداً بالإنتخابات الرئاسية القادمة، ولكن لا شيء يؤكد أن حزبه السياسي سيكون فاعلاً وصلباً ومتمكنا في العام 2022 وخصوصاً إذا أكمل الرئيس ماكرون في سياسته التي تقوم على بيع القطاعات المنتجة بثمن بخس للأمريكيين، مثل قطاع الصناعة.

أما بالنسبة إلى نتيجة الإنتخابات وتداعياتها على أوروبا ككل، أعتقد بأنها لن تؤدي إلى انهيار الإتحاد الأوروبي، على المدى القريب على الأقل. وعلى الرغم من أن أكثرية الأحزاب الأوروبية باتت قديمة وتعاني من تراجع كبير، إلا أنها لا تزال تمتلك مواقع مهيمنة ضمن منظومة الإتحاد تستطيع من خلالها العمل على خلخلة المنظومات السياسية والإقتصادية وإعادة تموضعها ضمن البوتقة الليبرالية، وهو ما يفعلونه منذ سنوات، إذ أنهم يعرفون كيف ينشئون التحالفات الضرورية لتأمين النجاح لمشاريعهم.

من هنا، يحاول “الشعبويون”، في بروكسل، التكتل على بعضهم البعض كي يواجهوا تلك السياسات، أو بالحد الأدنى المحاولة للحد من تأثيراتها، وإرباك عمل المجموعة الأوروبية. لكنهم لن يستطيعوا فرض رؤيتهم خصوصاً في مواضيع مهمة، كالهجرة والليبرالية الإقتصادية. بالنتيجة، أعتقد بأن الإتحاد الأوروبي لن ينهار لكنه سيتأثر كثيراً.

سقوط الاحزاب اليسارية

مرة جديدة، تبرهن الشعوب الأوروبية أنها تستيقظ سياسياً من خلال إعطائها الأكثرية للأحزاب “الشعبوية”، لكن هذه اليقظة ليست كافية في الوقت الراهن لكي تقلب موازين القوى والمعادلات، إذ يلزمنا الكثير من الوقت والجهد لكي تفهم هذه الشعوب حقاً أن الغرض من إنشاء الإتحاد الأوروبي لم يكن هدفه توفير السعادة لهم والعيش الكريم، لكنه نشأ من خلال تضافر بعض القوى الأطلسية لكي يمنع قيام البلوك الأوراسي والذي سيشكل كابوساً حقيقياً للولايات المتحدة.

الموقف الأمريكي

يجب البحث عن أية ولايات متحدة نتكلم. هل الولايات المتحدة “ترامب” ام الولايات المتحدة “العميقة”؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال، اعتقد أنه من الضروري أن نحدد فكرتنا. إن وصول الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى الحكم كان بمثابة ردة فعل “شعبوية” بوجه من احتكروا العولمة الإقتصادية إذ كانت هنا معركة قاسية ما بينه وما بين المرشحة هيلاري كلينتون.

في بادئ الأمر، فاز الرئيس ترامب بالإنتخابات ولكن ما هو واضح للعيان؛ ومع الوقت، فرضت عليه الكثير من الأمور من قبل بعض المؤسسات والأشخاص في الدولة، أمثال جون بولتون (المنتمي بالعلن إلى المحافظين الجدد) الذي يرفض رفضاً تاماً قيام أي مشروع “قومي” يأتي من البيت الأبيض. لكن ما هو بديهي أن رؤية جون بولتون ومايك بومبيو، وزير الخارجية، تكمن في المحافظة على بقاء الإتحاد الأوروبي بالحالة التي كان عليها إبان حكم الرئيس السابق، باراك أوباما، ما يعني العمل على تفكيك الأمم ومحي الحدود من أجل إيجاد حكم عالمي في آخر المطاف.

في المقابل، قد تكون مشاريع الرئيس ترامب مغايرة بعض الشيء لمشاريعهم لأنه يوجه أنظاره نحو استعادة الولايات المتحدة القوة التي كانت تمتلكها سابقاً (1991 – 2000). لكن من المعقول أيضاً أن يكون لدى الرئيس ترامب إستراتيجية أخرى هدفها لعب بالورقة الأوروبية من خلال “أوروبا الأمم” وليس الحالية بشرط أن تبقى تلك الأمم ضعيفة وخاضعة خضوعاً كاملاً لواشنطن، ومن الممكن أن تكون تلك الفكرة هي هدف ستيف بانون، المستشار السابق للرئيس ترامب، الذي أُرسل إلى أوروبا لوضع إستراتيجية تتناقض مع إستراتيجية سوروس وحلفائه الأوروبيين.

أما عمن سينتصر بالإستراتيجيتين التي عرضتهما سابقاً، فبدو أن أوروبا ستظل خاضعة للإيديولوجية الإقتصادية الإنغلو – سكسونية وهذه أمر سيء جداً، ليس فقط لأوروبا بل للعالم كله. فما الذي نستطيع أن نتأمله اليوم أكان في الشرق الأوسط أو في أوروبا أو في العالم أجمع، هو أن الشعوب بدأت تعلم الطريقة التي من خلالها يحتكر الأنغلو – سكسون العالم، ويستولون على كل قطاع اقتصادي عبر البنوك المركزية.

ختاماً، طالما أن تلك السياسيات باقية ولم تهزم، فإن العالم سيشهد الكثير من الصراعات والأزمات في المستقبل، كتلك الحروب التي ضربت لبنان في القرن الماضي وتضرب سوريا اليوم.

مصدر الصور: العربي الجديد – سي.إن.إن عربية.