يارا انبيعة
منذ وصوله إلى السلطة في العام 2018، حاول رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، قيادة الإصلاحات السياسية من أجل إعادة فتح البلاد التي كانت معزولة، وتضم نحو 100 مليون نسمة، حيث أطلق آبي سراح السجناء السياسيين، ورفع الحظر عن الأحزاب السياسية، وحاكم المسؤولين المتهمين بإرتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، لكن حكومته ما زالت تواجه عنفاً متصاعداً.
ففي الوقت الذي كان يبحث فيه رئيس الوزراء عن حل للأزمة التي يشهدها جاره السودان، كانت هناك أذرع خفية تتحرك في هذا البلد الإفريقي من أجل تقويض حالة الإستقرار التي شهدتها البلاد مؤخراً، إذ وقعت محاولة انقلاب في ولاية أمهرة الواقعة على الحدود الشمالية للبلاد، 22 يونيو/حزيران 2019، في محاولة للسيطرة على الحكم في الولاية، التي تعد أحد الأقسام العرقية التسعة في إثيوبيا وتعد وطن الشعب الأمهري.
عودة الإضطرابات
عادت الإضطرابات لتضرب إثيوبيا من جديد، حيث شهدت البلاد يوماً مليئاً بالأحداث، حيث بدأ بمحاولة انقلابية في أمهرة، ثم محاولة اغتيال رئيس أركان الجيش في أديس أبابا (الذي قتل برصاص مرافقه الشخصي)، ثم قطع خدمات الإنترنت بأرجاء البلاد كافة، ما يعكس حالة انعدام الإستقرار السياسي.
هذا وقد أعلن مكتب رئيس الوزراء عن وقوع محاولة انقلاب منسقة ضدّ الحكومة المحلية في منطقة أمهرة، وأشار إلى أنّ حاكم المنطقة، أمباشو ميكونين وأحد مستشاريه، توفيا متأثرين بجروحهما التي أصيبا بها في هجوم قاده مدير الأمن، الجنرال أسامينو تسيجي.
وكانت المتحدثة بإسم الحكومة، بيلنيه سيوم، أوضحت أن فريق الإغتيال استهدف اجتماعاً لمسؤولين محليين كبار. وأشار بيان آخر إلى القبض على العديد، لافتاً إلى تواصل العمليات لإيقاف بقية أعضاء الفريق، في حين ذكرت مصادر أخرى أن مدير أمن المنطقة لا يزال هارباً.
دوافع إثنية أم تصفية حسابات؟
تمثل إثنية الأمهرة ثاني مجموعة في إثيوبيا بعد الأورومو، وكانتا خلف عامين من التظاهرات الكبيرة التي أدت إلى سقوط رئيس الوزراء هايلي مريم ديسالين، في العام 2018. ومنذ وصول أبي أحمد إلى السلطة، في أبريل/ نيسان 2018 وهو من الأورومو، يحاول إضفاء الطابع الديمقراطي على الحكم في البلاد، حيث قام بإصلاحات اقتصادية وسمح للمجموعات المنشقة بالعودة إلى البلاد، كما سعى للتصدي لإنتهاكات حقوق الإنسان، وأوقف عشرات المسؤولين العسكريين وفي أجهزة الاستخبارات، ويبقى الحدث الأبرز توقيعه اتفاق سلام مع إريتريا المجاورة، العدو القديم لإثيوبيا.
غير أن إضعاف القبضة الحديدية التي كانت تمسك بالبلاد، تسبب بإنطلاق موجة من الإضطرابات ذات طابع إثني على علاقة بحيازة الأراضي واستخدام الموارد. ويعيد العديد من المحللين ذلك إلى أسباب عدة من بينها إضعاف حكم ائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية، ومحاولة جماعات مختلفة استغلال الفرص الناتجة عن الإنتقال السياسي لفرض مصالحها.
الخبير في الشؤون الأفريقية، عطية عيسوي، يرى أن الأجواء في إثيوبيا ستظل متوترة لفترة قد تكون طويلة، وأن الأمر سيتوقف على طبيعة المحاولة الإنقلابية هل هي تصفية حسابات بين القادة أم أن وراءها دوافع عرقية في ضوء الصراع العرقية بين إقليمي أمهرة وإقليم تيجراي المجاور، وهو إقليم صغير لكنه إقليم نافذ وخرجت منه الثورة على منجستو هيلا مريام العام 1991.
واستبعد عيسوي أن يكون هدف المحاولة الإنقلابية الإطاحة برئيس الوزراء حيث أن المحاولة وقعت في أمهرة وليس ضمن أديس أبابا نفسها.
أما مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجة، أماني الطويل، فقالت إن الدوافع الإثنية ليست فقط الدافع وراء المحاولة الإنقلابية مشيرة إلى أن رئيس الوزراء، وبعد مجئيه إلى سدة الحكم، أقدم على عدد من الإجراءات داخل المؤسسات العسكرية والأمنية، منها إزاحة عناصر من بعض القوميات لصالح قوميات أخرى، مثل الأورومو.
وأشارت الطويل إلى أن آبي أحمد خصخص الشركات التابعة للقوات العسكرية الإثيوبية، بل اتهم بعض هذه الشركات بالفساد في العمليات الإنشائية لسد النهضة، لافتة إلى أن هذين القرارين تسببا في قدر كبير من الضرر لبعض العناصر، خصوصاً “أن أمهرة لديها حساسيات منذ قدوم آبي أحمد إلى السلطة، فأبناء أمهرة هم من تسيدوا الحكم في إثيوبيا لعشرات السنين.”
ومن جانبه، اعتبر الباحث في الشؤون الأفريقية، عبد المنعم سليمان، أن ما حدث يشكل بداية للتصدع الذي تقوم عليه الإئتلافات الحاكمة في إثيوبيا، وأن المحاولة الانقلابية بداية النهاية لهذا الائتلاف، ما بين الأورومو والأمهرة وهو في طريقه إلى الزوال.
وفي السياق، أكد أستاذ العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، الدكتور أيمن شبانة، أن الأهم هو إخماد هذا الإنقلاب في مهده قبل أن ينتقل إلى ولايات أخرى، لافتاً إلى أن الأوضاع ما زالت غير مستقرة.
وقد أشار شبانة إلى مسألة التهميش الذي تعانيه بعض القوميات الإثيوبية، وكذلك الصراعات الاثنية، بالإضافة إلى عناصر ليس من مصلحتها نجاح رئيس الوزراء آبي أحمد، لأنه قضى على مكتسباتها، حيث يرى بأن هدف المحاولة الانقلابية هو الإطاحة برئيس الوزراء، لافتاً إلى أن أمهرة أبناء الإقليم يرون بأن بساط السلطة قد سحب من تحتهم.
في هذا المجال بالتحديد، تهتم مصر كثيراً إلى ما يجري في البلاد خصوصاً لجهة نهر النيل وتدفقاته، حيث يعتبر ذلك من صميم الأمن القومي المائي للقاهرة، وأي تأثير على الوضع فيها قد يكون له انعكاسات سلبية مستقبلية عليها.
دور مشبوه
إن مقتل الجنرال أسامنيو تسيجيوكان، العقل المدبر للإنقلاب، أزال اللثام عن ملفات الأسلحة التي كانت تهرب إلى مدبري الإنقلاب في إثيوبيا، بعد أسابيع من طلب أديس أبابا من السودان رسمياً ضبط الحدود لوقف تهريب الأسلحة بين البلدين. لكن ما علاقة تركيا وقطر بالأمر؟
تحدثت تقارير إعلامية إثيوبية عن دخول شحنات من الأسلحة، بدعم من قطر وتركيا وجماعات مدرجة على قوائم الإرهاب الدولي، إلى أثيوبيا عن طريق الحدود السودانية لدعم الإنقلاب. جملة من التصريحات الأثيوبية الرسمية ترددت على مدار الأسابيع الماضية تسلط الضوء على شحنات الأسلحة تركية الصنع المضبوطة في أنحاء متفرقة من البلاد، قبل محاولة السلطات الأثيوبية السيطرة على حدود البلاد لوقف نزيف تهريب الأسلحة.
قبل ذلك بشهور، تحديداً في فبراير/شباط 2019، دخلت عمليات تهريب الأسلحة تركية الصنع إلى إثيوبيا مرحلة خطيرة، إذ تصاعدات تصريحات كبار المسؤولين في أديس أبابا بعد تزايد تهريب الأسلحة عبر السودان نحو جارتها الجنوبية، حيث قدم وزير الخارجية الإثيوبي، ورقنه جبيو، في تقريره عن أداء وزارته للأشهر الستة الماضية أمام البرلمان، تفاصيل عمليات تهريب الأسلحة، معلناً تقدم بلاده بطلب لحكومة السودان بتشديد الرقابة والسيطرة على تلك العمليات عبر الحدود المشتركة. ووصف جبيو التدفق المستمر لتهريب الأسلحة بـ “المقلق” خصوصاً أن مسألة تهريب الأسلحة تمت مناقشتها مع الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، خلال زيارته الأخيرة إلى أديس أبابا.
هذا وقد تمكنت الشرطة الفيدرالية في إثيوبيا، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، من وقف تهريب 1560 مسدساً و15 رشاشاً، بالإضافة إلى 5 قطع سلاح “كلاشينكوف”، وجميعها تركية الصنع.
ويرى مراقبون إثيوبيون أن تزايد تهريب الأسلحة إلى البلاد، في الآونة الأخيرة، يغذي الصراعات التي يثيرها مناوئو إصلاحات رئيس الوزراء، كما تساعد في إجهاض التغيرات التي تجريها الحكومة سياسياً واقتصادياً.
إلى ذلك، فقد كشف موقع “قطر يليكس”، المسؤول عن كشف الحقائق القطرية، بأن النظام القطري وقف وراء التخطيط لإغتيال رئيس وزراء إثيوبيا آبى أحمد، وجاء ذلك بعد فشل مخطط إشعال الفوضى في القرن الأفريقي، وخاصة بعد التقارب الإثيوبي مع الدول المقاطعة العربية لقطر.
هذا الأمر يراه العديد من المتابعين، وإن ثبتت صحته، بأنه “دفاع” تركي عما خسره في السودان من مصالح خصوصاً بعد أن “أقر” المجلس العسكري بولائه للرياض، وهو “إزعاج” قطري – تركي لمصر كونها تتأثر حكماً بما يجري في إثيوبيا، وتحديداً لجهة المياه كمت سبق وأشرنا.
ضبط النفس
أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن قلقه العميق إزاء الوضع في إثيوبيا، وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث بإسمه “إن الأمين العام يشعر بقلق عميق إزاء الأحداث الدموية، التي وقعت في عطلة نهاية الأسبوع في إثيوبيا”، مضيفاً أنه يدين هذه الأحداث ويدعو جميع الأطراف “إلى التحلي بضبط النفس ومنع العنف، وتجنب أي عمل يمكن أن يقوّض السلام والاستقرار في إثيوبيا”، مرحباً بإلتزام رئيس الوزراء والحكومة ضمان سوق مرتكبي هذه الأعمال أمام العدالة.
كما جدد غوتيريش التأكيد على أن الأمم المتحدة لا تزال ملتزمة بدعم حكومة إثيوبيا في جهودها لمواجهة التحديات المستمرة.
مصدر الأخبار: سيتا – وكالات
مصدر الصور: شبكة رصد الإخبارية – موقع عثمانلي.