مركز سيتا
يرى بعض المراقيبين أن موجة العنف الأخيرة التي ضربت العراق، تعد مؤشراً لعودة الاضرابات للبلاد، الأمر الذي قد يعرقل “خارطة الطريق” السياسية بعد انتخاب رئيس للبرلمان، وعقبة أمام تشكيل الحكومة المقبلة.
مثّلت تلك الهجمات المتعددة تحولاً في المشهد حيث وجهت نحو أهداف مدنية، في أعقاب إصرار السيد مقتدى الصدر على تشكيل حكومة أغلبية، قد تستبعد الموالين لإيران.
تصاعد الأحداث
بالتزامن مع ذكر اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني وقائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، توقع بعض المحللين أن تحصل توترات أمنية على خلفية الحادثة التي نفذتها الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب؛ بدورها، توقعت واشنطن أن تتعرض مواقعها في العراق – سواء الدبلوماسية أو العسكرية – لهجمات على خلفية ذات السبب، وهذا ما حدث فعلاً.
إلا أن تصاعد الأحداث بدأ حقيقةً مع إعلان نتائج الطعون في الانتخابات النيابية، أكتوبر/تشرين الأول 2021، وخسارة الكتل الموالية لإيران من المشهد السياسي العراقي، الأمر الذي لم يرق لها في ضوء النجاح الساحق الذي حصده زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلا أن الخلاف لا يزال هنا ضمن المقبول لأن النتائج جاءت كخلاصة لعملية الاقتراع والتي تم إعادة فرزها مرتين؛ بعدها، بدأت بعض الهجمات على عدة مواقع مثل محيط السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد، وتم استهداف قاعدة تركية بصواريخ غراد في قضاء بعشيقة شمالي العراق، والاستهداف الآخر كان عبر إستخدام طائرات مسيّرة على قاعدة “بلد” الجوية، حيث تعامل الأمن العراقي مع الحدث الأخير وفشل الاستهداف.
كل ما سبق أتى متزامناً، لكن الأخطر من بين كل هذه الاستهدافات كان استهداف مقر “حزب تقدم”، برئاسة محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب، الذي مع تجديد ولايته رفضت بعض الكتل إعادة انتخابه، ليأتي استهداف مقر حزبه بعد ذلك كمؤشر اعتبره البعض أنه رداً على تجديد ولايته، في إشارة إلى الكتل الشيعية الموالية لإيران.
إيران تتصدر المشهد
تعيش إيران – في الوقت الحالي – مفاوضات مصيرية تتعلق بالاتفاق النووي، وتسعى على إنجاحه أسوةً بالدول الغربية التي رأت – مؤخراً – أن النتائج تبعث على التفاؤل، خصوصاً وأن الجولة الحالية يتم فيها مناقشة التفاصيل الدقيقة ما اعتبره البعض أنه المهمة الأصعب لا سيما مسألة رفع العقوبات والذي من المتوقع أن يتحقق؛ منطقياً، من المستبعد جداً أن “تضحي” طهران بهذا الأمر لأجل العراق، حتى ولو كانت تملك قاعدة شعبية كبيرة فيه.
من هنا، إن اتهام إيران بوقوفها خلف تلك الهجمات يبدو أمراً بعيداً عن المنطق، لكن الخشية الإيرانية تكمن في انزلاق الأوضاع وتطورها وتحولها إلى حرب أهلية، خاصة على مقربة من حدودها، ما ينذر بخطورة كبيرة على أمنها القومي، فهي لن تصعّد مواقفها في العراق على الرغم من أن هذا البلد يُعتبر مسرحاً للتصادمات بينها وبين الولايات المتحدة.
في المقابل، هناك فريق آخر يحاول إفشال الاتفاق النووي أو تعطيله على الأقل، أي إسرائيل بالتحديد؛ فبعد فشل اللقاءات الإسرائيلية – الأمريكية (خصوصاً الأخيرة منها وأبرزها زيارة بيني غاتنس) لأجل هذه الغاية، يمكن القول بأن هناك خطة فوضى بديلة قد يشهدها العراق – لا سيما إذا تم الربط بين تنوّع الإستهدافات (أمريكي – تركي – محلي) – للتأثير على النفوذ الإيراني فيه من جهة، ولنسف الجهود الدولية حيال الاتفاق النووي والمصالحة المرتقبة بين طهران والرياض التي بدأت بوادرها بالظهور، من جهة أخرى. والسؤال هنا: هل تنجح تل أبيب بالوصول إلى مرادها في وقت تسعوده معلومات عن قرب انجاز الاتفاق النووي وطي صفح هذا الملف؟
أمور كثيرة تتظر العراق خصوصاً في ظل التجاذبات التي يعيشها، لكن الأهم أن يستطيع السياسيون فيه تجنّب الأزمات السياسية أو على الأقل التخفيف من حدتها كي لا تنعكس على المواطن الذي لا يزال يعاني من تداعيات الحروب والنزاعات التي شهدته البلاد.
مصدر الصورة: روسيا اليوم.
موضوع ذا صلة: الغياب الإيراني من المشهد العراقي.. مطلب شعبي أم دولي؟