يارا انبيعة
عادت جبهة البوليساريو إلى دق طبول الحرب والتلويح بحمل السلاح ضد المغرب بعدما قال زعيمها، إبراهيم غالي، إن الحرب قادمة مؤكداً “إن الحرب على المغرب محطة إجبارية لا مفر منها، ولم يبقَ إلا تحديد وقتها”، مشددًا على أن البوليساريو ستلجأ إلى التجنيد الإجباري من أجل حشد سكان مخيمات تندوف.
هذا التصريح التصعيدي لجبهة البوليساريو أثار الكثير من التساؤلات في المغرب حول مدى جدية مثل هذه التهديدات من عدمها.
إستنفار وتجنيد
بعد التصريحات الأخيرة لزعيم جبهة البوليساريو، قام الجنرال عبد الفتاح الوراق، قائد الجيش المغربي، بالإشراف على مناورات لفرقة سلاح الجو بالمناطق المتاخمة للجدار العازل استخدمت فيها أحدث طائرات سلاح الجو بينها مروحيات وطائرات مقاتلة.
كما أمر الجنرال الوراق بنشر فرق المشاة من الجيش على مناطق واسعة بأقصى الجنوب المغربي، ورفع حالة الإستنفار إلى الدرجة القصوى بعدد من الثكنات، إضافة إلى إلغاء العطل لدى بعض كبار الضباط بالقوات المسلحة الملكية تأهباً لأية حركة غير محسوبة من قوات البوليساريو.
محطة إجبارية
خلال اجتماع مع عدد من قادة الجبهة الإنفصالية، شدد غالي على “ضرورة العمل على دفعهم للتطوع استعدادا للمواجهة العسكرية الحتمية مع المغرب”، وأكد ضرورة الإستعداد للحرب القادمة من خلال فرض الخدمة العسكرية الإجبارية داخل المخيمات “فلم يعد التطوع كافياً، ونحن في حرب تحريرية والعدو لا يريد الإستسلام، هذا يجبرنا على اتخاذ إجراءات جذرية.”
كما أشار غالي إلى أن مسألة الخدمة العسكرية الإجبارية باتت تفرض نفسها و”هي التي ستسمح لنا بهزيمة العدو، وطرده من أراضينا وبناء دولتنا على أراضينا”، مضيفاً إن الحرب مع المغرب “محطة إجبارية، أين ومتى وكيف؟ هذا هو الباقي، هذه المحطة قطعاً إنها إجبارية، ولا يجب أن يشعر أي شخص بأنه غير معني بها، هذه المحطة لا مفر منها”، خصوصاً وأن المغرب “يواصل تعنته بدعم من قوى عظمى”، في إشارة منه إلى فرنسا، لا سيما وأن جهود مبعوثي الأمم المتحدة المتلاحقين قد باءت بالفشل، وهو ما يعطي انطباعاً بأن العملية لا تسير في الطريق الصحيح.
إنقلاب المواقف
يأتي خطاب غالي كنتيجة لتيقنه واستنتاجه بعدم واقعية خلق كيان جديد في المنطقة ورفض ذلك من منظور قناعة الدول الغربية والدول والعظمى، منها تلك التي تمتلك حق النقض – الفيتو، أو الدول من أصدقاء الصحراء، وهو الإستنتاج الذي صرح به الرئيس السابق لموريتانيا، محمد ولد عبد عزيز، في حوار صحافي له. هذه القناعة الراسخة، انعكست على محددات مجلس الأمن لحل نزاع الصحراء، واعتماده، وباقي أجهزة الأمم المتحدة بما فيه لجنة الشؤون السياسية المتطرفة، لضوابط تلم بذلك ومنها التوافق السياسي المبني على معياري الواقعية والعملية في الحل والهدف، وضرورة تحلي الأطراف بذلك. وضاعف من ضغط جبهة البوليساريو وقيادتها تجاوز الإتحاد الأوروبي لإجتهاد قضائه وتحديده لإتفاقيات مع المغرب تشمل كل المناطق الجغرافية للمغربي دون تمييز ولا استثناء لمنطقة النزاع.
بالإضافة إلى ما سبق، إن الوضع الحالي في الجزائر، الحاضنة والممولة والمؤازرة للجبهة، يؤرق البوليساريو لا سيما بعد خسارة الرئيس الضامن عبد العزيز بوتفليقة، حيث باتت الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات المجهولة.
ففي الوقت الذي فوجئت فيه الجزائر والبوليساريو بإنقلاب في موقف الإتحاد الأفريقي، منذ رجوع المغرب إليه العام 2017 وتجسيد ذلك في منتصف العام، عبر اعتماده لسياسة “رفع اليد”. فإن تأييد الإتحاد لإشراف واحتكار مجلس الأمن للتدبير التفاوضي والسياسي من أجل الحل السياسي، يشكل تراجعاً عن قرارات سابقه له تؤيد خطة التسوية بمطالباته المتكررة لمجلس الأمن بتحديد موعد ثابت للاستفتاء، حيث اكتفى بتقديم وتوفير المساعدة السياسية فقط ضمن إطار آلية التروكا الأفريقية، حيث تم انتزاع الملف من بين أيدي موظفي الإتحاد.
فلقد استطاع المغرب، عبر دبلوماسيته الناجحة، يسحب جل الدول لسابق اعترافها بالبوليساريو كدولة، وخاصة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، ووضوح علامات وأسس الحل، وأفق المستقبل كلها في صالحه.
كل ذلك يجعل خروج قائد البوليساريو بخطاب الإستعداد للعودة للحرب والتطوع من أجل ذلك أمراً مكرهاً عليه، له أسباب داخلية أخرى.
مناورة إنتخابية؟
قد يكون تهديد قائد جبهة البوليساريو بالعودة للحرب، وخرق تفاهمات وقف إطلاق النار، مناورة انتخابية لدغدغة مشاعر الشباب المحبط، ولتعزيز مركزه الإنتخابي تبعاً لقرب موعد المؤتمر، وبالنظر إلى فشله في تحقيق أي من وعوده، وإحساس ساكنة المخيمات بخيبة الأمل التي نتجت عن التقهقر السياسي الدولي، سواء في إطار جديد ما تحمله قرارات مجلس الأمن من تقدم للمركز المغربي، والإنسحاب من الكركارات، ووصف المنطقة غرب الحزام الدفاعي بالعازلة، ومنع إقامة منشآت فيها.
كما أن تحديد مجلس الأمن لأوصاف الحل الواقعي والعملي والسياسي، والإشارة إلى مبادرة المغرب بالحكم الذاتي، واقصاء مبادرة البوليساريو برفض الإستفتاء الذي يقصي الإستقلال، خلق صدمة لدى البوليساريو، والجزائر أيضاً، وحطم الأوهام التي قامت عليها سياستها لإجبار ساكنة تندوف على تحمل الظروف والمعناة، وهو ما أسفر في النهاية عن ظهور آراء خارج نسق وحدة الجبهة ووحدة الإيديولوجية، وخرجت مبادرات جديدة وانشقاق جسم الجبهة نفسها “المبادرة الصحراوية للتغيير، شباب التغيير”، حيث ترفض وتنتقد طريقة تدبير القيادة للصراع مع المغرب وطريقة التعامل مع الإشراف الأممي وتعبير جزء على العودة.
من هنا، إن هذه التحولات الخارجية والمتغيرات الداخلية، إضافة إلى احتمال اتخاذ هذا التهديد أو محاولة تنفيذه وسيلة لتصريف نظر الحراك الشعبي في الجزائر عن طريق إثارة هذه الحرب مع المغرب، قد تكون نوعاً من التهديد ومجرد وسيلة للفت الإنتباه الدولي وفق ما دأبت البوليساريو على اطلاقه في كل مرة ومناسبة.
تدخل جزائري؟
يقول عبد الفتاح الفاتحي، الخبير المغربي المختص في قضايا الساحل والصحراء، إن تهديدات جبهة البوليساريو بالعودة إلى حمل السلاح ادعاء لم يعد يصدقه أحد، فهي لا تعدو أن تكون مزايدات وفرقعة إعلامية روتينية تتكرر كلما أحس زعيم الجبهة بأنه على محك ثورة شعبية في مخيمات تندوف، مشيراً إلى تزامن التهديد مع الحملة الإنتخابية للمؤتمر القادم. لذلك، إن الغاية منه هي كسب قواعد انتخابية في مؤتمر الجبهة، وأيضاً محاولة امتصاص بعض من الغضب الشعبي الكبير وانعدام ثقة المحتجزين في كل مؤسسات الجبهة.
من جهته، اعتبر الموساوي العجلاوي، الباحث في معهد الدراسات الإفريقية والباحث في مركز إفريقيا والشرق الأوسط للدراسات، خطوة البوليساريو توظيفاً إعلامياً صرفاً لا أثر حقيقي من ورائه، واصفاً إياها بالإبتزاز غير المجدي، مدللاً على كلامه بإنعدام توفر الجبهة على آلة عسكرية، وعدم إتقانها القيام بمناورات عسكرية أصلاً بحجة مصرع عدد كبير من عناصرها إبان مناورات سابقة جراء سوء استخدامهم للسلاح.
كما أكد العجلاوي إمكانية تدخل النظام الجزائري عبر جيشه بمنح أسلحة للبوليساريو، مستدركاً “غير أن الأمر في مجمله لا يعدو أن يكون توظيفاً إعلامياً لتوهيم المنتظم الدولي أن هناك جيش تحرير صحراوي”، مضيفا أن من غايات التهديد أيضاً إعادة التموقع وصرف النظر عن المقاربة الأممية المبنية على أساس الحل السياسي للقضية.
في هذا السياق، لفت المحلل العجلاوي النظر إلى سعي الطرف الإنفصالي إلى إفشال التقارب الجديد بين المغرب وموريتانيا، بتشجيع من النظام الجزائري، مشيراً إلى أن رغبة انضمام المغرب إلى “صيدياو”، إضافة إلى الإختراق الكبير الذي حققه المغرب داخل الإتحاد الافريقي، فضلاً عن كسب رهان اتفاق الصيد البحري.
منعطف موريتاني
وعلى المقلب الآخر، كشفت مصادر مطلعة أن الرئيس الموريتاني الجديد المنصب، محمد ولد الشيخ الغزواني، رفض لقاء زعيم جبهة البوليساريو ابراهيم غالي بالعاصمة نواكشوط. وأوضحت المصادر أن زعيم جبهة البوليساريو، أقحم شخصيات إفريقية ومسؤول جزائري للتدخل وتأمين اللقاء مع الرئيس الموريتاني، بيد أن الأخير رفض اللقاء معتذراً عن عقده بسبب انشغالاته وإزدحام جدول اعماله.
لكن العديد من المراقبين أكدوا أن إعتذار الغزواني عن لقاء غالي كان سببه الرئيسي توجسه من إحداث تفسيرات وتأويلات في غير محلها حول اللقاء والعلاقة مع الجبهة، إذ إستشعر “مطباً” سياسياً في بداية فترة توليه للرئاسة، علماً بأنه حريص على الحفاظ على علاقة مثالية مع المملكة المغربية وكتابة صفحة جديدة تشكل منعطفاً على مستوى الموقف الموريتاني من نزاع الصحراء.
مصدر الأخبار: وكالات
مصدر الصور: جريدة النهار – Middle East Online – سبوتنيك.