د. محمود الأفندي*
جاءت جائحة “كورونا” كقوة انضوت تحتها آلام الشعوب في كل بلاد العالم، وقد امتدت لتحصد آلاف البشر على مختلف أصقاع الأرض، ضاربةً عرض الحائط كل الإنتماءات والأديان والطوائف، ولم تفرق بين عربي وأجنبي، أو بين متدين ومتطرف. وبعد إنتشار هذا الوباء، أعلنت جميع الدول النفير العام بعد عجز الحكومات بالسيطرة عليه والحد من انتشاره، كونه يهدد السلامة العامة للشعوب أجمع.
وفي ظل الظروف الراهنة والدعوة لإجتماع قمة العشرين عن طريق الفيديو في السعودية، فقد دعا أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، بأن تقر الدول العشرين في إجتماعها قراراً برفع كامل العقوبات عن جميع الدول، وذلك لأن جميع الدول التي تعرضت لهذا الفيروس تعاني من نقص في المواد الطبية والغذائية والمعدات والمستلزمات الأساسية، واستمرار العقوبات سيؤدي إلى إزدياد تفشي الفيروس، حيث بات من الضروري أن يتم اتخاذ الإجراءات الجدية بالسرعة القصوى كي يتم احتواء الوباء والوقاية من كارثة بشرية تحدق بالجميع في المستقبل القريب. وقد رحبت ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم الخارجية الروسية، بدعوة غوتيريش، بل وزادت عليه بقولها إنه يجب فرض عقوبات على من يفرض عقوبات في هذا الوقت الحرج.
ومن هنا، يجب رفع العقوبات كاملة عن سوريا، وإعادة اللاجئين مباشرة وذلك لأن مخيمات اللاجئين هي أكثر التجمعات عرضة لتفشي الفيروس، وهذا يتطلب قراراً جدياً من الأمم المتحدة التي وقفت مسبقاً حائلاً في وجه عودة اللاجئين إلى سوريا، وتجلى ذلك في العام 2018 عندما تطهرت دمشق من جميع الفصائل المسلحة، ودعت روسيا المجتمع الدولي لمساعدة الحكومة السورية لعودة اللاجئين، إلا أن الأمم المتحدة رفضت وربطت عودتهم بنهاية الحل السياسي فيها. فما هو ذنب اللاجئ بأن يبقى لاجئاً منتظراً حلاً سياسياً في بلاده من الممكن أن يستمر لسنوات؟
لكن الأمر لا يقف هنا، بل قامت وبنفس الوقت المفوضية السامية للاجئين في لبنان بتوزيع منشورات على اللاجئين السوريين تضمنت أسئلة تثير الذعر بين صفوفهم رغبةً منهم بإحجام عودتهم إلى بلادهم من خلال زرع شعور الخوف فيهم، ومن أحد الأسئلة مفاده: هل تعلم أنك ستتعرض للتعذيب والقتل من قبل الحكومة السورية في حال عودتك؟ بذلك نجحوا بإدخال اللاجئين في عنق السياسة ومنعهم من العودة، هذا من جانب.
ومن جانب آخر وفي إطار ممارسات المفوضية السامية للاجئين في لبنان، حاول نصر الحريري، رئيس هيئة التفاوض، استثمار هذا الأمر والتأكيد للاجئين بأن العودة إلى سوريا محفوفة بخطر الإعتقال، مقدماً نفسه مثالاً حياً بأنه سيتم اعتقاله في حال عودته شاملاً نفسه بين اللاجئين، في حين أنه سيتم اعتقاله كمعارض سياسي. هنا اقتضى التنويه من روسيا للتفريق بين اللاجئ والمعارض السياسي، وأن عودة المعارض السياسي تكون عبر منصات للأمم المتحدة ومفاوضات جنيف، وليس عبر ملف عودة اللاجئين.
وضمن إطار العقوبات المفروضة على سوريا والتي يجب أن ترفع مباشرة هو “قانون سيزر”، لأن التأثير السلبي يقع على الشعب السوري وليس على الحكومة وحدها، وبإعتبار أن القانون يفيد بوجود ضباط مجرمين قاموا بتعذيب المعتقلين في السجون فمن الأجدر استدعاء هؤلاء الضباط إلى المحكمة الدولية في لاهاي ومحاسبتهم ضمن إطار جرائم الحرب لأنه ملف قانوني ولا سياسي، ولا يحق للكونغرس الأميركي السيطرة على صلاحيات المحكمة الدولية، ولا يحق لممثل أميركا في المحكمة تحويل “قانون سيزر” من المحكمة الدولية إلى الكونغرس الأميركي.
ليس الكورونا الفيروس الأول والأخير، بل سبقه الكثير وسيتلوه الكثير، ومن الأجدى نفعاً في هذه الظروف هو خلق بيئة صحية سليمة قوية تقي المجتمع من أي فيروس حالي أو لاحق. ولتحقيق ذلك، يجب أن تتمتع الشعوب بأقل حقوقها من بنود التنمية البشرية من صحة وغذاء وغيرها، وحصر العقوبات بالمحاكم الدولية التي تعاقب مجرمي الحرب، وعدم وصول ذراع العقوبات إلى قوت الشعب ومحاربته بلقمة عيشه والمساومة على صحته وسلامته، وتحصين الشعوب بكل ما يمكن من تأمين المستلزمات والمساعدات لتكون قوية وعصية على الأمراض والأوبئة.
من هنا، يجب أن تتسم الإجراءات المتخذة بالجدية الكاملة من قبل الأمم المتحدة، وأن لا يعاد السيناريو الذي حدث، العام 2018 في دمشق عندما دعت روسيا المجتمع الدولي لعودة اللاجئين وإرسال المساعدات إلى الشعب السوري، حيث قامت فرنسا بإرسال مساعداتها ولكن سرعان ما توقفت عن ذلك حيث تبين فيما بعد أن السبب كان الضغط الأميركي عليها، وهو أمر رفض الرئيس إيمانويل ماكرون الإجابة عنه عندما سأله الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن سبب توقف إرسال المساعدات للشعب السوري.
*الأمين العام لحركة الدبلوماسية الشعبية السورية.
مصدر الصور: روسيا اليوم – نون بوست.
موضوع ذا صلة: شاربنتييه: تعديلات جذرية في سياسات الإتحاد الأوروبي الخارجية بعد “كورونا”