إعداد: مركز سيتا

يستوعب سد “إليسو” التركي، في حالة امتلائه كلياً بالمياه، ما يقرب من 20.93 مليار متر مكعب، ويولد 1200 ميغاوات من الكهرباء، ليصبح رابع أكبر سد فيها من حيث الطاقة الإنتاجية. بدأ الجانب التركي تمويله، العام 1999، لكن حصلت العديد من الإنسحابات من قبل بعض الداعمين ما تسبب في غرق مدينة حسن كيف الأثرية وتهجير أكثر من 78 ألف مواطن تركي، إلى أن بدأت الحملة الفعلية لبنائه، في العام 2010، بعد الحصول على دعم من شركة “انرتز” النمساوية.

نزع تعهد أنقرة بتزويد بغداد بحصتها من المياه فتيل التوتر الذي شاب علاقات بين الطرفين بسبب تشغيل السد على نهر دجلة، لكن التحدي الحقيقي يكمن في قدرة أنقرة على الوفاء بهذا التعهد، بعد أن أكدت مصادر عراقية أن تدفق مياه دجلة إلى العراق انخفض بنسبة 50% منذ تشغيل السد، 1 يونيو/حزيران 2019، وأن كمية المياه المخزنة في العراق انخفضت من ثمانية مليارات متر مكعب إلى ثلاثة مليارات.

قفزة إقتصادية

يعد سد “إليسو” جزءاً رئيسياً من مشروع جنوب شرقي الأناضول الذي يهدف إلى “تحسين أوضاع المنطقة الأفقر والأقل تطوراً في البلاد”، حيث ذكر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن بلاده ستبدأ في ملء خزان السد في يونيو/حزيران 2020، أي بعد عام من قيامها بإحتجاز الماء لفترة وجيزة خلف السد قبل أن يتقدم العراق بشكاوى في هذا الشأن، منتصف صيف العام 2019.

وإليسو هو أول سد يدخل الخدمة ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول المائي المعروف بإسم “غاب”، والذي يشمل إقامة 22 سداً، بينها 14 سداً على الفرات وثمانية على دجلة، فضلاً عن عشرات من محطات توليد الطاقة. سبق هذا المشروع، الذي وصفه وزير المياه والغابات التركي فيصل آر أوغلو بـ “رؤية تركيا”، إقامة سد أتاتورك على نهر الفرات الذي دخل الخدمة في العام 1992، فيما اقترب العمل من نهايته حالياً في سدي بيراجيك وغيرغاميش.

مؤشر خطير

بعد سنوات من التوقف والتأخير، بدأت تركيا ملء خزان السد وسط مخاوف حقيقية. ففي الوقت الذي تعج فيه وسائل الإعلام بالتحدث عن أخطار العملية العسكرية التركية على الوجود الكردي في شمالي سوريا، سلطت مجلة “نيشن” الأميركية الضوء على خطر من نوع آخر تستخدمه أنقرة ألا وهو المياه حيث قال العالم البيئي الألماني أولريش ايخيلمان أن السد “يعتبر سلاحاً ضد الأراضي المنخفضة، لقد خطط له وبني بطريقة تمنع مياه دجلة لمدة طويلة.”

ويعتبر السد واحداً من مجموعة سدود تركية، أثرت على منسوب نهر الفرات الذي يجري في سوريا ايضاً، إذ انخفضت نسبة المياه فيه بمقدار 40% خلال الأربعين عاما الماضية، وقلت النسبة إلى الضعف في العراق. ومع إنشاء السدود على نهر دجلة، فإن المصير المائي للعراق سيكون في يد تركيا، بحسب تقرير المجلة الأميركية.

وقد تتعرض منطقة أهوار العراق إلى الجفاف لتصبح صحراء بفعل السد لأنه سيمنع تدفق المياه مثل السابق، كما أنه سيصبح سلاحاً تكتيكياً في يد تركيا أمام أعدائها في المنطقة.

أزمة إضافية

يشكل السد أزمة جديدة أضافتها تركيا إلى الأزمات المتفاقمة والمتراكمة في العراق منذ عقدين حيث أن تشغيله سيشكل كارثة جديدة على العراقيين والمتمثلة في الخوف من “العطش”، إذ إعتبر خبراء أن المشكلة ليست بتشغيل التوربينات، بل في ملء السد وقطع المياه القادمة إلى العراق، فالأخير يتخوف من قطع مياه نهر دجلة إذا ما تم ملء السد لتشغيل التوربينات، وهو ما سيسبب ضرراً كبيراً على الإقتصاد أيضاً خصوصاً وأن العراق يعاني منذ سنوات من انخفاض منسوب مياه اكلنهرين لا سيما مع تناقص كمية المتساقطات شتاءً، فهما أيضاً يغذيان اثير من محطات المياه المستخدمة في الأراضي الزراعية.

ومنذ العام 2017، أدى نقص المياه في العراق إلى اتخاذ إجراءات مهمة أبرزها حظر زراعة الأرز ما دفع مزارعين إلى هجر أراضيهم، كما شهدت مدينة البصرة احتجاجات استمرت شهوراً بسبب عدم توفر مياه صالحة للشرب.

تداعيات سلبية

تشير العديد من المعلومات إلى أن للسد تداعيات سلبية جدا على العراق منها تقليل الواردات المائية لنهر دجلة بنحو 60%، أي خفض حصته من 20 مليار متر مكعب إلى 9 مليارات تقريباً. هذا النقص سيحرم العراق من ثلث أراضيه الصالحة للزراعة، وتحديداً في الشمال والوسط والجنوب، ليتحول من بلد منتج إلى مستورد للمحاصيل عوضاً عن الإكتفاء الذاتي؛ بالتالي، سيؤدي السد إلى تردي الأوضاع الإقتصادية المنهكة أساساً، وإرتفاع نسبة البطالة، لكن الأخطر إمكانية تشكل موجة نزوح كبيرة، ناهيك عن إنخفاض ملحوظ للثروة الحيوانية.

من هنا، قد تشهد تلك المناطق حرماناً من المياه، ومن الممكن أن يتم تلويث المياه المتبقية التي تمر عبر مولدات الطاقة الكهرومائية، وسيؤدي إنخفاض مستوى المياه في النهر دجلة إلى توقف توليد الطاقة الكهربائية في سدي الموصل وسامراء، وخفض مستويات تخزين المياه الطبيعية في بحيرتي الثرثار والحبانية.

وإلى جانب كل هذه الآثار السلبية، قد يواجه العراق ظاهرة التصحر على مساحات أكبر مما يساهم بتكرار العواصف الرملية، حيث أن تركيا لا تكترث بكل تلك المعوقات التي سيواجهها العراق خصوصاً وأن السد يعد إنتهاكاً لإتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بإستخدام المجاري المائية الدولية.

خلاف قديم – متجدد

ظلت قضية المياه محل خلاف شديد بين أنقرة وبغداد منذ سبعينيات القرن العشرين، لكن التوتر بلغ مداه عقب تشغيل هذا السد إذ ترى تركيا بأن إنشاء السدود يعد جزءاً من ممارستها لسيادتها الطبيعية على ترابها ومواردها حيث رفض السفير التركي ببغداد، فاتح يلديز، تحميل بلاده المسؤولية عن انخفاض مستويات المياه بنهر دجلة بسبب السد مشيراً إلى إن سبب انخفاض مياه دجلة هو الجفاف الذي تشهده المنطقة.

وذكرت وسائل الإعلام التركية أن أنقرة قادرة، رغم صعوباتها المائية، على الوفاء بتعهداتها للعراق، وأنها اتفقت مع بغداد على تقنية خاصة لملء خزان السد تسمح باستمرار تدفق المياه في مجرى النهر نحوه، وفي اتجاه الخزان في آن واحد، حيث قالت صحيفة “سوزتشو” التركية إنه جرى الإتفاق على هذه الآلية التي لم يتم توضيح تفاصيلها التقنية أثناء زيارة وفد تقني عراقي لتركيا، العام 2017، إذ تم التوقيع رسمياً على ذلك في مايو/أيار 2019.

وتضيف الصحيفة نفسها أن السد المخصص للخدمات الهيدروكهربائية يحتاج إلى حجز كميات مياه أقل من تلك التي تصرفها خزانات الري الزراعي، الأمر الذي يحسن فرص الحفاظ على حصة العراق المائية.

أخيراً، مع الإعتقاد السائد لدى تركيا بأن نهري دجلة والفرات هما نهران وطنيان داخليان، وليسا دوليان كما تم توصفهما قواعد القانون الدولي، فإنها تجيز لنفسها الحق في إقامة السدود عليهما بحسب ما تقتضيه مصالحها الوطنية، وعلى هذا الأساس تبلورت في تركيا مشاريع مقايضة النفط مقابل المياه.

ألا أن هذا الحق مقيد بقواعد وأعارف دولية ولا يمكن أن يبقى دون ضوابط أو قيود، فيحق لها التصرف بإستغلال مواردها المائية بالشكل الذي تراه مناسباَ لها ومنسجماَ مع مصالحها، كبلد منبع، شرط ألا يتعارض مع مصالح الدول المشتركة معها، التي يمر فيها النهر أو دولة المصب ما قد يشكل تهيدياً للأمن الإقليمي المائي الذي يعتبر شريان الحياة ومحرك كل عجلات الإقتصاد الرئيسية في البلاد.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: مركز البيان – قناة الفلوجة.

موضوع ذا صلة: جفاف نهر دجلة: “نكبة” مائية