حوار: سمر رضوان
إزدادت أجواء القلق والتوتر في العالم بعد إعلان الولايات المتحدة رسمياً انسحابها من معاهدة حظر الصواريخ النووية المتوسطة والقصيرة المدى، المبرمة مع الإتحاد السوفياتي السابق العام 1987، الأمر الذي فتح الباب أمام مرحلة جديدة من سباق التسلح ما لم يتم إتخاذ خطوات فعالة تنقذ الموقف من الدخول في حالة عدم الإستقرار الدولي.
حول هذا الموضوع وتداعياته على كل من واشنطن وموسكو والموقف الدولي منه، إلى جانب الصين، سال مركز “سيتا” الأستاذ أندريه أونتيكوف، الخبير في شؤون الروسية والشرق أوسطية من موسكو، حول تفاصيل إلغاء المعاهدة وتبعاتها المحتملة.
تحويل وجهة الإستخدام
إتهمت روسيا الولايات المتحدة، مراراً وتكراراً، بخرق معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. فعلى سبيل المثال وقبل توقيع الإتفاق النووي الإيراني، نشرت أمريكا منظومات الدفاع الصاروخي في بعض الدول الأوروبية تحت ذريعة الحماية من الخطر الإيراني، فيما يبقى السؤال: أين أوروبا وأين إيران؟ من هنا، أشارت موسكو إلى الخوف من تحويل منظومات الدفاع الصاروخي، من قبل واشنطن، إلى منظومات مزودة بصواريخ هجومية، وهذا فقط أحد الأمثلة للخروقات من قبل واشنطن.
في المقلب الآخر، إتهمت أمريكا روسيا بتطوير أسلحة قصيرة ومتوسطة المدى، لكن موسكو إقترحت على واشنطن عقد جلسات مشتركة ما بين خبراء عسكريين أو دبلوماسيين أو السياسيين لبحث الأمر وإيجاد حل مناسب يرضي الطرفين. ولكن روسيا إصطدمت بـ “الصمت” الأمريكي حيث يبدو أن واشنطن كانت تخطط للخروج من المعاهدة واضعة روسيا كذريعة لهذا الإنسحاب. بإعتقادي، حتى لو قامت روسيا بتدمير تلك الصاروخ، لبحثت الولايات المتحدة عن حجة أخرى لتنفيذ مرادها.
ولكن على ما يبدو إن أحد الأسباب الحقيقية لهذه الخطوة الأمريكية تكمن في الصين؛ فواشنطن ترغب حتى تقييد القدرات السلمية لتطوير مثل هذه الصواريخ وتتحدث عن ذلك بشكل علني، في إشارة إلى رغبتها ضم الصين إلى أية معاهدة جديدة مستقبلاً.
الضغط على الصين
بعد الإنسحاب من المعاهدة، تم الإعلان عن نية الولايات المتحدة نشر صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى في آسيا، فكان رد بكين سريعاً حيث قالت بأنها ستدرس كل هذه الأمور الخطيرة وترد عليها. الشيء المؤسف هنا، إختيار واشنطن مجدداً للغة القوة والضغط على الصين، على غرار الحالة الإيرانية مؤخراً، ولكن الكل يدرك تماما بأن هذا الضغط لن ينفع ولن يؤدي إلى توقيع معاهدة جديدة.
شخصياً، لا أتصور كيف من الممكن أن ننتظر توقيع مثل هذه المعاهدة عندما تتحدث أمريكا عن نشر صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى بالقرب من الحدود الصينية؛ برأيي، إذا أرادت واشنطن ضم الصين إلى المعاهدة، القديمة أو توقيع أخرى جديدة، كان حرياً بها عدم الإنسحاب من المعاهدة القديمة وإقامة حوار ومشاورات ثلاثية من أجل إيجاد حل لهذه القضية. ولكن من جديد، تصرفت واشنطن بشكل منفرد وغير بناء لجهة النية بنشر هذه المنظومات في آسيا بالتزامن مع الحديث عن عقد معاهدة جديدة، لكن الصين ليست الدولة التي تقبل بأي تعاون يأتي عن طريق لغة الضغط والقوة.
فتح سباق التسلح
فيما يخص التعويل على تغيير الرئيس دونالد ترامب، لا يمكن لنا التنبؤ نتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، وأعتقد لدى الرئيس الحالي فرص جيدة جداً من أجل الفوز بولاية ثانية. أما عن مدى إمكانية أن يفضي هذا الإنسحاب إلى عودة سباق التسلح من جديد، بالنسبة إلى روسيا فقد سبق وأعلنت أنها ستطور منظومة صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى رداً على الخطوات الأمريكية، فهي لن تقوم بذلك من أجل التطوير بحد ذاته لأنه ليس الهدف التي تريده.
بإعتقادي، إن القيادتين السياسية والعسكرية الروسية ستقومان بدرس الأوضاع والأخطار المحتملة عليها، وبناء على ذلك ستتم إتخاذ الخطوات اللازمة في هذا الشأن، فموسكو لن تبادر، وتًقدم على الخطوة الأولى، إلى تطوير هذه المنظومات أو نشرها، لكن انسحاب الولايات المتحدة ورغبتها في تطوير هذه الصواريخ مجدداً هو الذي إستجلب الرد الروسي المماثل.
هنا، يجب أن نتذكر دعوة روسيا للولايات المتحدة بعدم نشر تلك الصواريخ قرب حدودها، سواء ضمن الدول الأوروبية أو غيرها. لكن ما يمكن الإشارة إليه هنا هو أن كل الخطوات الروسية اللاحقة ستكون فقط ضمن مجال حماية الحدودها والأمن القومي، إذ ليس من مصلحة موسكو التورط في سباق التسلح الجديد.
ختاماً، يبدو من الواضح تماماً أن نتيجة التوتر القادم، الذي قد نشاهده في آسيا أو حتى في أوروبا، قد يشكل الأرضية الأساسية لفتح الباب أما سباق التسلح أو البدء فيه.
مصدر الصور: عربي بوست.