محمود محمد المصري*

يعد “البريكست” أحد أهم الأزمات التي تعصف بالإتحاد الأوروبي ككل، إذ أن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي يعد أمراً لا يستهان به، إذ أن لندن كانت أحد أعمدة الإتحاد في الشؤون الإقتصادية وخاصة في مسألة إعادة هيكلة ديون الدول الأوروبية، كما حدث في أزمتي اليونان وإيطاليا الإقتصاديتين.

هذا وتحتل بريطانيا التصنيف الخامس عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي البالغ 2.62 ترليون دولار، فيما تعد ألمانيا أقوى دولة في الإتحاد الأوروبي صناعياً بل وفي العالم، حيث تحتل التصنيف الإقتصادي الرابع عالمياً، وستكون المرشح الأبرز لتولي زمام الأمور في الإتحاد بعد الخروج البريطاني.

فمنذ تأسيس الاتحاد الأوروبي، بناء على معاهدة ماستريخت في العام 1992، تمتلك دوله الـ 28 سوقاً مشتركة بعملة موحدة، في أغلب دوله، إضافة إلى وجود سياسات زراعية مشتركة وصيد بحري موحدة.

وفي 23 يونيو/حزيران مم العام 2016، أُجري استفتاء عام حول إمكانية بقاء بريطانيا في عضوية الإتحاد الأوروبي أو الإستقلال عنها، وقد فاز الراغبون في الإستقلال بنسبة 52% مقابل 48% من أنصار البقاء في الاتحاد.

وفي 29 مارس/آذار من العام 2019، كان من المقرر أن تخرج بريطانيا من الاتحاد، بعد مرور سنتين على تفعيل رئيسة الحكومة السابقة تيريزا ماي العملية الرسمية للخروج، غير أن موعد البريكست أجل مرتين.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2018، توصل كل من الإتحاد الأوروبي والحكومة البريطانية إلى اتفاق يؤمن نوعاً من الخروج الآمن، ولكن مجلس نواب العموم البريطاني رفض هذا الإتفاق ثلاث مرات.

في هذا الشأن، ذكرت صحيفة “تلغراف” البريطانية أنه “إذا تحتم على المملكة المتحدة الآن أن تطلب وقتاً لعملية الخروج، فإن مؤيدي الخروج سيأملون أن يكون هناك من بين الدول السبع والعشرين الأعضاء بالإتحاد الأوروبي من يعترض ويدفع بإعتراضه كل شيء إلى الفشل. وبصرف النظر عن النهاية فإن عملية الخروج ستكون عرضة لمزاج الإتحاد الأوروبي”.

أما صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية فقد قالت “لا بد أن تكون الأولوية الآن لتجنب فوضى محتملة في البرلمان يمكن أن تستغلها القوى اليسارية واليمينية المتطرفة، وكذلك فوضى خروج غير منظم من الإتحاد الأوروبي. على النواب أن يعملوا على استقرار الوضع السياسي ويوفروا مساحة من أجل إعادة النظر في الخروج”.

هذا وأشارت صحيفة “تاغس أنتسايغر” السويسرية إلى أن “الخروج البريطاني في كل الأحوال كارثة معلن عنها مسبقاً، إنه مشروع للقوميين الإنجليز، مدفوع بأكاذيب وأموال من مصادر غير شفافة. أنصار الخروج أوهموا الناس بأنهم سيعيدون البلاد إلى ماضٍ مجيد مزعوم، ليس البريطانيون وحدهم هم الذين يراودهم هذا الحلم، ولكن ليس هناك مكان آخر تسبب فيه هذا الحلم في تسميم المناخ وأدى لانقسام الناس وتعرية طبقة سياسية.”

فيما يخص الصفقة، فقد تضمنت إتفاقاً ملزماً للإنسحاب يحدد شروط “الإنفصال المادي والمعنوي” بين الطرفين، وقد إشتمل على موضوعات شتى، أهمها:

– حقوق المواطنون الأوروبيون المقيمون في بريطانيا وحقوق المواطنين البريطانيين المقيمين في دول الإتحاد الأوروبي.

– دفع مبلغ تعويضي للإتحاد الأوروبي، ويقدر بحوالي 39 مليار جنيه إسترليني.

– ضمانات حول الحدود بين الجمهورية الإيرلندية ومقاطعة إيرلندا الشمالية البريطانية.

يأتي ذلك في وقت يطالب فيه رئيس وزراء بريطانيا، بوريس جونسون، دولته بمغادرة السوق الأوروبية الموحدة رغم وجود فجوة في حدودها مع أيرلندا، حيث أنه يريد حدود ولا حدود. وقد علق جونسون عمل البرلمان، اعتباراً من 10 سبتمبر/أيلول ولغاية 14 أكتوبر/تشرين الأول (2019)، في خطوة قال معارضوها إنها تهدف إلى إحباط محاولاتهم للتدقيق في خططه بشأن الإنسحاب من الإتحاد وإتمام العملية دون اتفاق حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول.

في المقابل، قضت أعلى محكمة استئناف في اسكتلندا ببطلان قرار جونسون تعليق البرلمان وقالت إنه يهدف لعرقلة عمل النواب، مما دفع معارضيه لإتهامه بالكذب على الملكة بشأن أسباب القرار، حيث واجه جونسون ثورة قادها عدد من كبار أعضاء حزب المحافظين، في محاولة لخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي دون اتفاق في 31 أكتوبر/تشرين الأول القادم (2019).

فلقد خسر جونسون جولة التصويت داخل البرلمان بـ 328 مقابل 301 صوتاً، إذ صوت 22 نائباً برلمانياً، من المحافظين، لصالح تأجيل البريكست، حتى 21 يناير/كانون الثاني 2020، إلا في حالة التوصل لإتفاق قبل 19 أكتوبر/تشرين الأول. وقد عقد قادة تمرد المحافظين محادثات مع جونسون في وفد ضم عدداً من الرموز الهامة في حكومتي، تيريزا ماي وديفيد كاميرون. وقال متحدث بإسم رئاسة الوزراء إن المتمردين من أعضاء حزب المحافظين سيعاقبون بالفصل.

وجدير بالذكر هنا أن رئيس الوزراء الجديد وجد نفسه محاصراً بين تمزيقه بأغلبية نواب العموم، مُلزماً من قبل النواب الغاضبين تمديد خروج بريطانيا من الإتحاد، وبين منعه من تنظيم انتخابات مبكرة كان يريدها على وجه السرعة.

لقد أصبح جونسون في أزمة حقيقية بين معارضة النواب تارة واتخاذه لقرار الخروج من الإتحاد الأوروبي تارة أخرى. ولكن تبقى هناك عدة سيناريوهات محتملة الحدوث، في حال عدم التوصل إلى حلول وسط بين النواب والحكومة والملكة، للتوصل إلى إتفاق بشأن البركسيت سواء بإتفاق، كما تريد المعارضة والنواب، أو بدون إتفاق، كما يريد رئيس الوزراء والملكة.

*كاتب سياسي مصري

مصدر الصور: القبس – العرب.