سمر رضوان

جاء التصعيد الأخير بين أذربيجان وأرمينيا في وقت قد يشكل إفادة لكل من روسيا وتركيا معاً، وذلك من أجل إعادة ترتيب أوراقهم في الملفات المشتركة “الحاسمة” وبالأخص أنقرة، التي باتت في وضع غير جيد في ليبيا إثر انخفاض وتيرة تصعيدها بمقابل تحرك عربي مدعوم من “حلف” روسي – فرنسي، لتكتمل الصورة مع تجدد الأزمة في جنوب القوقاز كأمر يبين رغبة أنقرة في خوضه.

حول مستقبل الأزمة الأرمنية – الأذرية والدورين التركي والروسي، وغير ذلك، سأل مركز “سيتا المحلل السياسي، سركيس قصارجيان عن أبعاد هذه الأزمة.

إرث وجذور

يجب الأخذ بعين الإعتبار بأن الموقف التركي التصعيدي ليس بجديد؛ فأنقرة كانت ولا تزال إلى جانب أذربيجان لعوامل متعددة منها أنها تعتبر باكو جزءاً من المنظومة الطورانية التي تعتبر تركيا نفسها “الأخ الأكبر” لها نتيجة أن شعوب تلك الدول، مثل أذربيجان وقيرغستان وكازاخستان وتركمنستان أي جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق، لهم نفس الجذور التي يتشاركون بها مع الشعب التركي.

أذربيجان لها مكانة خاصة لدى الأتراك، والعامل الإجتماعي الشعبي، مهم جداً في هذا الموضوع لأن الرأي العام التركي متعاطف دائماً معها بطريقة مختلفة عن باقي الشعوب إن كانت على سواء كان التعاطف على أساس قومي أوديني.

بالتالي، إن الموقف التركي هو موقف داعم لأذربيجان وليس فقط الآن بل منذ بداية حرب “ناغورنو قره باغ”، بداية التسعينات؛ على الرغم من أن تركيا لم تتمكن من الدخول إلى جانبها في الحرب بشكل مباشر نتيجة وجود توازنات إقليمية ودولية كروسيا وإيران ودول أوروبية أيضاً، لكنها بقيت تقدم، ولا تزال، الدعم العسكري واللوجستي للجيش الأذري، مع الإشارة إلى أنها أغلقت الحدود مع أرمينيا وساهمت بحصارها، العام 1994، وكذلك الأمر في حرب الأيام الأربع، العام 2016.

دعم لا محدود

لا يوجد هدف محدد لدى لتركيا من تصعيد الأزمة لكنها لا تملك خياراً آخراً، إن كان على مستوى المصالح أو تموضعها الجيو – بولوتيكي أو المصالح الإقتصادية والروابط الإجتماعية والثقافية، إلا بدعم الموقف الأذري. فحكومة حزب “العدالة والتنمية” لن تخاطر بلعب دور وسطي في هذه الفترة لأنها تعاني أصلاً من مشاكل إقتصادية وتراجع في الشعبية وغير ذلك؛ وبالتالي، لن تذهب إلى التهدئة لأن ذلك يخسرها الكثير من الأصوات في الداخل.

على الصعيد الخارجي، هناك هدف تركي يمثل في رغبتها بريادة “العالم الطوراني”، هذا الأمر هو في الأساس محاولة للضغط على روسيا، التي أعتقد بأنها تولي أهمية لعلاقاتها مع تركيا بسبب مكانتها لدى بعض هذه الدول، لا سيما دول القوقاز. أيضاً، هناك وزن لتركيا داخل الجمهوريات الروسية ما يعطي أنقرة وزناً وتأثراً ومكانة كبيرة كقائد لهذه الدول رغم وقوعها ضمن المجال الحيوي للأمن القومي الروسي.

آخر الحلول

روسيا دائماً هادئة في تصريحاتها، وليست السياسات الروسية على الأرض هي متوافقة دائماً مع التصريحات الدبلوماسية؛ شخصياً، تفعل روسيا أكثر مما تتحدث على عكس تركيا. لكن بشكل عام حتى الآن، يبدو الموقف الروسي موقف دولة عظمى بالمنطقة خصوصاً وأنها دعت إلى وقف التصعيد والعودة إلى المفاوضات. هذه الدولة تحاول لعب دور الوسيط أكثر من الرغبة بأن تكون طرفاً في مشكلة.

بتقديري الموقف لن يتطور. لكن إن تطور الأمر، أعتقد أن الموقف الروسي سيكون، كما كان سابقاً منذ بداية الحرب، ميالاً أكثر لجهة أرمينيا من أذربيجان ذلك أن موسكو وياريفان مرتبطتان بمعاهدة دفاع مشترك، وروسيا لديها قوات على الحدود الأرمينية – التركية. الهدف من وجود هذه القوات هو حماية حدود أرمينيا الغربية، أي حمايتها من تركيا. أيضاً، يضاف إلى ذلك العلاقات الدبلوماسية والثقافية بين كلا الدولتين علماً أن روسيا ترتبط مع أذربيجان بعلاقات إقتصادية أيضاً.

هنا يمكن الإشارة إلى مسألة مهمة وهي أن أذربيجان هواها غربي أكثر منه روسي؛ وبالتالي، تحاول موسكو الضغط دائماً عليها في هذا المنحى مخافة أن تتعرض لنكسة أخرى كالتي تعرضت لها في جورجيا حيث إضطرت في نهاية الأمر إلى إستخدام القوة لضبط الأمور.

ما علاقة إسرائيل؟

بتقديري، سنبالغ إذا قلنا إن هناك تحالف إستراتيجي – عسكري بين أذربيجان وإسرائيل إذ لا يمكن الحديث عن تحالف إستراتيجي إسرائيلي – أذربيجاني، وإنما هناك علاقة إسرائيلية – أذرية قائمة على مصالح إقتصادية بحتة، بالإضافة إلى أنها تقع في شمال إيران ولها إمتداد فيها، أي أذربيجان الجنوبية التي هي أراضٍ تقع داخل الحدود الإيرانية ووجود نسبة كبيرة من الإيرانيين من أصول أذرية، إضافة إلى غنى باكو بالنفط والغاز، بالإضافة إلى أهميتها على صعيد إهتمام إسرائيل بمنطقة القوقاز وأوروبا الشرقية وآسيا، حيث تصنف هذه المنطقة تراة آسيوية وتارة أخرى غربية.

من هنا، تلك العوامل تجعل من إسرائيل شريكاً إقتصادياً، أكثر منه سياسياً، وهي تقوم ببيع معدات وأسلحة تقنية وصناعات عسكرية لأذربيجان وعلى رأسها الطائرات المسيرة.

مشاريع حيوية 

تعتبر مشاريع الطاقة مهمة جداً ليس فقط لإسرائيل بل ولتركيا وجورجيا أيضاً، حيث تستفيد الأخيرة من رسوم مرور أنابيب الغاز على أراضيها. ونظراً إلى حيويتها، من المؤكد أن الحكومة والشركات الإسرائيلية مهتمة بهذا المشروع ولها حصتها في سوق النفط الأذرية حيث يأتي في الطليعة، بالإضافة إلى الصناعات العسكرية والتقنية حيث تعتبر أذربيجان سوقاً مميزاً لها.

في النهاية، تعتبر أذربيجان دولة غنية بمصادر الطاقة تؤمن لها نوارد مالية ضخمة؛ بالمقابل، هي دولة “بِكر” من حيث الإنتاج والصناعات إذ أنها لا تملك تصنيفاً بين الدول الصناعية والتجارية. بالتالي، من الطبيعي أن تكون نقطة إهتمام وجذب لدول صغيرة مثل إسرائيل، التي دائماً تبحث عن دول تستطيع إقامة علاقات إقتصادية معها.

وعلى الرغم من أن باكو مصنفة كدولة إسلامية، إلا أنه لا توجد أية مشكلة في التعامل مع إسرائيل لكونها ذات طابع علماني ظاهر مسيطر أكثر من الإسلامي. كل ذلك، لا يعني أن المجتمع الأذري هو مجتمع علماني، فأنا أتحدث هنا عن الحكومة؛ فأذربيجان من الدول التي تفتقر إلى أدنى مقومات الديمقراطية، في حين أن الحكومة هي علمانية ولا ترى حرجاً، طبعاً مثل تركيا، بالتعامل المباشر والواضح والصريح مع إسرائيل.

مصدر الصورة: الميادين.

موضوع ذا صلة: أرمينيا تقترب أكثر من الاتحاد الأوروبي