لأن فلسطين بوصلتنا، ولأنها قضيتنا المركزية، ولأنها تجمع العرب من المحيط إلى الخليج في يوم مقدس رحماني رمضاني، ولأن فلسطين محتلة، ولأن الدماء قدمت لها ولا تزال تقدم، فمن واجبنا أن نقف معها، مع القدس ورام الله وحيفا ويافا وعكا ونابلس والجليل.
فلسطين الأبية، قضية دمشق وبغداد والكويت والقاهرة وكل العرب. قضية فكر ونهج ومقاومة. قضية ثبات وعز ونصر سيأتي مهما طال الزمن أو قصر، لأن القدس الثابت الذي لا يتغير، وعلى رأس الأولويات، رغم “إنبطاح” الكثير من الأنظمة العربية؛ فتحريرها هو الواجب الأسمى لأي نضال كان، إنتفاضة أو ثورة أو ثقافة. فمن باع القضية ليس بغافل عن النتيجة، بل سولت له نفسه الإنبطاح.
“يوم القدس”، ليس الأمر مجرد رفض للصهيونية ولهيمنتها ولتسلطها أو مجرد رفض الظلم الناتج عن احتلال القدس ومشروع تهويدها، بل هو رفض للصهيونية عما تحيك لدمشق وبغداد وسيناء والخليج، عما تحيك لأفريقيا وآسيا والأمة الإسلامية على إمتداد الكرة الأرضية. “يوم القدس”، هو الوقوف مع الحق في وجه الظلم، فلقد وعى مؤسس الحزب السوري القومي الإجتماعي، أنطون سعاده، باكراً الخطر الصهيوني على شعبه ووطنه، وحذر منه منذ العام 1925 حيث قال في إحدى مقالاته “إن جميع المسائل الحقوقية والسياسية التي لها علاقة بأرض سوريا أو جماعة سوريا هي أجزاء من قضية واحدة غير قابلة التجزئة أو الاختلاط”، والمقصود بسوريا، سوريا الكبرى أو الهلال الخصيب بكافة كياناته. بالتالي، إن المسألة الفلسطينية هي جزء من قضية الأمة العامة.
أيضاً، يقول سعاده “جمعنا الإسلام وأيد كوننا أمة واحدة فليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا ووطننا غير اليهود، فلنكن أمة واحدة في قضيتنا الواحدة ونظامنا الواحد.” إن القضية الفلسطينية دامعة للمفكرين والثوار والمناضلين، و”يوم القدس” هو يومنا الشامل من عواصمنا العربية من ضمائرنا الحية، من صرخات أمهات الشهداء، وجوع وعطش أسرانا القابعين في زنازين الاحتلال، وأطفال الحجارة والأغاني الثورية والنضالية، والرصاصة المقاومة، والوعي والمتسلح بالعلم.
أن نحيي “يوم القدس” و”يوم الأرض” و”حق العودة” دونما التسلح بالسلاح الأقوى، والإبتعاد عن الكلام إنشائي، إلى مواقف هزيلة وضعيفة. فموقفنا الثابت والراسخ هو عودة القدس وكل التراب الفلسطيني، ومزارع شبعا، والجولان السوري، وعودة لواء إسكندرون، وطرد المحتل. فالصهاينة ليسوا فقط على أرض فلسطين، فهم موجودون في كل النكبات التي تطال الأمم، من سوريا إلى العراق ولبنان ومصر وحتى الخليج. لذا، إن القضية المركزية هي قضيتنا الجامعة بهناء وعز ونصر العواصم العربية كلها، فجدران فلسطين شاهدة على ذلك، وكل قضايا العرب مسؤوليتنا، وكما قال المناضل الفلسطيني ناجي العلي “عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته، حينها نكون على الطريق الصحيح.”
“يوم القدس” هو يومنا. فماذا فعلنا للقدس منذ إحتلال فلسطين الحبيبة إلى اليوم؟ من فعل هم القابعون داخل فلسطين؛ أما خارجها، نعم وقفنا مع القدس ومع فلسطين، إعتصمنا وكتبنا المقالات، وأعلنا الموقف الوضاح والصريح، إلا أن هذا لا يكفي بل إنه قليل جداً، فالعمل على إسترجاع الحقوق يبدأ بمقاومة الفكر، بالتسلح بالعلم، بإحتضان الفلسطينيين في أرض الشتات. فماذا فعلنا في أيامنا هذه؟ وهل فلسطين راضي منا؟ أعتقد أنه في بعض جوانبنا نعتبر مقصرين، لكن الأوان لم يفت بعد؛ فلطالما كانت الكلمة أقوى مفعولاً من الرصاصة، وكلما زدنا من دعم الصروح العلمية، والجامعات ومراكز الأبحاث الفكرية، وبدأنا تفعيل خطوات التحرير إلى جانب المقاومة الفعلية في المواجهة، نكون قد بدأنا تنفيذ إستعادة الحق العربي.
القضية الأسمى لا تحتاج إلى البذخ في وضع بوسترات وصور الزعماء، الذين نهجهم حي بداخلنا وهو موجود في مسيرة نضالهم الطويل، يحتاجون منا التكريم بالعمل والفعل، بإحياء نهجهم والسير على خطاهم، بإكمال مسيرتهم، لا صرف الآلاف من الدولارات، إن لم أقل الملايين، وقضيتنا بحاجة إلى تلك الأموال، وبحاجة لدعم أبنائها وليس بالتبرعات، بقدر ما هو الإهتمام بمستقبلهم لتنشئتهم وتأهيلهم لحمل الراية ومتابعة النضال، فجامعاتنا أولى وإقتصاد أمتنا أولى. حين نجمع أبناء فلسطين وكل العرب ونسلحهم بالعلم ونشجعهم على الإبداع من الأدب إلى الفن الهادف، إلى بناء الإنسان وهندسة العمران والصناعة، الرصاصة صناعة، وتحقيق فكر النضال صناعة، مناضلونا الأوائل عبدوا الطريق لنا، وعلينا الترميم لندخل مرحلة الإنتاج. فبناء الإنسان هو ما يقلق العدو، والبنى التحتية ستبقى سلاحنا الأقوى لمواجهته، فلنكون على قدر من المسؤولية ونبدأ العمل.
إن السلاح يحيا مع العلم، والرصاصة تحيا مع الإيمان، ومن إنضم إلى صفوف المقاومة إنضم بدافع الإيمان لقضيته. من منا ينسى مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، جورج حبش، ورفيقه، وديع حداد، ومؤسس الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، نايف حواتمة، وشاعر حركة فتح، كمال بطرس ناصر؟ الجميل في القضية الفلسطينية أنها جمعت الكل كونها شكلت تجسيداً صارخ الوضوح للظلم والطغيان، فإجتذبت مناضلين قوميين ويساريين من غير الفلسطينيين، كنموذج الدكتور رؤوف نظمي عبد الملك، الشهير بإسم م”حجوب عمر”، القبطي المصري اليساري.
حتى رجالات الدين من الشيخ أحمد ياسين إلى الأب إبراهيم جبر عياد، الذي كان يطلق عليه إسم “فارس الكنيسة”، والبطريرك ميشيل صباح، الرئيس السابق لأساقفة اللاتين بالقدس، الذي كان لا يكل ولا يمل عن فضح ممارسات الإحتلال العنصرية، وواسطة عقد المقاومة الوطنية الفلسطينية المسيحية بلا منازع فهو الراحل المطران، إيلاريون كبوجي، سوري المولد، الذي شارك في العمل المقاوم بأعلى مستوياته.
أخيراً، كما المسجد الأقصى وكنيسة بين لحم، والتعايش بين الأديان هو رسالة الرسالات، وأحد أعمدة النضال الوطني ضد الاحتلال الصهيوني، يحتم علينا البدء بالعمل والإبتعاد عن التنظير. فلنبدأ بالتطوير الإقتصادي والعمل والتسلح بالعلم، إذ لا ينقصنا الكوادر ولا الأدمغة ولا الأموال، بل كل ما نحتاجه هو رص الصفوف لنجمع الكل في قلب واحد وننشئ المعامل والمصانع والصروح العلمية ونمول قضيتنا الأسمى بسلاح العلم والعمل، “حي على العمل”. إن الإنتعاش الإقتصادي يرهب أعدائنا، هم يريدوننا ضعفاء، ونحن سنقف ونقوى بإيماننا المطلق وقضايانا من دمشق إلى القدس وبغداد السلام و”قاهرة المعز”، سنعمل على إحياء هند الحسيني ودلال المغربي، سنحيي محمد الدرة، ونثور بالعلم ونتتفض بتطوير الإقتصاد. فبالإيمان والعمل، نحيي “يوم القدس”.
*كاتب وحقوقي – الكويت
مصدر الصور: الكاتب – الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين.
موضوع ذا صلة: الإرادة العربية ومصير القدس: تحديات ومواجهات