مجد إبراهيم كاسوحة*

هل من المعقول أن يمضي على الولايات المتحدة مدّة خمس أو ست سنوات ولا تُقيم بها حرباً؟ إنها الولايات المتحدة، البلد الوحيد ذو البنية الإقتصادية القائمة على الهيمنة والسيطرة عبر سفك الدماء واستغلال الشعوب ونهب ثرواتهم.

أغلب الجيل الحالي يتذكر حرب العراق الثانية، في العام 2003. حرب شعواء كان الهدف منها تدمير العراق اقتصادياً وشرذمته جغرافياً وجعله عدة ولايات ذات إدارات ذاتية مذهبية وقومية متناقضة كي لا يعود بقعة جغرافية واحدة ذات نمو اقتصادي وناتج تعليمي مُرتفع. ما تعرّض له العراق بالأمس عبر الحرب المباشرة، استطاعوا تنفيذ جزءٍ منه في بلدنا العزيز سـوريا بأيادي المتطرفين المتواجدين في بعض بقاعها، للأسف. فلولا الجيش العربي السوري البطل لا ما كان قد بقي من أرضنا شبر يلتقي بآخر دون نزاع مُسلح.

إن الحرب التي تُقرع طبولها اليوم موجهة ضد إيران، هذا البلد الصديق الذي عانى وما زال يعاني من العقوبات الإقتصادية الأمريكية عليه. هي ليست فقط حرب لتغيير السياسات الإيرانية، كما يدعي قاطنو البيت الأبيض، بل إنها حرب لضرب عدة مشاريع في آن واحد بدفع وتحريض إسرائيلي وتمويل خليجي، كي تصب في نهاية الأمر ضمن خانة حصار روسيا إقتصادياً وزعزعة جوارها عسكرياً لتضيق الخناق عليها بشكلٍ تام. هذه الحرب إذ نشبت، سيكون لها تداعيات كبيرة وخطيرة، تكمن أبرزها في:

أولاً، تأخير تنفيذ وربما وأد قيام مشروع “طريق الحرير” الجديد الذي يحمل عنوان “حزام واحد.. طريق واحد”، وهو المشروع الصيني لقيام بنية اقتصادية عالمية تضم 65 بلداً بعيدة عن الهيمنة الإقتصادية الأمريكية. بهذه الحرب، سيتم عرقلة وربما إنهاء الشِقّ الأهم وهو “طريق واحد”.

ثانياً، زعزعة الإستقرار وفقدان الأمان في مضيق هرمز لأجل غير مسمى هو ما تنتظره إسرائيل بفارغ الصبر، ويمكن أن نعتبر الأمر هدفاً إسرائيلياً – أمريكياً مشتركاً تمهيداً لإطلاق مشروع مد أنابيب النفط الخليجي إلى موانئ حيفا في فلسطين المحتلة، وسيناء في جمهورية مصر العربية.

ما ذُكر أعلاه، يبرر استهداف السفن بمياه الخليج العربي. وبحال نجاحهم في إقامة هذا المشروع، سيؤدي الأمر إلى مزيد من السيطرة والتحكم بموارد هذه الأنظمة الملكية لتسهيل تفتيتها لاحقاً من أجل منع وصول عجلة التقدم والتطور الصناعي والتكنولوجي إليها، كما حصل في إيران، حيث أن معظم هذه الملكيات باتت تعاني من تصدع داخلي واضح وظاهر للعلن.

ثالثاً، بلد إسلامي كإيران بعقيدة قتالية موجهة ضد العدو الصهيوني، يمتلك ما يمتلك من أنظمة صواريخ بالستية ودفاعات جوية مُتقدمة ومنظومات طيران متكاملة مستنسخة عن طائرات أمريكية وغيرها بالهندسة العكسية بأيادٍ إيرانية وخبرات محلية، مطلوب أن يتوقف عن تقدمه العلمي عبر إنهاء وجوده لأنه يشكل الخطر الحقيقي، ليس فقط على الكيان الصهيوني لا بل على الهيمنة التكنولوجية الغربية، حيث أثبتت طهران بجد وتعب عن إمكانية تطور دولة محاصرة بإرساء التعليم بعيداً عن مسالك الجهل والظلمات الذي نُسِبَ لكافة الشعوب المسلمة منذُ بدايات القرن الحادي والعشرين إبان حرب أفغانستان. بإعتقادي، إن الفترة القادمة هي الأهم في تاريخ المنطقة وربما العالم حيث أنها ستُحدد خارطة المنطقة، ومنها مصير العالم أجمع الذي نعرفه اليوم.

إن الحرب على إيران ستكون صادمة إلى حدٍ كبير بحجم الدمار الذي قد يقع في حال اندلاعها، حيث سيتم إيقاف امدادات النفط العالمية عبر مضيق هرمز خلال فترة الحرب، منذ بدايتها إلى نهايتها، وهو ما سيشجع الأمريكيين على القيام بتدخل عسكري موازٍ في فنزويلا واستقطاب العملاء من بين أبناء الشعب الفنزويلي عبر ضخ الأموال لمحاولة إسقاط الحكومة الشرعية الوطنية من أجل السيطرة على الموارد النفطية، لتغطية النقص العالمي الذي سيحدث في حال نشوب الحرب على إيران وإغلاق مضيق هرمز.

رابعاً، خلق صدمات ارتدادية ناجمة عن الصدمة الكبرى المتمثلة بالحرب على إيران لمحاولة تمرير “صفقة القرن” التي يتغنى بها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والمحيطين به.

أما بالنسبة إلى الجمهورية العربية السورية وبعد أن بدء جيشنا العربي السوري إنهاء آخر بؤرة تَغلغَل التنظيمات الإرهابية، فإن القضاء على هذه الجماعات بشكل تام سينهي إمكانية إعادة عقارب الساعة إلى الوراء لنشر الإرهابيين في أماكن مُختلفة.

إن القضاء على هذه البؤر ينهي زمام المبادرة الأمريكية – التركية في سوريا، لتعود السيطرة للدولة السورية وحدها على كافة الحدود، التي نطلق عليها مصطلح “الحدود الرخوة” في الشمال، ما يتيح لنا تركيز العمل على مواجهة العدوان الأمريكي والميلشيات التابعة له في الشرق السوري؛ وبالتالي، إن إنهاء وجود القوات الأجنبية وإعادة السيطرة الحكومية على كُل شبر من الأراضي هو أمر أساسي أكد عليه الرئيس السوري، بشار الأسد، لعدد من وسائل الإعلام فرنسية، في العام 2017.

*باحث سوري

مصدر الصور: سي.إن.إن عربية.