د. هشام حمدان*

مقدمة

نحن في نهاية النفق الذي دخلناه طوعاً، منذ العام 1969. فمنذ أن وقع لبنان على إتفاقية القاهرة المشؤومة، سمح بتحويل أرضه إلى ساحة حروب إقليمية ودولية، وتحول إلى جزء لا يتجزأ، من صراع القوى الكبرى في إطار حربها الباردة. ومن يعتقد أن المسؤول عن حالتنا الراهنة هو كل الذين توالوا على السلطة منذ العام 1990 فقط هو مخطئ. ولن يتمكن من تحقيق أية حلول وطنية مستدامة تحفظ لبنان حقاً وتعيد إليه الإستقرار والسلام والحياة الطبيعية.

منذ العام 1969، لبنان دخل بإرادته في الصراع العربي – العربي والصراع الغربي – الشرقي تحت عنوان “تحرير فلسطين”. ثم دخل في مشروع المنتصر بعد سقوط الصراع الغربي – الشرقي، وبدءاً من العام 1990، تحت عنوان بناء السلم بعد النزاع، فصار ضحية لهذا المشروع الذي أيقظ الصراع الديني في المنطقة كلها، ولكن هذه المرة للنيل من العرب والمسلمين أنفسهم، ودائماً تحت عنوان تحرير فلسطين.

الآن، حان الوقت لحسم هذا الفصل من مشروع المنتصر ودائماً بانتظار الفصل التالي، وكل ذلك تحت عنوان تحرير فلسطين. الضحية تريد تحرير فلسطين من نجس الإحتلال الصهيوني. والمنتصر في الحرب الكونية، يريد تثبيت إسرائيل بل وبعضها يريد تحريرها من العرب والمسلمين. الآن، حان الوقت لإغلاق هذا الجزء من المسرحية. ولكن وبالنسبة لكل الآخرين، يتوقف المسلسل في هذا الصراع على هذه المنطقة إلى أن يحين الوقت بتنفيذ الجزء الجديد من هذا المسلسل.

اليوم كلبنانيين، لدينا الفرصة لإيقاف استمرار استخدام وطننا مسرحاً لأحداث الجزء الجديد. وهذا يتطلب التقاط الفرصة، لإعادة بناء الوحدة الوطنية، وإسقاط كل الثغرات التي أمكن من خلالها للآخرين، استدراج لبنان إلى مسرح الأحداث. ومن أجل ذلك فإنه يجب تزخيم الثورة، وتركيزها على مبادئ واضحة تنتج خطة وطنية متكاملة ومستدامة قابلة للحياة الدائمة فلا تسقط مع بدء تنفيذ هذا الجزء الجديد من المشاكل المنتظرة في المنطقة. هذه الخطة يجب أن تقنع المواطن اللبناني وتكون قادرة على استقطاب الدعم العربي والإسلامي والدولي لها.

المبدأ الأول: تحديد أهداف الخطة

برأيي، على الثورة أن تحدد العناصر الأساسية لهذه الخطة، وذلك انطلاقاً مما شرحته آنفاً، وما يفرضه الدستور الوطني، وما يحتاجه منطق العصر من الإنخراط الدائم في النظام الدولي القائم، بشقيه السياسي والإقتصادي.

المبدأ الثاني: التأكيد في أية خطة، على موجب تحقيق وحدتنا الوطنية

لن يكون هناك أية وسيلة، أو طريقة للخروج من الواقع المزري الذي نعيشه، ومن المآسي التي نمر بها، إلا من خلال قدرتنا على إقامة قناعة فعلية في الشارع اللبناني العريض، بأن خطة العمل تستجيب وتهدف لتلبية مطالب كل المجموعات فيه. ويجب أن يكون عنوان الخطة: مشروع خطة عمل لبناء الوحدة الوطنية من أجل وطن موحد سيد ومستقل. ومثل هذه الخطة يجب أن تضع الهموم المشتركة للمواطن من كل الطوائف والمناطق في سلة واحدة فلا نفكر بأن همومنا متعلقة فقط بالشمال، أو بالجنوب، أو البقاع، أو الجبل، أو بيروت، ولكنها متعلقة ببناء وطن يستجيب لهموم كل هؤلاء، سواء الأمنية، أو الاقتصادية، أو الإنمائية، أو الإنسانية، وكذلك تحقيق حقوق الإنسان، والحريات العامة، والعدالة للجميع من دون أي تمييز على أساس الدين أو المعتقد أو المذهب أو الجنس.

المبدأ الثالث: إحترام التعددية الثقافية والحضارية للمكونات اللبنانية وتكريس مفهوم لبنان الرسالة

إن أول العناصر الضرورية، لتحقيق الوحدة الوطنية، هو احترام التعددية الطائفية والمذهبية في لبنان، ومنع قيام أية طائفية سياسية، وتوفير كل الحقوق والمقومات، التي تضمن لكل من هذه المكونات، الشعور بالطمأنينة، والمساواة، وحقوق المواطنة الكاملة. ومن المميزات الأساسية للبنان التي تعزز من سلامته الإقليمية، ودوره الإقليمي والعالمي، هي ميزة هذا العيش الحضاري المشترك القائم بين 18 طائفة. لقد كان الشعور بالغبن والخوف لدى هذه المكونات، أحد الأسباب الأساسية للتفرقة بيننا، والسماح بالتالي، للإعداء وأصحاب المصالح من القوى الإقليمية والدولية، وتحت عنوان “فرق تسد”، بإخضاع إرادتنا الوطنية السياسية، والإقتصادية، والهيمنة على مقدراتنا، وثرواتنا، ورهن أموالنا.

من هنا، علينا وضع النصوص التي تضمن لكل مكونات لبنان، الشعور بالأمن والحماية ضمن النظام اللبناني الذي سيقوم، وكذلك بالإحساس بالعدالة، والمشاركة، والثقة بالمستقبل. وأنا لا أتردد بأن أضيف بأن علينا أن نعمل بكل تصميم وعنصر حماية ضرورية للبنان، على حماية الدور المسيحي في لبنان فهو الذي يمنح لبنان وجهه المميز بين كافة الدول العربية. كل هذا الأمر من شأنه أن يضمن الإحترام الثقافي بيننا بكل ما يعنيه، من ثقافة خاصة لكل منّا، ومفاهيم دينية خاصة، وقناعات دينية خاصة، وبنفس الوقت يدفع من كل مواطن لأن يقبل بأنه ليس من المهم أن يكون في موقع وظيفي محدد، لتحقيق ضرورة تأمين هذه الحماية الخاصة.

1. نحن لدينا في دستورنا ما نريد، فقد نص الدستور على المناصفة في مراكز الفئة الأولى ولم يحدد أية وظيفة لهذه الطائفة او تلك. كما لم يحدد أي مذهب من هذه الطوائف في إطار المناصفة مما يعني أن الأوليّة هي للمستحق من أي مذهب من هذه الطائفة.

2. كما أن الدستور نص على إنشاء مجلس للشيوخ، ومثل هذا المجلس هو الذي يجب أن يراقب قرارات الحكومة في علاقاتها الخارجية. كما يجب أن يوافق أولاً على قرارات الدولة في التعيينات الخارجية، وعليه أن يضمن ألا تضر هذه القرارات بعلاقات لبنان الخارجية ومبدأ حياده عن الصراعات الإقليمية وتطبيق الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان من أي عدوان خارجي. وينظر هذا المجلس في كل قرارات الحكومة التي قد تضر بالوحدة الوطنية، ومبدأ العيش المشترك، ومبادئ الدستور التي تحمي الحريات الدينية، وتكفل الحريات العامة، وحقوق الإنسان. ويجب أن يكون مؤلفاً من كل الطوائف الموجودة بالتساوي مهما يكن عددها، على أن تمنح حق الفيتو في أي قرار يتصل بخرق الدستور ومبدأ تحييد لبنان عن الصراعات الخارجية. كل ذلك لكي يزيل لدى كل الأقليات الشعور بالخوف وأن يضمن لها أمنها واستقرارها وحقها بالتنوع الثقافي في إطار الجماعة.

3. نص الدستور أيضاً، على إلغاء الطائفية السياسية، وإنشاء مجلس نيابي خارج القيد الطائفي. وهذا النص يضمن للبنانيين ممارسة الحياة المدنية الكاملة، كما يضمن حقوق المواطنة الكاملة، والمشاركة في انتخاب ممثليهم، فالنائب هو ممثل للوطن وليس ممثلا لفئة معينة أو منطقة معينة. ومثل هذه الانتخابات تفرض أن تجري وفقا لقانون انتخابي على أساس الأحزاب، وذلك بعد إعادة النظر في قانون الأحزاب. ومثل هذا المجلس يزيل لدى المواطن من كل الطوائف والمناطق الشعور بالغبن ويمنحه حقه الكامل في محاسبة الحزب الذي لا يحقق له أمانيه.

4. نص الدستور كذلك، على إقامة اللامركزية الإدارية. وهذا المفهوم يتصل بكل هموم المواطن اليومية سواء قضاياه وهمومه الشخصية، أو همومه الاقتصادية والإنمائية، وكذلك في أمنه الداخلي. وهو أمر يستجيب أيضاً، إلى أحد مبادئ التنمية المستدامة، وتنمية الريف، والإنماء المتوازن، وإقامة التكامل بين الأقاليم لتوفير نظام اقتصادي وطني مستدام. ويفرض الدستور إعادة النظر بالتقسيمات الجغرافية القائمة، فإما يتم تصغيرها قليلاً أو تكبيرها قليلاً ولكن ليس بغرض التوازن الطائفي والمذهبي بل بغرض الإحتياجات الإنمائية.

ومن الضروري أن نلغي كلياً، أي تفكير بنظام فدرالي، أو كونفدرالي، فلبنان لا يمكن أن يقوم على مبدأ الحكم الذاتي لأيّة أقليّة، وإلا فلبنان سينتهي سريعاً كدولة موحدة. وعلينا أن ندرس بدقة الحاجة لمنح كل منطقة صلاحيات واسعة تحت عنوان اللامركزية الإدارية، يسمح لها بإقامة البنى التحتية، وتطوير الخدمات الإدارية والقضائية والصحية والتربوية والأمنية الداخلية وكل ما من شأنه التخفيف على الناس. وأقترح اعتماد آلية الانتخاب الديموقراطي لأعضاء مجلس إدارة الوحدة، على غرار انتخابات البلديات. وهذا ما نراه في البلدان الديمقراطية التي يوجد فيها تقسيمات إدارية واسعة تحت مسمى ولايات.

وإنني أدعو إلى تشكيل حكومة حيادية من إخصائيين لا تكون صدامية، وتحظى بثقة الشعب، ويكون لها حق التشريع الاستثنائي بغرض إعادة الانتظام العام للعمل الإداري والقطاعات الاقتصادية، وفرض احترام القانون واستقلالية القضاء، واستكمال تطبيق أحكام الدستور. القول بأن الجمهورية الثانية ماتت، لا يتوافق مع الحقيقة لأن الجمهورية الثانية لم تبدأ أصلا، وتوقف تطبيق اتفاق الطائف منذ العام 1992.

المبدأ الرابع: إحترام نظام الفصل بين السلطات

علينا التركيز على تطبيق القاعدة الدستورية المتعلقة بالفصل بين السلطات، بمعنى أن لا سلطة يحق لها التدخل في شؤون السلطات الأخرى إلا وفقا لقواعد الدستور. وبالتالي فأول المبادئ الأساسية هو إقامة سلطة قضائية مستقلة تمنح المواطن، الثقة بنظام العدالة، وتمنح المستثمر الأجنبي الثقة أيضاً، بهذا النظام. فنظام العدالة هو أبرز شروط استقطاب الاستثمارات من الخارج.

ثم يجب الفصل بين النيابة والوزارة. فلا يمكن أن يعيّن أحدهم وزيراً وبنفس الوقت يكون نائباً أو عنده علاقة تجمع بينهما. ونأمل أن يتبع تأليف الحكومات ما هو معمول به في النظم الديموقراطية، فيسقط مبدأ التوافق، ويسود مبدأ الحكم والمعارضة، ويعتمد مبدأ لا طائفية الحكومة مع احترام مبدأ المناصفة بحيث تتولى الأحزاب الحكم فتستقيم المحاسبة النيابية والشعبية للحكومة. ومن الأفضل دوماً عند مرحلة الانتخابات النيابية، تشكيل حكومة من وزراء تكنوقراط، أو من وزراء غير مرشحين للإنتخابات النيابية، وبالتالي يمكنهم ضبط الانتخابات النيابية بطريقة شفافة وديمقراطية، ومن دون تدخل الأفرقاء الذين لهم مصلحة خاصة فيها.

المبدأ الخامس: إحترام التزاماتنا في المنظمات الإقليمية والدولية

قلنا، إن المبدأ الأساسي للخروج إلى رحاب وطن قوي، وعزيز، ومزدهر، يعتمد على تحقيق وحدة وطنية، كون الوحدة الوطنية هي السبيل والمخرج من كل مأزق. وعليه يجب أن نفكر بسياسة خارجية مناسبة لنا. وفي هذا الإطار، لا يمكننا مطلقاً النظر إلى الواقع اللبناني القائم إلا من منطلق علاقاتنا الخارجية التي لدينا التزام بها، سواء ما هو متعلق بميثاق الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة، أو بما يتعلق بجامعة الدول العربية أو بمنظمة مؤتمر الدول الإسلامية.

نحن ندرك أن بلدنا الصغير لبنان، وعلى ضوء الظروف التي مررنا بها، ووواقعنا الجغرافي، وواقعنا الاجتماعي، المكوّن من مجموعات طائفية مختلفة، يستوجب أن يكون لدينا سياسة خارجية ذكية، تستجيب لحاجات حماية هذا الوطن الصغير، وبنفس الوقت، تستجيب لمتطلبات مرحلة النهوض بالإقتصاد، وبالدور اللبناني على المستوى الأقليمي والدولي. هذا يعني وبكل بساطة، أنه لا يمكننا إطلاقاً أن نكون جزءاً من محور إقليمي أو دولي. الإنتماء الى محور يخالف كل قواعد الدستور. فلبنان اعتمد دائما في سياستة الخارجية، مبدأ عدم الانحياز خلال الحرب الباردة، ويفترض أن نعتمد الآن سياسة مماثلة تقوم على أساس الحياد عن النزاعات التي تحصل بمحيطه الأقليمي والدولية، خاصة فيما يتصل بالأشقاء والأصدقاء.

تحييد لبنان، لا يعني أنه لن يكون مشاركاً في الدفاع عن القضايا المشروعة للشعوب الشقيقة المجاورة. فلبنان ملتزم بموجباته وفقا لميثاق الأمم المتحدة. ويمكنه أن يلعب دوراً فاعلاً في المحافل الدولية انسجاماً مع قواعد القانون الدولي، والشرعية الدولية. لبنان لا يستطيع، ولن يكون بعد الآن، ساحة حروب من أجل أي طرف. ولن يلجأ إلى حقه باستخدام حقه باستخدام القوة العسكرية، إلا في إطار الدفاع عن النفس، ووفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. ونريد لبنان المحايد، أن يكون مركزاً للحوار بين الدول الشقيقة والصديقة المتنارعة ولاسيما في هذا الشرق المسلم الكبير. فلماذا يعقد الحوار بشأن سوريا مثلاً، في الأستانة أو جنيف وليس في بيروت؟

كما أن التكوين الاجتماعي في لبنان، والحضور المسيحي البارز والفاعل في النظام العام في البلاد، وتاريخه الثقافي كجسر للتفاعل الثقافي بين الغرب المسيحي والشرق المسلم، والاعتراف التاريخي لقداسة البابا يوحنا بولس الثاني بدوره كوطن الرسالة، يمنحه فرصة ذهبية ليتحول مركزاً دائما للحوار بين الحضارات، مما يساهم في إقامة مناعة في عالمنا العربي والإسلامي من الصراع الديني الذي يسعى إليه أعداؤنا لتقسيم بلداننا وضرب وحدتنا، ويجعل منه نموذجاً للرد على مقولة صموئيل هنتنغتون عن حتمية صراع الحضارات. ندعو لإعادة المطالبة في الأمم المتحدة لاعتماد لبنان مقراً دائماً لحوار الحضارات وإنشاء مركز دائم تابع للأمم المتحدة في بيروت لهذا الغرض. كما نريد أن تتحول بيروت إلى مدينة عالمية على غرار جنيف، فبيروت يمكن أن تعود مركزاً للشركات والمصارف الكبرى، وللمؤسسات العالمية، الحكومية الدولية وغير الحكومية.

إنني أدعو لإعادة المطالبة في الأمم المتحدة، لاعتماد لبنان مقراً دائماً لحوار الحضارات، وإنشاء مركز دائم، تابع للأمم المتحدة، في بيروت لهذا الغرض. كما أدعو إلى تحويل بيروت إلى مدينة عالمية على غرار جنيف، فبيروت يمكن أن تعود مركزا للشركات والمصارف الكبرى، وللمؤسسات العالمية، الحكومية الدولية وغير الحكومية.

إن موضوع حياد لبنان عن هذه الصراعات الإقليمية والدولية هو مسألة حيوية، لحماية وحدتنا الوطنية وأيضاً لتعزيز دورنا كبلد صغير. لبنان سيتحول كما كان دائماً، صديقاً للجميع لا يعادي إلا من يعاديه ويعتدي على حقوقه، وعليه نتوقع أن يقوم أصدقاؤنا في مساعدتنا على استكمال برنامج إعادة بناء السلم في بلدنا بعد النزاع، وفقا لتعريف الأمم المتحدة الذي يعتبر هذا المبدأ واجباً دولياً لحفظ الأمن والسلم الدوليين.

المبدأ السادس: موجب الدفاع عن لبنان وحقوقه الوطنية

نحن ندرك وجود عدو متربص بنا في جنوب لبنان، وهو عدو شرس، ولديه طموحات وأطماع لا تخفى. ومثل هذا الواقع، يستوجب أن يكون لدينا الوعي والإدراك بأهداف هذا العدو. وأن نحدد ونعرّف بصورة وطنية وواضحة، أطماع هذا العدو. وأن نقوم برسم سياسة استراتيجية للدفاع عن حقوقنا ووطننا. فتحييد لبنان عن صراعات المنطقة، لا يعني أن لبنان لن يكون شرساً في الدفاع عن حقوقه الوطنية، واستكمال تحرير كل ذرة من ترابه المحتل. لكن وبالتأكيد، فإنه يجب ألا ننسى أبداً، أن ما يصون قوتنا في دفاعنا عن وطننا، هو أن نعمل في إطار مكونات الدستور الوطني، ووفق قواعد القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة. ولبنان لا ينفك يؤكد التزامه تنفيذ التزاماته بالقرارات الدولية وبآليات الأمم المتحدة لتسوية المنازعات.

ولكن علينا أن نركز بشكل أساسي، على اتفاقية الهدنة، لأنها وثيقة إلزامية منصوص عن سندها القانوني صراحة، من خلال الإشارة إلى المادة 40 من الفصل السابع من الميثاق. في حين، أن القرارات الأخرى تبقى ظرفية، ولا تحدد فقراتها السند القانوني لها، مما يسمح للعدو ومن يدعمه، باعتبارها خاضعة للفصل السادس المتصل بالحلول السلمية، والتي تفرض الحوار مع العدو، مما يمكن أن يضر بمصالحنا كما حصل مع الدول العربية المجاورة. هذا مع العلم، أن لبنان لم يشارك بأية حرب عسكرية بعد تلك الإتفاقية. وعلى العدو بالتالي الالتزام بهذه الإتفاقية، والانسحاب إلى الحدود التي وضعتها تلك الإتفاقية، والتي تنطبق مع الحدود التاريخية لحدوده مع فلسطين المحتلة.

وإنني أدعو إلى ترسيم الحدود البرية والبحرية للبنان مع الدول المجاورة له. وأن نطلب تأليف لجنة من الخبراء، بحيث يختار كل بلد خبراءه، ويتم الإتفاق على الطلب من بلد ثالث ليس له علاقة بمشاكل المنطقة لكي يسمي لجنة خبراء من تلك البلاد تشرف على أعمال خبراء الدول المعنية. ويتم وضع نظام عمل لهؤلاء الخبراء مشابهاً لنظام عمل المحكمين في الخلافات التجارية الدولية. (اقترح استشارة القاضي جوزيف عقل عضو محكمة قانون البحار بهذا الصدد).

خضنا في إطار الدبلوماسية اللبنانية، صراعاً كبيراً في مرحلة من المراحل، من أجل تثبيت مفهوم حقنا في المقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي لأراضينا الوطنية. ونحن نعتبر مثل كل اللبنانيين، أن المقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي في لبنان، سواء المقاومة الإسلامية أو المقاومة الوطنية، سجلت انتصاراً تاريخياً مجيداً، يشكل نجمة مضيئة في تاريخنا الوطني عندما تمكنت من دحر الإحتلال الإسرائيلي العام 2000. وقد تحول 25 مايو/أيار، العام 2000، من كل عام مناسبة يفترض أن نحتفل بها وطنياً. ونأمل أن نعمل معاً لكي يتحول تاريخ 17 أكتوبر/تشرين الأول الذي يشكل أيضاً شعلة مضيئة في تاريخنا، إلى يوم مماثل نحتفل به وطنياً.

لكننا اليوم في مرحلة جديدة ومختلفة، بدأت منذ 25 أيارالعام 2000. وعليه صار لزاماً إقامة الإستراتيجية الدفاعية يكون عمادها الجيش اللبناني وفقاً لقواعد القانون الدولي، ويكون هدفها تعزيز قدرات لبنان والجيش اللبناني الدفاعية، لتمكيننا من مواجهة هذا العدو كلما اقتضت الحاجة. وفي هذا الإطار علينا ألا نتغافل، أو ألا نسمح بالتغافل، عن أي عنصر من عناصر القوة الداخلية للبنان. فبالإضافة إلى القوة العسكرية المطلوبة للجيش تستوجب أيّة استراتيجية، بناء نظام مستقر إقتصادياً واجتماعياً.

نحن بنينا عبر المرحلة الماضية من السبعينات، ومن بعد الإحتلال الإسرائيلي للبنان، وحتى العام 2000 قاعدة مهمة من الفكر الإستراتيجي الدفاعي، سواء ما كان ذلك في إطار ما المقاومة العسكرية الأهلية، أو في إطار المقاومة الدبلوماسية التي اتبعت الأنشطة السلمية في إطارالوظيفة الدبلوماسي. ومن هذا المنطلق، يجب أن يكون لدينا في الإستراتيجية الدفاعية، كل هذه العناصر التي تحمي هذه القوة. أنا على قناعة بأنه لا يجوز التفريط بما حققته المقاومة من إنجازات، وبما حققته من طاقات وقدرات، وبما لديها من مقومات عسكرية مهمة، إنما بشرط أن تصبح هذه الأمور جزءاً لا يتجزأ من منظومة الدفاع الرسمي للبنان. كما لا يجب التفريط بما حققته الدبلوماسية اللبنانية للدفاع عن حقنا الطبيعي والفطري بالدفاع عن بلدنا.

وأقترح اعتماد النموذج السويسري لجهة إقامة الجيش المدني (الإحتياط) الذي يتم استدعاؤه عند الحاجة. فيتألف هذا الجيش الإحتياطي، من المقاومين الأبطال الذين قاتلوا في سبيل تحرير الوطن، وخاصة يوم كان الجيش اللبناني مفككاً ومشرذماً، وأيضاً من الراغبين طوعاً في الإنخراط في دورات التجنيد الاحتياطي، مما يضاعف من قوة الجيش عملياً. هذه الاستراتيجية تحافظ على قوة لبنان الدفاعية وتخفف من الأعباء المالية للجيش ولا تخرج المواطن من دوره في حركة النشاط الاقتصادي الهادفة إلى صناعة التنمية المستدامة الوطنية.

إنني آمل أن يشكل هذا الاقتراح رداً على مشاغل وهموم قسم كبير من أهلنا في الجنوب، وقسم آخر، من القطاعات السياسية الوطنية التي تعتبر أنه لا يجب المس بالمقاومة. ويجب علينا إقناعهم بأن المقاومة ما لم تكن ضمن إطار الوحدة الوطنية، وضمن إطار خطة إستراتيجية وطنية تشمل كل اللبنانيين، ولها الطابع القانوني الدستوري ستصبح وبالاً على لبنان كما هو الحال اليوم.

وإنني أقترح أن يقوم فخامة رئيس الجمهورية بدعوة قادة الكتل والأحزاب إلى طاولة حوار وطني، يكون عنوانها فقط، إعادة التأكيد على إعلان بعبدا لعام 2012 وتثبيت مبدأ النأي بالنفس، وتحييد لبنان عن أزمات المنطقة، كتأكيد من جانب لبنان على رفضنا التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى، مما يعزز بدوره، حقنا برفض تدخل الآخرين في شؤوننا الوطنية. وكذلك بغية تبني استراتيجية دفاعية وطنية وفقاً لما شرحته آنفاً. هذه هي فرصتنا للخروج من العقوبات الخارجية والمشاريع التفتيتية للمنطقة ومن الواقع الاقتصادي المزري الذي نعيشه.

*سفير لبناني متقاعد.

مصدر الصور: lebtivity – صحيفة العرب – إذاعة النور.

موضوع ذا صلة: الأمن القومي في مستقبل لبنان (1/3)