يعد إنفجار مرفأ بيروت من اكبر الحوادث التي عرفها لبنان، ليس بسبب الخسائر البشرية التي خلفها بل في تكلفته الباهضة التي قدرت بحدود 5 مليارات دولار لتضيف عبئاً إقتصادياً مضاعفاً في الوقت الذي يشهد فيه لبنان تعاظم أزماته السياسية والإقتصادية على حد سواء.
ان إنفجار 2750 طناً من نترات الأمونيوم المخزنة في إحدى مستودعات المرفأ منذ العام 2014، يثير العديد من التساؤلات حول توقيت الإنفجار في ظل تطورات الأوضاع السياسية الداخلية، إذ تشهد الساحة اللبنانية تظاهرات مستمرة، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، تطالب بالإصلاح السياسي وتحسين الواقع المعاشي في ظل تزايد معدلات البطالة بين أبناء الشعب اللبناني وإنخفاض تاريخي لسعر صرف الليرة قياساً بالعملة الصعبة، أي الدولار.
كل تلك التطورات السياسية، دفعت برئيس الوزراء اللبناني، حسان ذياب، إلى تقديم إستقالة حكومته ذات الثمانية أشهر إلى رئيس الجمهورية، ميشيل عون، لعدم تحقيقه ما جاء من أجل إصلاحه في بداية تكليفه لتشكيل الحكومة، لتضاف ازمة جديدة لسلسلة الأزمات السابقة التي يعيشها لبنان.
أما عن الإنفجار، فقد تضاربت المعلومات بشأن أسباب حدوثه وتوقيتاته ومن يقف وراءه والطرف المستفيد من ذلك كله؛ فبعد حصول إنفجار مرفأ، توالت التصريحات وتضاربت بشأنه، فمنهم من رجح بأنه حصل بسبب مواد شديدة الإنفجار مخزنة في المستودعات وليس متفجرات، حسب ما اعلنته وكالة الأنباء اللبنانية. بعدها، تم نفي ما تم الإعلان عنه وذلك بتغليب الرأي القائل بأن المستودع كان يضم مواداً شديدة الإشتعال وهي التي أدت لحدوث الإنفجار، هذا من جهة.
من جهة أخرى، هناك من يرى بأن الإنفجار سببه قصف طائرات إسرائيلية للمنطقة، إذ رجح خبراء المتفجرات هذا الأمر من خلال لون الدخان المتصاعد، الأبيض والأحمر وليس الأسود، وأن إسرائيل قد قامت بضربات على المرفأ مسببة ذلك الدمار الهائل فيه حيث سبق لها ان قامت بتوجيه ضربات جوية مماثلة لمواقع داخل سوريا وإيران.
يأتي توقيت الإنفجار في وقت يزداد فيه الإحتقان المستمر بين حزب الله اللبناني وإسرائيل على خلفية قيام حزب الله بعمليات داخل مزارع شبعا المحتلة؛ وبالتالي، تشير التخمينات إلى عدم إستبعاد إسرائيل من دائرة الإتهام في إنفجار المرفأ كونها مستفيدة أولى من تفاقم الأوضاع الداخلية بسبب الازمات السياسية والإقتصادية وتحميل الحزب مسؤولية تفاقمها. في هذا الوقت، سارعت إسرائيل إلى نفيها القيام بمثل تلك الهجمات، على غير عادتها، وهذا يعطي مؤشراً ودافعاً لصلتها بالحادث، فإسرائيل تعد حزب الله، العدو الأول لها، خصوصاً بعدما ظهرت قوته بشكل جلي في حرب يوليو/تموز 2006. قوة حزب الله تلك تمثل تهديداً حقيقياً لإسرائيل، وبالخصوص في الجنوب اللبناني الذي يعد الفاعل الرئيس ضمن تفاعلات الداخل السياسي اللبناني، فتشكيل حكومة الرئيس ذياب تمت عبر تشكيل تحالف التيار الوطني الحر، بزعامة باسيل جبران، وحركة أمل، بزعامة نبيه بري.
يعد مرفأ بيروت أهم شريان إقتصادي في لبنان وعصب الإقتصاد فيها، ويأتي توقيت الإنفجار في ظل أزمة سياسية تشهدها لبنان تطالب بالإصلاح وتغيير الوجوه السياسية التي تتحكم بالمشهد اللبناني لأكثر من 30 عاماً؛ فأزمة لبنان الإقتصادية تعد الأسوأ منذ سنوات الحرب الأهلية التي مزق البلاد لسنوات طوال. أيضاً، جاء هذا الإنفجار قبل صدور الحكم النهائي في قضية مقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في العام 2005.
كل تلك الأمور تلقي بظلالها على المشهد الللبناني، لا سيما الأزمة الإقتصادية خانقة التي أثرت بشكل كبير على المستوى المعيشي للمواطنين، فضلاً عن أزمة سياسية مستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، بالإضافة إلى التداعيات السلبية لجائحة “كورونا” وتأثيرها على قطاع السياحة داخل البلد وهو ما تسبب بخسائر جسيمة للدولة، ناهيك عن إنعكاس تطورات الأزمة السورية وتزايد أعداد اللاجئين السوريين على لبنان مما يضيف عبئاً لا تستطيع لبنان بإمكانياته المتواضعة بسبب الكلفة المالية العالية.
من هنا بالذات، سيبرز التداخل الدولي والإقليمي في لبنان بعد الإنفجار؛ فبعض الدول تدَّعي أن لها تمثيلاً تاريخياً في لبنان يحتم عليها التدخل من أجل إستعادة دورها فيه، وهو ما يظهر بشكل واضح في الدور الفرنسي حيث الرئيس إيمانويل ماكرون أول رئيس يزور لبنان بعد الإنفجار مبدياً إستعداد بلاده في إعادة الإعمار وتقديم المساعدات. هذا الحدث يعد “فرصة” لفرنسا كي تؤدي دورها المفقود في المنطقة، والعمل على إستعادة نفوذها في ظل تصاعد بعض المطالبات من الداخل اللبناني بعودة الإنتداب الفرنسي من جديد، وهي بالتأكيد لا تمثل كل الأصوات داخل لبنان لكنها قد تعد مؤشراً على فقدان المواطنين للثقة بالنخبة السياسية المتهمة بالفساد ومطالبة تغييرهم، هذا من جانب.
من جانب آخر، يبرز التنافس الإقليمي من قبل دول المنطقة بالأخص بين إيران والمملكة العربية السعودية التي تحاول ضم لبنان إلى الصف العربي من جديد في ظل تنامي الوعي اللبناني بتقليص النفوذ الإيراني داخل البلد لا سيما بما يعني دعم حزب الله ونفوذه السياسي، حسب رأيهم، وهذا ما يمثل فرصة ذهبية للرياض من أجل إستعادة دورها في تنمية علاقاتها من جديد، وتقديم الدعم اللازم والمساعدات للشعب اللبناني.
بالتالي، يمكن القول بأننا هنا أمام تصارع دولي، على لبنان، بين مختلف القوى والأحزاب السياسية وسط تناقضات الموقف اللبناني المتفجر أصلاً بسبب الأوضاع السياسية والإقتصادية وإنعكاساتها على الشعب.
*أكاديمي وباحث في الشأن السياسي – العراق.
مصدر الصور: الحرة.
موضوع ذا صلة: قراءة أولية في إنفجار مرفأ بيروت