أسامة حافظ عبدو*
إن المتابع للأحداث الجارية يجد أن المنطقة على صفيح ساخن يزداد اشتعالاً. بالتزامن مع أحداث الشمال السوري، تندلع الأحداث في إيران بعد كل من لبنان والعراق، فيما غزة تحترق وإسرائيل تضرب بصواريخها الأراضي السورية، والخليج في وضع ترقب، وتركيا تحلم بالتمدد من جديد، وروسيا توسع علاقاتها الدولية في الشرق الأوسط، والولايات المتحدة تصب الزيت على النار.
من الواضح أن الرؤية العالمية معدومة، ولا أحد يملك خيوط اللعبة كاملة لأن الأفكار والأيديولوجيات في بين كافة الأطراف مختلفة، لا سيما مع نية واشنطن بتحويل الشرق الأوسط إلى حطام بعد إستنفاذ ثرواته الهائلة من النفط والغاز اللذين يقفان خلف كل هذه الحروب العشوائية.
لفظ للأنفاس
لن تهدأ تركيا حتى تشتعل داخلياً بسبب عنجهيتها العثمانية التي لا تخففها إلا مشاهد الحرب والدم. وإذا كانت الأحلام التركية لإشعال العمليات العسكرية في شمال سوريا قد عادت بحجة عدم وفاء موسكو وواشنطن بتعهداتهما بتسليم قائد قوات سورية الديمقراطية – “قسد”، فإن هذه الأحلام لن تتعدى مرحلة الأضغاث لأن موازين القوى انقلبت والجيش السوري، مع القوات الروسية والحليفة، لن يسمح لأنقرة بتحقيق ولو جزء من أحلامها التوسعية، خاصة بعد أن بدأت الولايات المتحدة بالتخلي عن تركيا لإنتهاء صلاحيتها في الحرب الدائرة على سوريا. فالمشهد لا يتعدى لفظ الأنفاس التركية الأخيرة قبل التغيرات التي ستبدل وجهها داخلاً وخارجاً.
قلق خليجي
يتزايد القلق والهلع الخليجي مما يحدث في المنطقة، وهو أكبر بكثير مما يبدو على وسائل الإعلام. فقادة الدول الخليجية يدركون تماماً أنهم مستهدفون، لذلك نراهم يقدمون “فروض الطاعة” الكاملة لولايات المتحدة وإسرائيل، ويدفعون ثمن بقائهم على عروشهم من خلال فواتير مالية تأجيل إشعال بلادهم. لكن يبقى السؤال التالي: ماذا سيفعلون عندما تفرغ خزائنهم وعدم قدرتهم على دفع “الجزية” السياسية؟
فشل إسرائيلي
بات الصراع بين سوريا وإسرائيل مفتوحاً على الدوام بين أخذ ورد. فمع كل ضربة إسرائيلية ستعقبها ضربة سوريا كما حدث مؤخراً، لأن إسرائيل تحاول الإستفادة من مجريات الأحداث، وإبراز وجودها بطريقة الخطف خلفاً، خاصة مع إشعالها الأخير لجبهة غزة. ومع ذلك، إن هذا لا يلغي خوفها ورعبها الشديد من قيام حرب عسكرية مباشرة معها، وهو ما تعبر عنه التصريحات الإسرائيلية على وسائل إعلامها.
في المقابل، تحاول أن تكون المستفيد الأكبر من صراعات المنطقة في ظل حالة من تفكك الدول، خاصة مع الإنحناء الخليجي والمصري والأردني، والتآمر من بعض الجهات اللبنانية والعراقية. ولكن هذا لن يجعلها قادرة على الوقوف في وجه القوة السورية المتصاعدة يوماً بعد يوم، وستجد إسرائيل نفسها محاطة بوابل من الصواريخ، وهي نعتبر من أهم المعادلات الجيو – سياسية الجديدة التي تبدلت وتغيرت في الفترات الأخيرة.
إحتجاجات إيران
ما زال “الأخطبوط” الأمريكي يوزع أذرعه في المنطقة ليشعلها بالكامل. فبعد الإحتجاجات في الشارع اللبناني، اشتعل الفتيل في العراق الذي باتت فيه فرصة الحل السياسي للأزمة شبه معدومة بسبب سيطرة الطوائف والأعراق عليه بصورة تامة.
بعدها، جاء دور إيران التي بدأت فيها الإحتجاجات على قرار رفع سعر البنزين، فدعمتها الولايات المتحدة مباشرة وتحولت فوراً لمطالبات بإسقاط الحكم وتحميل المسؤولية للدولة الإيرانية بسبب دعمها لسورية ولبنان والعراق واليمن. وهذا إن دل على شيء، فهو يدل على أن الولايات المتحدة تحاول معاقبة إيران على مواقفها المتعلقة بخصوص البرنامج النووي، ومواقفها المعادية لإسرائيل، ومواقفها الداعمة للمقاومة.
الدرس السوري
إنها اللعبة الأمريكية الأممية التي تعبث بكل شيء وتزرع الفوضى في كل مكان، لأن الفوضى هي صناعة أمريكية – إسرائيلية دوماً، والهدف منها إقتتال الكل فيما بينهم، وإضعافهم في الوقت الذي تتفرج فيه إسرائيل لتصطاد الثمار.
إنه الإنتقام الصهيو- أمريكي من الفشل الذريع لإسقاط الدولة السورية؛ مع أنهم استطاعوا تفجير الأزمة وتدمير البنى التحتية في سوريا، إلا أن موازين القوى العامة بقيت ثابتة. فإسرائيل، على الصعيد الإستراتيجي، لم ولن تحقق شيئاً بعد تسع سنوات من الحرب، لأن سوريا بقيادتها الحكيمة لديها عصب متين جعلها تحافظ على نفسها في مواجهة كل السياسيات العبثية التي وجهت ضدها.
السؤال الآن: بعد فشل كل من الولايات المتحدة وإسرائيل في سوريا إنتقلا إلى ضرب حزب الله وإيران، فهل ستستفيد إيران من الدرس السوري لمواجهة المؤامرة الأمريكية؟
*مدير المركز السوري للدراسات السياسية.
مصدر الصور: وكالة الأناضول – صحيفة عاجل.
موضوع ذو صلة: أمريكا فشلت في سوريا.. فما هي البدائل؟