حوار: سمر رضوان

من غير المعروف لحد الآن خلفيات ودوافع قرار الولايات المتحدة بسحب قواتها العسكرية، لا سيما من سوريا والعراق وأفغانستان، وسط تعدد الروايات والتي أبرزها خلط الأوراق قبيل تسليم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلطة في البلاد.

عن الإنسحاب الأمريكي ودلالاته ومرتكزات السياسية الخارجية الأمريكية في العهد الجديد وغير ذلك، سأل “مركز سيتا” الدكتورة عبير كايد، الأستاذة المحاضرة في العلوم السياسية والباحثة في الشؤون الأميركية والمشرق العربي – الولايات المتحدة، حول هذه التطورات وأبعادها.

تموضع.. لا إنسحاب

إن إنسحاب القوات الأمريكية من سوريا ليس كلياً بل جزئياً بمعنى أنه تخفيف عديد القوات لأسباب أسميها “إستحقاقات لترامب” كونه يريد الإيفاء بها منذ وعده في العام 2016. عملية إعادة التموضع تلك تتشابه نشل كبير مع ما حدث في العراق منذ فترة وجيزة مضت، وعلى مدار ولاية الرئيس ترامب.

لكن الأهم من ذلك وقبيل مغادرته وتسليمه السلطة، سيحاول الرئيس ترامب “عرقلة” جهود ومهام خلفه جون بايدن، فكلما تعثرت الأمور تعقدت الأحداث عسكرياً، ما يعني صعوبة الحلول لدى الإدارة الأمريكية وهو ما سيعرضها إلى هجوم وإنتقاد داخلي من الرأي العام الأمريكي المهم جداً حيث يتم إستغلاله للنيل من المرشح السياسي وخاصة في بداية أول 100 يوم من تسلمه السلطة، لأن الحكم على الرئيس الجديد يكون ضمن هذه الفترة بما حققه، وقدمه للجوانب الإقتصادية والعسكرية وغيرها من القطاعات الحيوية.

لماذا ميلر؟

بالنسبة إلى شخصية كريستوفر ميلر، هو من الشخصيات التي كانت تعمل في الشركات الكبرى، مثل بوز آلن هاميلتون – Booz Allen Hamilton، وهي شركات تتعاقد مع وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين. من هنا وعند البحث عنه، نرى بأن ميلر كان أحد أهم الموظفين الذين أتموا صفقات بيع الأسلحة خصوصاً في منطقة الخليج العربي؛ بالتالي، من السهل إنتزاع قرار عسكري منه بضرب إيران أو إستهداف منشآتها النووية. لكن والسؤال المهم: هل ذلك ممكن أو واقعي ويؤدي إلى حرب في نهاية ولاية الرئيس ترامب؟

شخصياً، أستبعد أية ضربة عسكرية لإيران بشكل مباشر، لكن من الممكن أن تستهدف القوات المحسوبة عليها، كقوات الحشد الشعبي وغيرها، خاصة بعد عملية إغتيال الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في العراق. من الممكن تكرار هذا السيناريو، ليكون ذلك تاريخ يذكر للرئيس ترامب.

والأمر الآخر الهام في شخصية وزير الدفاع بالإنابة أنه لو أخذ أي قرار مهم، كونه يملك السلطة العليا في تحريك الجيوش وتموضعها في المنطقة، فسيكون التصديق على سحب بعض الجنود لأسباب تكتيكية ليس إلا، كما سبق وأشرت.

إدارة للملفات

أما بالنسبة إلى السياسات الخارجية للرئيس المقبل خصوصاً ما يتعلق بالملف الإيراني، أعتقد أن الإنجازات التي حققها الرئيس ترامب ستصب في خانة بايدن إيجابياً لا سيما وأن السياسة الخارجية الأمريكية ثابتة تجاه إيران التي لا تريد لأية دولة من دول المنطقة بالتفوق على إسرائيل، وتحديداً في الشق العسكري، أو تهدد أمنها. من هنا، حدثت الإغتيالات التي ذكرتها أعلاه، بالإضافة إلى العقوبات الإقتصادية التي أضعفت طهران إلى حد كبير بهدف تحييدها.

بالنسبة لبايدن، فإنه سيلجأ، كما الرئيس الأسبق باراك أوباما، إلى إتباع “سياسة إحتواء”، لأنهم يعتبرونها الآلة التي يُسيطر بها على الخليج، أي سلاح ذو حدين؛ فعندما يريدون “إغضاب” الخليج وعلى رأسه السعودية، يتم تحريك الملف الإيراني وإبتزازهم من خلاله.

مع فوز بايدن، يمكن القول أنه ربما سيقوم برفع العقوبات عنها، ولكن مع بعض التعديلات، كتحديد كمية المياه الثقيل للمفاعل آراك وغيره ودخول المراقبين وتسهيل حركة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ بالتالي، سيتم العودة إلى إلتزامات ما الإنسحاب من الإتفاق، بمعنى “إننا نريد أن نسيطر على إيران ولكن بطريقتنا نحن”، أي وضعها تحت سيطرة السياسة الخارجية الأمريكية وأن لا تشكل قوة “مؤذية”.

من خلال ما سبق، أتوقع إعادة تفعيل الإتفاق النووي بأمر تنفيذي مع تعديل صياغة بعض المسائل، خصوصاً ما يتعلق بالصواريخ الباليستية طويلة المدى تحديداً، بشروط أكثر حدة على إيران حتى يقولوا للحلفاء الخليجيين، وفي مقدمتهم الرياض، بـ “أننا نقلَّم أظافر طهران في المنطقة”.

على النهج ذاته

بالنسبة إلى بعض القضايا الأخرى مثل أزمة الخليج وأفغانستان واليمن والقضية الفلسطينية، فهي نفسها بين إدارة الرئيس ترامب أو بايدن. لذلك، تكمن أولويات واشنطن الحالية في تحفيف عدد الجنود وليس الإنسحاب الكامل. على سبيل المثال، إن الإنسحاب من أفغانستان سيعني ترك الساحة لحركة طالبان دون إكمال لبنود “إتفاق الدوحة”، بين واشنطن وطالبان بواسطة قطرية – ألمانية العام 2020، حيث كان الإتفاق ينص على بقاء أعداد كبيرة من الجنود الأمريكيين، تفوق الـ 2500 جندي لكون عدد القوات الأصلية يفوق على الـ 20 ألفاً.

أما في اليمن، كان هنا هناك أكثر من قرار ضمن مجلس النواب الأمريكي يدعو إلى وقف بيع السلاح إلى السعودية وحلفائها، الإمارات والبحرين. ولكن، هل ستطبق إدارة بادين تلك القرارات؟ الجواب لا، لأن المصالح الإستراتيجية للشركات الكبرى المصنعة للأسلحة، مثل لوكهيد مارتن – Lockheed Martin، أهم من السياسة الخارجية والدبلوماسية، وهذا يعني أنها تريد بناء إقتصادها على حساب الشعب اليمني وحقوق الإنسان، خصوصاً مع سياسة “إزدواجية المعايير” الأمريكية بالنسبة إلى تلك الأخيرة فهي مع حقوق الإنسان لمنها مع ضربه وقتله في اليمن والعراق.

في لبنان وبعد زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو ومساعده ديفيد شينكر بيروت والبدء بمفاوضات ترسيم الحدود، يبدو واضحاً أن الوضع اللبناني قابل لجر القضية اللبنانية إلى مجلس الأمن لاحقاً، أي العودة إلى الطائف والإتفاقيات القانونية التي تريدها جميع الفصائل اللبنانية حتى لو لا تريدها، وتجريد سلاح حزب الله، ووضع لبنان في مأزق كي يدفع بالكثير من الطوائف، بغض النظر من هي، بالتخلي عن “محور المقاومة”، خصوصاً وأن بايدن يريد الإستمرار في تقديم الخدمات لإسرائيل، ليس من الوابة الإيرانية فقط بل من البوابة اللبنانية أيضاً.

أما الشيء الكبير المراهن عليه الآن هو القضية الفلسطينية، فموقف بادين ونائبته كامالا هاريس يتماهى مع موقف الرئيس أوباما أي العودة إلى طاولة المفاوضات ومن ثم التحكم بالشعب الفلسطيني وتحقيق ما تريده إسرائيل، حيث أتصور بأن لا يكون هناك دولة فلسطينية ولن يتجرأ بايدن على الحديث بها لأن الواقع الآن مع التطبيع. هنا، أعتقد أن تطبيع السعودية سيكون قبيل إنتهاء ولاية الرئيس ترامب، أي قبل 20 يناير/كانو الثاني 2021، لأن الأخير يريد وضع كل العراقيل الممكنة أمام إدارة بايدن، كما أنه يريد أن يقول للعالم “لقد أنجزت السلام. هل سنيكمل في خدمة خلفائنا أم لأن للحزب الديمقراطي توجه آخر؟”، خصوصاً في دعم إسرائيل.

اليوم لا أحد يراهن على مواقف السياسية الأمريكية الخارجية تجاه إسرائيل، والتي ستكون على حساب الشعب الفلسطيني وحدود العام 1967، كما لن تهدم المستوطنات بل على العكس فهناك قرارات بزيادتها، مع إشارة مهمة تكمن في زيارة الوزير بومبيو إلى مستوطنة في قلب الضفة الغربية، ما يعني أن إسرائيل تريد وقبيل إنتخاب بايدن، فرض أمر واقع ألا وهو ضم الضفة الغربية وإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني من خلال جعل كل هذه المنطقة تحت سيطرتها وبمباركة أمريكية، والقول لبايدن هذا هو الحل الموجود والمتوفر.

ماذا عن الصين وأوروبا؟

بإعتقادي، ستعود العلاقات الأمريكية – الصينية وكذلك الأمريكية الأوروبية، لأن الولايات المتحدة ستعيد تفعيل حلف شمال الأطلسي – الناتو لأن من مصلحتها تكمن في السيطرة والمناورة على “رقعة الشطرنج” التي نعرفها تاريخياً، كما أنها ستعيد الإنضمام أيضاً إلى “إتفاقية باريس للمناخ” لأنها تصب في مصلحتها كقوة “ناعمة” إقتصادية مناخية لتجعل منها “القائد” في المهام الصعبة.

مصدر الصور: الخليج أونلاين – مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.

موضوع ذا صلة: الإستراتيجية الأمريكية وإشعال المنطقة