د. عبدالله الأشعل*
أخبرني بعض أصدقائي من ليبيا ما أحزنني، ووجدت أن الوعي بقضيتها بالغة الإلحاح وأن غياب الوعي وتراكمات الجهل طوال عقود يهدد وجود هذا الوطن العربي. فلقد علمت أن الأمازيغ، في غرب ليبيا، يستعدون لإعلان كيان إسلامي مستقل بحجة أن العرب احتلوا ليبيا بإسم الدين ثم تخلوا عنه.
وترجع هذه البثور الضارة إلى عدد من العوامل، أبرزها أن العرب المسلمين غزوا العالم يوم رفعوا راية “الإسلام والتوحيد”، فأخرج العرب من الظلمات إلى النور وحكم العرب المسلمون بسماحة أحكام الله في القرآن كتاب الله الخاتم وسنة نبيه الكريم إلى يوم الدين. ولما تعاقبت الغزوات على المنطقة العربية، ظهرت اتجاهات لمقاومة هذه الغزوات على المستوى الفكري خصوصاً عندما يجمع الدين أو القومية الغازي مع الضحية. ولذلك، ظهرت فكرة القومية العربية للمحافظة على الطابع العربي ضد موجة التتريك، فلم يعمد هذا التيار إلى الإسلام لأن الأتراك مسلمون، تماماً مثلما حدث في الجزائر إذ لم تجد ثورتها، العام 1954، بداً من تمييز الجزائري عن الفرنسي إلا بالإسلام، وهي لم تقصد التأسيس للإتجاه الإسلامي الذي يعادي العروبة. لذلك، اندمج فيها الأمازيغ وهم الذين نصروا حملة المسلمين في الأندلس قبل أن يكونوا أول المطرودين في نهاية القرن الخامس عشر.
بعدها، ظهرت موجة القومية العربية، في خمسينات وستينات القرن العشرين، فإضطهد الحكام القوميون التيارات الإسلامية ونكلوا بهم في إطار احتكار السلطة. وعند هذه اللحظة، اعتبر الإسلاميون فيها أن القوميين دعاة عنصرية وأن الأمة العربية تناقض مفهوم الأمتين الإسلامية والعربية من مخلفات الإستعمار، واتهم الإسلاميون القوميين بأنهم ضد الدين خاصة بعد أن ركزوا على أن الفكر القومي والفكر العلماني لكي يحتضن كافة التقسيمات العربية والدينية على إمتداد الوطن العربي. أيضاً، واتهم كل منهما الآخر بأنه يستغل جهل الناس وسذاجتهم وتعنت عقولهم وبالعمالة لقوى أجنبية، فضاع الشباب العربي بين المعسكرين.
من جهته، زعم التيار القومي أنه تحرري وبنى الدولة الوطنية التي لا يقبل منها مشاركة أحد، وتحدث بإسم الشعب الذي نكل به. في المقابل، زعم التيار الإسلامي أن احتضان موسكو للنظم القومية هو إعتناق للشيوعية وإتهم هذا التيار النُظم القومية أنها كرست الدكتاتورية وغيبت الوعي وساقت الإنتصارات الكاذبة واستخدمت إسرائيل شماعة لقمع الجميع، إضافة إلى إتهامها بأنها أنظمة مستبدة مكنت المشروع الصهيوني إذ أن هذا الصراع، القومي والإسلامي، أزعج المسيحيين العرب ودفع بعضهم إلى البحث عن حماية غربية، على غرار ما حدث في لبنان، كما دفع البعض الآخر إلى إتخاذ موقف العداء من الأغلبية المسلمة.
أما الأقليات العرقية، فقد اعتصمت بالإسلام أو المسيحية كحماية وهوية بديلاً عن الهوية الوطنية التي يهيمن عليها التيار القومي. ساعد هذا المناخ مخطط الغرب لضرب التيارين معاً خاصة مع تطرف التيارين القومي، وإغفاله أن العروبة ثقافة وليست عرقاً، والإسلامي، وإغفاله أن الإسلام حضارة ودين شامل في نفس الوقت وأن المسلم يعترف بكل الرُسل والرسالات السابقة وإن وقف اليهود والنصارى عند شريعتهم ولم يستجيبوا كما كتب في كتبهم المقدسة حول النبي الخاتم وإتمام الدين. ومن بين الأقليات داخل الوطن الواحد الأمازيغ والطوارق والكرد الذين حرضهم الغرب على انشاء كيانات مستقلة عن الأوطان التي احتكرها القوميون، ذلك أن تطرف الإستبداد القومي أزعج المكونات الأخرى العرقية والدينية. لكن كان المستبد العربي القومي يكبب كل هذه المكونات، كما حدث في سوريا وليبيا ومصر، إلى حد ما ولكن تكشفت هذه الصراعات بعد ضعف الدولة الوطنية وسقوط الإستبداد العربي القومي.
من هنا، يبدو أن الحل هو في إعادة صياغة الدول العربية على أساس نظام ديمقراطي يرعى الجميع ويطلق حريات العبادة والمساواة وإعمال القانون الذي لا يميز بين التيارات والمذاهب. لكن تنفيذ هذا الحل يتطلب عملاً ناجزاً من جانب القيادات الثقافية والشعبية لإنقاذ الأوطان من مصير أشد ايلاماً من التشرذم والصراع وضياع الهوية. على سبيل الثمال، يجب أن تكون ليبيا دولة الجميع وهذا يستغرق وقتاً تراجع فيه بأمانة جرائم التيارات القومية والإسلامية في حق الأوطان والشعوب وضحايا الحروب العبثية بينها. وبيان ذلك أنها جميعاً، في مسلكها، تخالف الإسلام والعروبة معاً من حيث أن الإسلام حضارة احتضنت كل المكونات والعروبة ثقافة.
أخيراً، إذا كان الإسلام أعز العرب وجعلهم سادة، فإن تخليهم عن الإسلام الصحيح جعلهم تحت أقدام العالم وقد ظنوا أن النفط بديل عن الإسلام في كسب العزة، بينما العزة لله جميعاً. ولذلك، زادت الثروة النفطية والعبث بدخولها من أطماع الدول الأجنبية التي تؤثر على استقرار نظم الحكم فيها.
*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
مصدر الصورة: كيو بوست.
موضوع ذا صلة: “داعش” – واشنطن.. ومخطط تقسيم العالم العربي