الشيخ كامل العريضي*
تتحفنا الدول الكبرى بدروسها ونظرياتها وتوصياتها لدولتنا اللبنانية حول المساواة والإنماء المتوازن وضرورة نبذ الطائفية، والتوظيف المبني على الكفاءة، وحقوق الإنسان، وغيرها من العناوين البراقة، وهناك من ربط المساعدة المالية بالإصلاح المالي والسياسي. لغاية الآن، يبدو هذا الكلام رائعاً، وهذه التوجيهات لازمة، كما يعكس في ظاهره حرصاً كبيراً على تطور لبنان وتقدمه نظراً لحجم الفساد الهائل في إدارة الدولة.
ومن المعلوم أن هناك الكثير من الملفات أصبحت في عهدة القضاء، إلا أننا لم نرَ مسؤولاً واحداً وراء القضبان، فقاعدة الـ “ستة وستة مكرر”، كما ذكرت في مقال سابق، لا تزال سارية المفعول بين الطوائف بحساب الفساد أيضاً، بالإضافة إلى “الخطوط” الحمراء المرسومة بإسم الطائفية.
لن نخوض طويلاً في الفساد القائم منذ عشرات السنين، فهناك الكثير من المقالات والكتب والتحقيقات والبرامج المتلفزة تتحدث عن كل ذلك وبإسهاب، لكننا نأمل بأن يحصل خرق صادق تجاه إصلاح حقيقي.
أما ما أرغب الإشارة إليه هنا فهو آلية تعاطي تلك الدول الكبرى، صاحبة الأيادي البيضاء والعطاء المشكور، التي تكمن نيتها وهدفها وقصدها في “مساعدتنا” فقط. لن أتحدث عن كيفية تعاطي هذه الدول مع معارضيها، ولا عن العنصرية البارزة فيها، ولا عن أسلوبها، ولا طريقة التقسيم والشقاق الممنهج والمدروس في الدول المسيطرة عليها سواء بقوة السلاح أو بسلاح الإقتصاد، بل سوف أدخل من نافذة صغيرة في منهج تعاملها مع لبناننا، والتي تعكس الصورة الكبيرة لهذا النهج الأكثر فساداً من فساد بعض مسؤولينا.
عندما تعلن دولة ما أنها سوف تساعد مدارس منتقاة في القطاع التربوي لإنتمائها الثقافي، وعندما تدعم دولة معينة حزباً أو تياراً بسبب إنتمائه الديني، وعندما تساعد دولة محددة جماعة لتوجهها السياسي، فأين هي هذه الدول الراقية والتي تفيض أعينها بكواف الدموع على واقعنا المزري شفقة وحنواً ومحبة من راياتهم المرفوعة وكلاماتهم المنمقة والمتخمة لحد الثمالة بحقوق الإنسان والإنماء المتوازن وعدم التفريق بين الإنسان وأخيه على أساس اللون أو العرق أو الدين أو التوجه السياسي؟
أيها اللبنانيون أيتها اللبنانيات،
ليس ثمة من دولة في العالم تساعدنا كرمى لعيوننا. كل دعم مالي أو سياسي محفوف بشروط، وقد تكون مذلة، لأننا دولة ضعيفة، هكذا نحن أردناها بخلافاتنا وانقساماتنا واستعداد بعضنا إلى تقديم المصالح الخارجية على مصالح بلدنا. لا سبيل لنا إلا بالعمل الحثيث والدؤوب لنصبح دولة وازنة لها حضورها، وقوتها السياسية والإقتصادية والعسكرية. عندها وعندها فقط، يمكن أن نفاوض أية دولة من منطلق القوي والفاعل وغير المحتاج. البداية لهذا الطريق، هي العزة والكرامة والأنفة التي تكون بالإكتفاء الغذائي والإقتصادي؛ فالجائع لا يمكنه وضع أي شرط على الميسور المتكبر، بل إن جل إهتمامه وأمله هو في بعض الفتات من مائدته المترفة والتي يرمي أكثرها في سلة المهملات.
قد يقول قائل، إن هذه الدول تفعل مصلحتها، ونحن نؤكد ذلك، ولكن لماذا لا نقدم نحن مصلحتنا أولاً؟ لماذا لا نتعامل مع الدول بملفات متفرقة عندما تكون الإفادة لنا بهذا الملف مع إحدى الدول نتعامل معها، وان كان مع دولة اخرى فلا ضير من التعامل أيضاً معها دون إلتزام مطلق أو كامل مع أحد؟
ختاماً، لقد آن الأوان لحياء الوعي الوطني وإيقاضه فينا، وألا تأخذنا الدول الشرقية أو الغربية بـ “المفرق”، ولا نطلب مساعدة خارجية بوجه مكون لبناني، وإلا سنكون أمام إنتداب أو وصاية جديدة لأننا لم نبلغ سن الرشد الوطني بعد.
*مدير ثانوية “الإشراق” فرع المتن – لبنان.
مصدر الصورة: الجزيرة.
موضوع ذا صلة: وهل الآخرون فكّروا بلبنان؟