جميعنا بمن فينا رئيس الحكومة، حسان دياب، كنا ندرك أن وصوله لمنصبه كان مؤقتاً، فترة انتقالية للمراوغة لا أكثر.
أما وقد احترقت ورقته، وصار جلياً للجميع أن لا كلمة له في القرارات المهمة، التعيينات المالية القائمة على المحاصصة والتعنت والفشل في ملف الكهرباء مثالاً، وليس سوى مجرد أداة تورية للأحزاب التي أتت بحكومته، فلا ضير بإسقاطه في الشارع حتى ولو جاء ذلك من قبل من أوصلوه أنفسهم إلى منصبه، والإنتقال إلى مرحلة سياسية جديدة بحكومة أقدر ربما على التفاوض مع الجهات الخارجية فضلاً عن التودد للبيت الأبيض الذي يرفع ورقة قانون “سيزر” في وجه كل من يتعامل مع سوريا وحزب الله.
الغريب أن الرئيس دياب كان يعلم أنه أبسط من أن يكون رجل المرحلة، ولا يمكن لأحد أن يطرحه كمنقذ للبلد من شبح الانهيار المحتم، لكنه رغم ذلك ارتضى عن طيب خاطر دخول اللعبة، مع العلم أنه لن ينال من تبعاتها إلا “وجع الرأس”، فضلاً عن “فخر” دخوله نادي رؤساء الحكومات السابقين.
على المشهد السياسي زخرت الأيام القليلة الماضية بلقاءات سياسية ودبلوماسية على خط عين التينة والمختارة وقريطم خصوصاً، تشي بإتخاذ قرار الإطاحة بالحكومة تمهيداً لعودة تنصيب الرئيس سعد الحريري، الذي يحظى بأوسع إجماع من الأحزاب الحاكمة، مع العلم أن بعضها يدعمه بسبب ضعفه وإمكانية التأثير على قراراته، والبعض الآخر بسبب تمتعه بغطاء إقليمي ودولي، تزامناً مع انفراده في الصف الأول للزعامة السنية حتى الآن، رغم كل إخفاقاته.
لا يتمتع الرئيس دياب برفاهية الدفاع عن حكومته أو رفض الخروج من المشهد السياسي، فأفضل ما يمكن أن يخدم به لبنان الآن هو التهرب من العقوبات الأمريكية عبر تحويل حكومته إلى تصريف الأعمال عبر الإستقالة، بغض النظر ما إذا كانت الأجواء ستسمح بتشكيل سريع لحكومة جديدة تتلقف كرة النار المتفاقمة في طريقها نحو الانهيار الأكيد.
ولا يمكن أمام مشهد مظاهرات ليل الخميس – الجمعة التي طرأ عليها شباب الضاحية الجنوبية والخندق، إلا التوصل إلى النتيجة ذاتها، ومفادها أن دور الرئيس دياب قد انتهى في هذه المسرحية، وحان الوقت لإيجاد فدائيٍّ آخر.
اللاعب الحاضر الغائب في كل هذا السيناريو هو الدولار الأميركي، مع تسجيله مستويات قياسية بتخطيه عتبة الخمسة آلاف ليرة لبنانية، تزامناً مع ارتفاع جنوني لسعر صرفه مقابل الليرة السورية بتجاوزه عتبة الـ 3500 ل.س. لكن ارتفاع الأخيرة تم كبحه بشكل مفاجئ ليتراجع بينما يتابع ارتفاعه في السوق السوداء في لبنان، الأمر الذي فُسر على أنه جاء نتيجة سحب ما أمكن من الدولارات من لبنان لمد السوق السورية بها.
لكن علامات استفهام أخرى وُجهت إلى مظاهرات الخميس، تضع أمام المراقب مسألة الترويج الإفتراضي أن الدولار تجاوز السبعة آلاف ليرة، فيما ما زال في فلك الخمسة آلاف في السوق. هذا التجييش والتحرك المناهض للمصارف وخاصة لحاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، يأخذنا لطرح فرضية أن القرار الحزبي هو الإطاحة برجل تنفيذ السياسة المالية الأمريكية في لبنان، وليس الإطاحة بالرئيس دياب على الإطلاق، خاصة أن سلامة رفض ضخ الدولارات في السوق ما أدى إلى زيادة في شحها انعكس ارتفاع اًقياسيّا في أسعار الصرف.
أصوات أخرى قرأت بين السطور اتفاقاً سياسياً ضحى الرئيس الحريري بموجبه بـ “الحاكم” في مقابل دعمه وتأمين عودته إلى منصب رئاسة الحكومة، مع المطالبة بتشكيل حكومة وطنية من الأحزاب تعيدنا إلى فلك ما قبل 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 دون أخذ خيار حكومة إنقاذ وطني إقتصادية على محمل الجد.
في المحصلة يمكن القول إننا كنا ننتظر بفارغ الصبر رؤية مشهد وحدة الصف في الشارع، لكن لنا أن نحلل ونقيم بعد أشهر ارتاحت خلالها الأحزاب والزعامات الفاسدة من ضغط الانتفاضة وأعطتها أزمة “كورونا” أفضلية ترتيب الصفوف ووضع المخططات.
يبقى السؤال: إلى أين يتجه لبنان؟ وهل التظاهرات وكل أشكال التحركات تعكس انفجاراً شعبياً طبيعياً نتيجة الإنهيار الاقتصادي، أم أن السلطة استفادت من الوضع واستغلت الشعب على مبدأ “حطب غِب الطلب”؟!
*إعلامية لبنانية
مصدر الصور: دالاتي ونهرا
موضوع ذا صلة: حاكم المصرف والمحميات الطائفية