عمر الحسنية*
تتحد الشعوب في الأزمات والكوارث بشكل مطلق خاصة في الطبيعية منها. أما الأزمات السياسية أو الإجتماعية فقد تحمل تأويلاً بين معارض ومؤيد لكيفية المواجهة وأيضاً في الموقف من طبيعة الأزمة نفسها، بينما الكوارث الطبيعة، كالزلازل والأوبئة وغيرها، فإن الخطر القادم منها يطال المجتمع أو المجتمعات بشكل كامل إذ لا يميز بين أحد على أساس جنس أو لون أو دين، كما لا يمكن تحميله لأي جهة بشرية إذا لم يكن صادر عنها بطبيعة الأحوال، هذا في المبدأ.
لكن يبدو ان للشعب، أو لـ “الشعوب” اللبنانية، كان له رأي آخر فما يحصل لمواجهة فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19” على الأراضي اللبنانية وهو ما يدعو إلى الحزن والغضب والإشمئزاز وفقدان الأمل بقيام أدنى درجات الإتحاد والتضامن الإجتماعي.
في شهر ديسمبر/كانون الأول 2019، إنتشر فيروس “كوفيد 19” في مدينة ووهان الصينية، وهو فيروس تاجي خطير يصيب الإنسان بعوارض ومشاكل تنفسية قد تؤدي لدى البعض إلى الوفاة. كما حذرت منظمة الصحة العالمية من أن الفيروس يملك قدرة على الإنتشار بشكل سريع، وهذا ما حصل على مستوى العالم إلى أن وصل الفيروس إلى المنطقة، حيث أعلنت ايران عن تفشي الفيروس فيها، خاصة بمدينة قم الدينية، وكذلك أعلنت بعض من دول الخليج العربي في مقابل تكتم بعض الدول، كحالة مصر التي لم تصرح إلا مؤخراً. كان من الطبيعي أن ينتقل هذا الفيروس إلى لبنان بسبب الإنتشار اللبناني الكثيف على مستوى العالم، فظهرت آولى الإصابات لدى زوار قدموا من مدينة قم، فدخل لبنان في دائرة من الخوف والجدل والمشاحنات. والسؤال هنا: كيف تعامل اللبناني مع الأمر؟
بداية وعلى المستوى الحكومي، يمكن القول إن الإجراءات كانت متراخية قليلاً إلى أن الجهود عادت وإشتدت، فتمت مراقبة حركة الحدود، والقيام بالحجر المنزلي والعيادي على القادمين من دول موبؤة، وخاصة إيران، حيث هناك تواجد كبير للجالية اللبنانية لأسباب دينية واجتماعية وسياسية (كان التركيز على الدول الموبؤة خطأ وقعت فيه أغلب الدول). كذلك، قامت الحكومة اللبنانية بتحويل وتحرير القرض الدولي الخاص بتجهيز المستشفيات الحكومية، وبدأت تجهز المستشفيات الحكومية لمواجهة الفيروس، بالإضافة إلى الإجراءات المتصاعدة الخاصة بالفصل الآمن من أجل عدم تفشي الوباء، كتعطيل المدارس وصولاً على حظر التجوال. أيضاً، قامت الحكومة بإصدار عدد من القرارات الخاصة بالتدابير الإجتماعية والإقتصادية من أجل مواكبة الناس في أزمتها، ولكنها ما زالت قاصرة خاصة في ظل دولة مفلسة تعاني من أزمة إقتصادية ونقدية.
أما على المستوى الشعبي، تعامل المواطن بطريقة غير جدية مع الوباء بداية إلى أن فهم حقيقة ما يجري، فبدأ بإجراءات الحماية في ظل ذلك ظهر جدل ونقاش واسع ومتعدد؛ نقاش حول مستوى الجدية في التعاطي مع الوباء من قبل الحكومة، والنقاش بين الإيمان والإلحاد وهذه أمور طبيعية وتحصل. لكن وما هو غير طبيعي النقاش الطائفي والحملة العنصرية التي طالت شريحة من المجتمع اللبناني المرتبطة بإيران، دينياً أو سياسياً أو الإثنين معاً، فكنا أمام حملة مبرمجة خبيثة وجيش إلكتروني يعمل ليل نهار من أجل بث الفرقة والكراهية، فرأينا صوراً متعددة للوحة الإعلانات في مطار بيروت تشير إلى الطائرات الإيرانية متناسين أن الفيروس قد تغلغل في العالم كله.
كذلك، رأينا إشاعات حول موتى لا يعلن عنهم، وإشاعات عن مستشفيات سرية، إذ لم يبقَ في الأرشيف صور وفيديوهات إلا وسحبت واستعملت في سبيل هذا الهدف، ناهيك عن النعوت والأوصاف العنصرية التي تطال هذه الشريحة اللبنانية فتخلط الفيروس بالسياسة والطائفية ولا نعرف أيهما أخطر. لكن يبدو أن طابخ السم آكله، فقد تبين لاحقاً أن أغلب الحالات قد تسربت من بلدان آخرى، كفرنسا ومصر وإيطاليا، وأن المرض، فعلياً وعملياً، لا يعرف طائفة ولا حدود ولا عرق ولا جنس ولا يمكن تطيفه على الطريقة اللبنانية، وهنا وبطبيعة لا يجوز أن يكون هناك رد طائفي مضاد وعلينا أن نخرج من هذه الدوامة المؤلمة.
هذه الأمر، المستهجن وغير الإنساني والأخلاقي، لا يليق بأبناء الوطن الواحد؛ فالاختلاف السياسي يجوز. إن كاتب هذا المقال نفسه يختلف في الإيدولوجيا مع هذه الشريحة وهذا أمر طبيعي وصحي، لكن أن نملك هذا الكم من العنصرية والطائفية هو أمر معيب ومرض عضال يستحيل شفائه. أيضاً، يشير هذا الأمر مرة جديدة إلى استحالة قيام متحد إجتماعي أو مقدمات لمجتمع واحد، فالفرقة سمتنا والقسمة مسارنا مما يبعث على اليأس وفقدان الأمل بقيام الوطن والدولة، وعلينا أن نتذكر أن الدولة لا تقوم إلا بمجتمع واحد لكونها نتاج طبيعي لمجتمع الأمة الواحدة. إتعظِ أيتها “الشعوب” اللبنانية ولا تراكموا الأحقاد والخلافات لتصلوا إلى حروب جديدة.
*كاتب لبناني
مصدر الصورة: الحرة .
موضوع ذا صلة: لبنان.. بين الإفلاس والكورونا