تفتح مشكلة اللاجئين بين تركيا والإتحاد الأوروبي، من حدود اليونان، باباً جداً للمشادة بين أنقرة وبروكسل، خصوصاً وأن الأولى ترى بأن الإتحاد لم ينفذ مضمون الإتفاق، الذي وقع العام 2016، للمساعدة مادياً مقابل تسكير الحدود ومنع وصول اللاجئين إلى البر الأوروبي.
فأوروبا الغارقة في بحر الأزمات الإقتصادية، وخصوصاً بعد إنتشار فيروس كورونا الذي زاد من تعميق الأزمة، لم تعد قادرة على إستقبال المزيد من اللاجئين لا سيما وأن ألمانيا، التي كان لها “حصة الأسد” منهم، لم تعد تريد المزيد بل إنها اليوم تريد إستقطاب الكفاءات المهنية بدل العاملين اليدويين.
إضافة إلى ذلك، تخشى بروكسل الموضوع الأمني المتمثل في إمكانية تسلل الإرهابيين إليها عبر الحدود وخصوصاً مع وجود إتفاقية “دبلن”، التي تفتح الحدود بين الدول الأوروبية من دون قيود كبيرة، وهو ما قد يستفيد منها هؤلاء للتغلغل في كافة أنحاء القارة.
كذلك، إن هؤلاء اللاجئين يشكلون ضغطاً على الحكومات على الجانب السياسي لهجة عودة النزعات القومية والشعبوية إلى دول “القارة العجوز”، ما قد يساعد على تغيير جذري في السياسات العامة لها. ونذكر من ذلك وصول “حزب البديل لألمانيا” إلى البوندستاغ، مجلس النواب، لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، ومنافسة ماري لوبن، اليمينية المتطرفة، على سدة الرئاسة الفرنسية.
من هنا، دعا وزير خارجية الإتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، المهاجرين واللاجئين الذين يحاولون مغادرة تركيا إلى “عدم التوجه” نحو الحدود مع اليونان لأنها “ليست مفتوحة” بخلاف ما قيل لهم، معلناً أنه يود بعث رسالة واضحة مفادها “لا تذهبوا إلى الحدود. الحدود ليست مفتوحة”. وعلى الرغم من ذلك، أشارت بعض المعلومات إلى أن مدينة سينتيكي اليونانية، الواقعة شمالي البلاد، وافقت على إقامة مركز إيواء مغلق للاجئين، بطلب من الحكومة اليونانية، بعد وقوع مواجهات كبيرة تضمنها إطلاق نار ووقوع عدد من القتلى.
أيضاً، قال مارجاريتيس شيناسن، أكبر مسؤول عن ملف الهجرة في الاتحاد الأوروبي، بأن تركيا ليست عدواً لكن الناس ليسوا أسلحة أيضاً”، موضحاً أن اليونان “بحاجة إلى تمويل إضافي بقيمة 700 مليون يورو لتحصين حدود الإتحاد الأوروبي الخارجية.” كما أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بأن “أولويتنا الأولى هي ضمان الحفاظ على النظام على حدود اليونان الخارجية، التي هي أيضاً حدود أوروبية.”
في شأن متصل، إتهم رئيس الوزراء النمساوي، سيباستيان كورتز، الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بإستخدام المهاجرين كـ “ورقة ضغط”، معلناً أن حكومته عززت حدودها للتأكد من أن التدفق الجماعي للمهاجرين واللاجئين الذي حصل في العام 2015 لن يتكرر. وما يعزز ذلك رأي العديد من المحللين الذين يرون بأن فتح الأبواب أمام اللاجئين، لا سيما السوريين منهم بإتجاه الحدود التركية مع أوروبا، يأتي كوسيلة تركية للضغط على أوروبا كي تتخذ موقفاً واضحاً من الصراع الدائر حالياً في إدلب، والذي يزداد تصعيداً بين روسيا وتركيا، تحديداً.
بالتالي، إن فتح الحدود هذا يضع الإتحاد الأوروبي أمام خيارين، وهما تحمل مسؤوليته في الضغط على موسكو لوقف حملتها العسكرية على إدلب أو إغراق أوروبا باللاجئين. أما خيار دفع الأموال مقابل إغلاق الحدود، يمكن القول بأنه خيار قد سقط بعد التطورات العسكرية والسياسية.
والسؤال هنا، هل يمكن أن يلجأ اللاجئ من دولة متواجد فيها أمنة إلى دولة أخرى؟ بمعنى آخر، هل للاجئ الموجود في تركيا طلب اللجوء إلى دولة أخرى، أوروبية أو غيرها، في وقت تعد فيه تركيا دولة آمنة؟
للحديث عن هذا الموضوع، يجب أن نعود إلى أحكام إتفاقية اللجوء للعام 1951، حيث تعرف اللاجئ وتضع بعض القواعد التي يمكن من خلالها الإستدلال والإجابة على هذا التساؤل. فاللاجئ هو “شخص تعرض في موطنه الأصلي، أو البلد الذي كان يعيش فيه في الفترة السابقة، إلى مخاطر جدية، أو عانى من الخوف الشديد لأسباب معينة، بسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو الإنتماء إلى فئة اجتماعية معينة، أو الرأي السياسي.” (المادة 2 من الإتفاقية)
أيضاً من المهم ذكر بعض أحكام مواد هذه الإتفاقية، وأبرزها:
المادة 31/1 التي تنص على أن “تمتنع الدول المتعاقدة عن فرض عقوبات جزائية، بسبب دخولهم أو وجودهم غير القانوني، على اللاجئين الذين يدخلون إقليمها أو يوجدون فيه دون إذن، قادمين مباشرة من إقليم كانت فيه حياتهم أو حريتهم مهددة بالمعنى المقصود في المادة 1، شريطة أن يقدموا أنفسهم إلى السلطات دون إبطاء وأن يبرهنوا على وجاهة أسباب دخولهم أو وجودهم غير القانوني.” كما تنص المادة 32/1 على أنه “لا تطرد الدولة المتعاقدة لاجئاً موجوداً في إقليمها بصورة نظامية، إلا لأسباب تتعلق الأمن الوطني أو النظام العام.”
أما المادة 33 والتي تنص على “حظر الطرد أو الرد”، هي بعدم إمكانية طرد لاجئ حالما كانت حياته مهددة بالخطر (فقرة 1)، على أن هذا الطرد قد يكون مبرراً في حال كان اللاجىء يشكل خطراً على أمن الدولة الموجود فيها لسبق صدور قرار قضائي نهائي عليه بإرتكاب جرم جزائي (فقرة 2).
إضافة إلى ذلك، تشير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى نوع آخر من الحماية وهي ما يطلق عليه “الحماية المؤقتة”، وهي الحالة التي تتمثل في تدفق جماعي هائل لدولة ما، بسبب الحرب في دول أخرى، بحيث تعرض أنظمتها الخاصة بمنح اللجوء لضغوط هائلة. وفي مثل هذه الظروف، تعمل “الحماية المؤقتة” لفائدة الحكومة وملتمسي اللجوء على حد سواء، غير أنها تكمل فقط الحماية التي توفرها إتفاقية العام 1951 ولا تعتبر بديلاً عنها.
بالنسبة إلى تركيا، فلقد صادقت على إتفاقية جنيف للاجئين عام 1951 بشروط زمنية وجغرافية تمنح بمقتضاها حق اللجوء للقادمين من الدول الأوروبية فقط، أما القادمون من غيرها فيتم منحهم الحماية المؤقتة، وهو ما انطبق على السوريين وفق قرار أصدرته السلطة التشريعية في البلاد ودخل حيز التنفيذ يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 2014.(1)
بالإضافة إلى ما سبق، قامت تركيا بسن قانون الأجانب والحماية الدولية رقم 6458، الذي يشتمل على مواد تنظم موضوع الحماية المؤقتة فيها، حيث جاء في المادة 91/1 منه بأنه “يجوز تأمين الحماية المؤقتة للأجانب الذين أجبروا على مغادرة بلدهم الأصلي وهم غير قادرين على العودة إليه، وكانوا قد قدموا إلى حدود تركيا على شكل تدفقات جماعية بهدف الحصول على الحماية المؤقتة.” أما الفقرة 91/2، فتنص على أنه “يحصل الأشخاص المقبولون من قبل تركيا على حق الإقامة وجميع الحقوق والواجبات وهم يتمتعون بالحماية من عمليات الإعادة القسرية، وسوف تتخذ جميع التدابير اللازمة التي سيتم اتخاذها بخصوص هذه التدفقات الجماعية وذلك بالتعاون مع المؤسسات المحلية والدولية ومراكز التنسيق في الولايات التركية، بحيث يتم تحديد واجبات المؤسسات وصلاحياتها بقانون يصدر عن رئيس الجمهورية.”(2)
أما بالنسبة إلى مسألة الطرد أو الإستبعاد، فلقد حددت المادة 8 من التعليمات التنفيذية رقم 6883 لعام 2014 لقانون الأجانب والحماية الدولية الفئات المعينة من الأشخاص الذين لا تشملهم الحماية المؤقتة وفي حال حصولهم عليها يمكن إسقاطها عنهم وهم من يقدمون على أفعال جرمية داخل البلاد، والذين إرتكبوا افعلاً وحشية خارج البلاد، والمشتركون في الحالتين، حاملي السلاح، والإرهابيين، المدانون بحكم جنائي، زالذين تركوا بلدانهم لإرتكابهم افعالاً جريمة فيها، المدانون بجرائم ضد الإنسانية من المحاكم الدولية، والمرتكبون لأفعال جرمية يعاقب عليها قانون العقوبات التركي.(3)
ما نود القول والإشارة إليه من خلال ذكر تلك المواد أمور عدة؛ الأمر الأول، أن تركيا تعد بلداً أمناً وليس هناك من خطر على اللاجئين فيها، فكل ما تحتاجه هو الأموال من أجل تغطية النفقات، هذا إذا ما وضعنا الأسباب السياسة التي سنأتي على ذكرها جانباً. بالتالي، لا يحق لتركيا ان تفتح الباب أمامهم للرحيل إلى دول أخرى، كلبنان وبسبب الأزمة الإقتصادية الخانقة فيه، قامت بنفس الفعل.
الأمر الثاني، من خلال المواجهات بين الشرطة اليونانية وقرار الإتحاد الأوروبي غلق الحدود، يمكن القول بأن حياة اللاجئين باتت معرضة للخطر، خصوصاً بعد المعلومات التي أشارت إلى وقوع قتلى بسبب المواجهات. بالتالي، لا يجوز لتركيا فتح هذا الباب وتعريض اللاجئين لخطر الموت.
الأمر الثالث، تستطيع تركيا أبعاد من تعتبرهم خطيرين على أمنها القومي، لكننا لا نعتقد بأن حوالي 115 ألف شخص، ممن تواجدوا على حدودها مع اليونان، قد إرتكبوا افعالاً جريمة داخل حدودها أو خارجها.
من خلال ما سبق، يبدو بأن هناك سياسة تركية جديدة تجاه الإتحاد الأوروبي؛ ومن هذا المنطلق، أشرنا إلى أن مسألة دفع الأموال لم تعد أولوية لأنقرة وذلك لعدة أسباب سنذكرها بإيجاز:
1. الخلاف بين تركيا والإتحاد الأوروبي على مسالة التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط.
2. التمدد التركي إلى ليبيا ومحاولة وصل الجرف القاري للبلدين ببعضهما متجاهلة الجرف القاري اليوناني. ناهيك عن الخوف من تدفق لاجئين أفارقة حال إشتداد النزاع في طرابلس الغرب.
3. الضغط على الإتحاد الأوروبي للتدخل في الأزمة السورية خصوصاً بعد بدأ معركة إدلب وزيادة تدفق اللاجئين ورفض الدول موقف أنقرة بإقامة منطقة تضع اللاجئين فيها، خاصة بعد فشلها، أو بالأحرى عدم رغبتها، في تطبيق تفاهمات “أستانا” و”سوتشي” مع الجانب الروسي بضرورة سحب أسلحة المجموعات المقاتلة، وفصل المعارضة السورية عن التنظيمات الإرهابية. وأساس هذا الرفض يقوم على مسألة التغيير الديمغرافي للشمال السوري بحيث يمكن إستخدام هؤلاء مستقبلاً ضمن سياسات تركية المستقبلية. في هذا الشأن، قال الرئيس أردوغان أن الإتحاد الأوروبي لم يقدم مساعدة في إعادة توطين اللاجئين السوريين في مناطق آمنة داخل سوريا. من هنا، يمكن القول بأن دفع المال لن يقوض السياسة التركية الجديدة.
4. إن أغلب اللاجئين على الحدود هم من غير التابعية السورية، فالكثير منهم جاؤوا من أفغانستان ودول أخرى بغية الوصول إلى أوروبا. وهذا يعني أن الموضوع أبعد من مسألة التذرع بتجدد العمليات العسكرية في سوريا.
ختام القول، إن موضوع اللاجئين هو ورقة ضغط سياسية تركية بوجه الإتحاد الأوروبي. من هذا المنطلق، يحق لليونان إقفال الحدود في وجه موجة الهجرة الجديدة خصوصاً وأن تركيا تعتبر بلداً آمناً لا خوف على حياة اللاجئين فيه.
*مؤسس ومدير مركز سيتا – لبنان
المراجع:
(1) ياسر الأطرش. 13/3/2016. الاتفاق الأوروبي التركي.. هل يترك اللاجئين بلا حماية؟ الجزيرة. على الرابط التالي:
https://bit.ly/2VXRoi8
(2) لؤي الأزعط. 21/8/2019. نظرة شاملة عن قانون الحماية المؤقتة واللائحة التنفيذية. عربي بوست. على الرابط التالي:
https://bit.ly/3cLkDKQ
(3) المرجع السابق.
المصدر: وكالة رياليست الروسية.
مصدر الصور: أرشيف سيتا + أحوال تركية.
موضوع ذا صلة: ترحيل اللاجئين من تركيا: ضغط إقتصادي أم تنفيذ للتفاهمات؟!